Beirut
16°
|
Homepage
ويلات حرب وخيبات سلام
غسان شربل | المصدر: الحياة | الاثنين 03 آب 2015 - 5:52

يستحق النزاع المدمر في سوريا موقع الصدارة في لائحة المآسي التي ارتكبت بعد الحرب العالمية الثانية. الحصيلة حتى اليوم مخيفة بل راعبة. المتابعون لمجريات المقتلة الواسعة يتحدثون عن سقوط 350 ألف قتيل وأكثر من مليون جريح ومعوق. وعن خمسة ملايين لاجئ وسبعة ملايين نازح. وعن الحاجة إلى 350 بليون دولار لاعادة إعمار ما دمرته الحرب. وعن عقود من الجهد لإعادة سوريا إلى ما كانت عليه عشية انطلاق الأحداث في 2011.

الأرقام مؤلمة لأنها تكشف هول المأساة الإنسانية والكارثة الاقتصادية. ثمة وجه آخر لا يقل مرارة. حتى الساعة لا يستطيع أحد ادعاء الانتصار في هذه الحرب الباهظة. أقصى ما يمكن لأي طرف الحديث عنه هو نصف انتصار ونصف هزيمة. الأشد قسوة أن أي حل في سوريا لا يمكن أن يوفر لأي طرف مكاسب أو ضمانات توازي ما تكبده. لن يحصل أي طرف بالمفاوضات على الحد الأقصى الذي تعذر عليه تحقيقه في ميدان الحرب. ربما لهذا السبب هناك من يفضل ويلات استمرار الحرب على الخيبات التي سيحملها الحل السياسي علماً انه المخرج الوحيد من الهاوية الحالية.

لا تستطيع المعارضة السورية التحدث عن انتصار. واضح أنها نجحت في خلخلة النظام الذي حكم البلاد بالقبضة الأمنية الصارمة ما يزيد على خمسة عقود. أرغمته على الانكفاء إلى جزء من الأرض السورية. لكنها لم تنجح في اقتلاعه. ثم أن المعارضة التي طالبت في بداية الاحتجاجات بسوريا موحدة وديموقراطية تجد ما يفترض أن يكون مناطقها يخضع حالياً لقوى معادية للديموقراطية والتعددية ومرفوضة من قبل طيف واسع من السوريين فضلاً عن الرفض الإقليمي والدولي. تخلصت مناطق واسعة من نير النظام ثم وقعت تحت وطأة التكفيريين. يُضاف إلى ذلك أن أقصى ما تسمعه المعارضة من القوى الكبرى الفاعلة هو أن الحل يجب أن يحفظ مؤسسات الدولة السورية العسكرية والإدارية. وأن يحترم سلامة كل المكونات وحقوقها. الانتصار الساحق ممنوع. الحل بالتسوية والتفاوض والتوافق.


لا يستطيع النظام الحديث عن الحسم. لوح به مرات ومرات ثم انكفأ إلى الإقامة على نحو 20 في المئة من الأرض. ثم أن سوريا التي كانت قبل اندلاع النزاع لاعباً في الشرق الأوسط وملفاته الساخنة تحولت ملعباً للمقاتلين الأجانب واللاعبين الإقليميين والدوليين. لم يعد القرار في يد المعارضة الأصلية في مناطقها. ولم يعد القرار حكراً على النظام في مناطقه. من ينقذك من السقوط ويدفع دماً ومالاً يحصل بالضرورة على حق الشراكة في القرار. يستطيع النظام اعتبار بقائه نصف انتصار لكنه لا يستطيع إنكار أن انحساره يشكل نصف هزيمة.
لا تستطيع الدول التي دعمت النظام الحديث عن انتصار لأنها منعت إسقاطه. تستطيع الحديث عن نصف انتصار يضمن لممثليه مقعداً حول طاولة الحل ويضمن لها موقعاً في جهود الحل. لكن هذه الدول لا تستطيع إنكار نصف الهزيمة المتمثل بأنها تحارب الأكثرية وأن حليفها يقيم على جزء من الخريطة.

ولا تستطيع الجهات التي دعمت المعارضة الحديث عن انتصار كامل لأن النظام الذي حلمت بإسقاطه لا يزال قائماً وإن متصدعاً ومنكفئاً. لا يمكنها إنكار ان «داعش» و «النصرة» وما يشبههما أخطر عليها من نظام الأسد وتحالفه مع إيران.

حرص الدول الفاعلة على عدم انهيار هياكل الدولة السورية لا يعني تعويم النظام الذي كان قائما قبل اندلاع الاحداث والاكتفاء بجراحة تجميلية. لا المكون السني يقبل ذلك ولا المكون الكردي. الافكار المتداولة توحي بتغيير في حصص المكونات في القرار لتحقيق تطلعات غالبية السوريين.

أي حل سياسي في سوريا سيتضمن قدراً غير قليل من تجرع السم من جانب أطراف الداخل والخارج معاً. ليس هناك في سوريا حل يعطي الأطراف ما يوازي ما تكبدته من دم وخسائر أخرى. هذا يصدق على السنة والعلويين معاً. النسب السكانية تجعل أي رهان على تغييرات ديموغرافية محدود النتائج وخطيراً على المدى الطويل. ليس هناك من حل يوفر لإيران وضعاً شبيهاً بالذي كانت تحظى به قبل اندلاع القتال. استنساخ التجربة العراقية متعذر. الأمر نفسه بالنسبة إلى «حزب الله». ما يصلح في لبنان لا يجوز في سوريا.
أعرف أن عبارة نصف انتصار ونصف هزيمة شديدة الإيلام لمن فقدوا أحباءهم بالبراميل أو بغيرها. ولمن يتوزعون اليوم في مخيمات الذل والانتظار الطويل في مخيمات لبنان والأردن وتركيا. ولمن يكابدون الأهوال في قوارب الموت التائهة. لكن هذه هي الصورة. لم ينتصر أحد بالضربة القاضية. الشيء الأكيد هو أن سوريا نفسها قتلت في الحرب. إنها القتيل الكبير.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"سوريا الثورة" تثير البلبلة في البترون! (صور) 9 الحزن يخيم على عائلة الحريري! 5 بو صعب خارج "التيّار" رسميًا! 1
إنتشار عسكري "غربي" في لبنان وحشود إيرانية وروسية وصلت.. عماد رزق: بيروت ستقصف وحرب التحرير بدأت! 10 "رح نحمي بيوتنا" و"الله أكبر سوريا"... غضبٌ عارمٌ وثورة سورية قريباً في البترون! 6 الحقيقة بشأن جريمة باسكال سليمان 2
نائب يتعرض لوعكة صحية! 11 "الرجل الطيب الودود"... الحريري ينعى زوج عمته 7 كلاب بوليسية وانتشار أمني... ماذا يجري في الضاحية؟ 3
إشتباك أميركي - سعودي.. البخاري يعلق مشاركته في الخماسية؟ 12 في جونية... سوريّون يسرقون مخزناً للبزورات! 8 إشكال وجرحى في بلدة لبنانية... ما علاقة "الزوجة الثانية"؟! (فيديو) 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر