Beirut
16°
|
Homepage
هل التعويل على الاتفاق النووي في مكانه؟
دافيد عيسى | الاثنين 03 آب 2015 - 8:55

قيل وكتب الكثير في شأن الاتفاق النووي الذي تم ابرامه بين ايران واميركا والدول الكبرى بعد مفاوضات ماراتونية صعبة.

مما لا شك فيه ان هذا الاتفاق يضع العالم ولا سيما الشرق الاوسط امام حقائق جديدة وتحديات جيوسياسية جديدة. وستكون له انعكسات مباشرة وغير مباشرة على عدد من القضايا والملفات وعلى خارطة العلاقات الدولية وعلى النظام الاقليمي الأمني والسياسي.

ما بعد الاتفاق ليس مثل ما قبله هذا واضح وأكيد، ولكن ليس هناك ما يؤكد ويدعو الى موجة التفاؤل التي سادت في أوساط سياسية لبنانية معينة وخلاصتها ان الاتفاق النووي الذي سيعيد ايران إلى مظلة الشرعية الدولية سينعكس إيجاباً على سلوكها في المنطقة ويشجعها على الانخراط في عملية البحث عن حلول وتسويات للأزمات المشتعلة.
وان هذا الاتفاق سيقود إلى انفراجات سريعة والانتقال من مرحلة الحروب والثورات إلى مرحلة الحلول والتسويات...


المبالغة بالتفاؤل
كما بالغت هذه الاوساط بالتفاؤل عندما اعتبرت ان نتائج الوضع الجديد سينعكس ايجاباً على العلاقات «الايرانية - السعودية»، وان سكّة الحوار والتفاهم وتقاسم المصالح والنفوذ ستفتح مجددا بين البلدين بدل المواجهة والتصادم، وان اليمن ولبنان سيكونان ساحتي اختبار للنيات والاستعدادات. اليمن لأنها الأقرب إلى السعودية والأكثر أهمية بالنسبة لها وهي حديقتها الخلفية وجزء من أمنها القومي. ولبنان لأنه الحلقة الأضعف والأسهل والأقل تعقيداً بين كل حلقات وازمات المنطقة.
كما ذهب كثيرون ايضا إلى حدّ توقّع ان يؤدي هذا المناخ الاقليمي الجديد إلى فتح الطريق أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان، ووضع احتمالات وسيناريوات سابقة لأوانها استناداً إلى معادلة « سين - أ» التي ستسرع تفاهماً «سنياً - شيعياً» في لبنان حول الملف الرئاسي، وان هذا التفاهم سيوصل حكماً إلى «رئيس توافقي» من خارج اصطفافات «8 و14 آذار» ...

تحليلات وتمنيات ... ودور ايران
هذه التوقعات متسرعة وتظل أقرب الى التمنيات. لكنها تبقى بالحقيقة نظريات لا تتناسب مع الواقع ومع دينامية الاحداث في المنطقة المتفجرة والغارقة في نفق مظلم وفي حروب لا تنتهي والتي تظل أقوى من أي دينامية سياسية ناجمة عن الاتفاق النووي، خصوصاً ان هذا الاتفاق تقني، وان التركيز الاميركي فيه كان محصوراً على وضع حد لطموحات ايران في امتلاك سلاح نووي ولكنه لم يبحث ولم يتناول ازمات المنطقة ولا نفوذ ايران ودورها الاقليمي المتعاظم في المنطقة.

وعلى عكس هذه التوقعات فان المنطق يقول ان ايران بعد الاتفاق وبفضله ستكون أكثر استعداداً وقدرة للتدخل في المشاكل والقضايا الاقليمية من اجل تحويل الانظار عن الاتفاق وحجب بعض التنازلات النووية التي قدمتها وتعويضها بمكاسب سياسية وميدانية في العراق وسوريا، وان «الاتفاق» بالصيغة التي انتهى إليها يوفر لها غطاء دولياً يبقي كل السياسات الايرانية كما هي في الشرق الأوسط اقله في المدى المنظور.

القلق السعودي ...
وفي المقابل ستكون السعودية اكثر تأثراً وقلقاً ازاء قابلية ايرانية للتوسع والتمدد اكثر في المنطقة العربية بتغطية وتسهيل من الولايات المتحدة. وهي تعرف جيدا ان الرئيس الاميركي باراك اوباما كان متساهلاً في العراق ومتغاضياً عن سوريا لأن أولويته كانت الاتفاق مع ايران ولم يكن يريد افساد المفاوضات النووية معها. وهو سلّم بالنفوذ الايراني في العراق وفي سوريا، حتى لا يصطدم سياسياً بإيران ولأنه كان يسعى إلى اتفاق معها ينهي به عهده الذي خلا من اي انجاز خارجي، عدا هذا الاتفاق الذي سيدخله التاريخ من باب الشرق الأوسط العريض.

وفي ضوء كل ذلك فاني اقول ان الاتفاق «الاميركي - الايراني» لا يعني منطقتنا بشيء وهو مفصول تماما عن مجريات الاحداث في المنطقة العربية، وان التغيير الذي يحمله الاتفاق النووي لا يعني ان حال المنطقة سينتقل إلى الأفضل بل ربما سينتقل إلى الأسوأ.

وان الصراعات الدائرة في المنطقة ستزداد اشتعالاً ولن تخمد نارها قريباً، وان الصراع «السني- الشيعي» تحديداً سيقوى ويشتد بكل اسف، وعملية التغيير في خارطة المنطقة وجغرافيتها السياسية ستمضي قدماً إلى الأمام وفي اتجاه اعادة رسم الحدود والكيانات على انقاض اتفاقية «سايكس - بيكو»، وانه لا انتخابات رئاسية في لبنان في المدى المنظور وغير المنظور حتى لا نقول غير ذلك.

تحديد حسابات الربح والخسارة ...
وهنا وإذا كان الوقت وقت تحديد حسابات الربح والخسارة، فان هناك دولتين اقليميتين مستفيدتين من الاتفاق النووي: إيران واسرائيل.
إيران مستفيدة لأنها حظيت باعتراف دولي وتحرّرت من الضغوط والعقوبات وباتت تمتلك هامشاً ودوراً وتحركاً وتدخلاً أوسعاً في المنطقة ويمكنها من الآن فصاعداً الاعتداد بنفسها وامكاناتها ودورها كقوة اقليمية محورية.

واسرائيل مستفيدة وليست متضررة من الاتفاق. وكل الصراخ والاحتجاج الذي نسمعه لا يلغي واقع ان اسرائيل مستفيدة وتحاول ان ترفع الثمن الاميركي من خلال رفع سقف موقفها السياسي.

اسرائيل ستحصل على مساعدات وتعويضات اميركية عسكرية ومالية بحجة الابقاء على تفوّقها النوعي. كما ان اسرائيل مرتاحة إلى اعتراف المجتمع الدولي وتعامله مع إيران «الدولة الاسلامية» فهذا يسهل مسألة التفاعل مع اسرائيل «الدولة اليهودية» وإسباغ شرعية دولية عليها.

وكذلك فان اسرائيل، وهذا الأهم، تدرك ان الاتفاق النووي لن يوقف الصراع «السنّي - الشيعي» المتفجر في المنطقة وانما يزيده تأجيجاً واشتعالاً. هذا الصراع الذي تراهن عليه اسرائيل منذ سنوات وتسهم في تغذيته وتستخدمه في عملية تفكيك المنطقة وتقسيمها لاعادة تركيبها على أسس وكيانات جديدة تحاكي الكيان الاسرائيلي وتتماهى معه.
المنطقة العربية تغيّرت جذرياً والدول العربية الكبرى مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن تغيّرت وانتهت ولن تعود إلى ما كانت عليه. وما نشهده اليوم هو قيام شرق أوسط جديد ترسم حدوده واحجامه ومعالمه بالنار والدم والحديد. باشراف أو على الأقل بتواطوء اميركي لأن الولايات المتحدة معنية باسرائيل ومستقبلها وأمنها ويهمها ان توجد لها وضعاً مستقراً وحلاً نهائياً ثابتاً وبالتالي التخلص من كلفة كبيرة تتحملها الولايات المتحدة ومن عبء اسرائيل الذي يلاحقها ويثقل كاهلها.

في الختام اقول لا تنتظروا الفرج والمنّ والسلوى من الاتفاق النووي ولا تراهنوا على سراب ووهم، بل يجب ان نراهن على وحدتنا الداخلية ونضع مصلحة وطننا فوق كل شيء آخر لان اوقاتاً عصيبة وخطرة ومصيرية تنتظرها المنطقة، وليس أمامنا كلبنانيين إلا ان نأخذ نفساً عميقاً وطويلاً للتأقلم مع واقع أصعب وان نبادر إلى تحصين اوضاعنا وتحييد ساحتنا والابتعاد عن القشور السياسية والانتظار على البارد وليس على الساخن نهاية هذا الكابوس الاقليمي الطويل...
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
خرج من الأنفاق... السنوار يتفقد غزة (صور) 9 سيناريو يهدد دولار الـ 89 ألف ليرة.. خبير اقتصادي يكشف معلومات مهمة عن الخطة المقبلة! 5 "الجنون" يضرب نيسان... خنيصر يتحدّث عن أمرٍ نادر ويكشف "مفاجأة"! (فيديو) 1
حقيقة الخلاف بين باسيل وبعض نواب كتلته! 10 بشأن تسديد الفاتورة سواء بالدولار أو الليرة... بيان من "كهرباء لبنان"! 6 سعر ربطة الخبز إلى ارتفاع كبير... كم سيبلغ؟! 2
ابن الـ12 عاماً يروج المخدرات... ماذا جرى في إحدى مدارس لبنان؟ (فيديو) 11 بسبب الإيجار... إقتحمت وابنها منزلاً وقتلا إثنين! (فيديو) 7 "حربٌ أهلية"... هذا ما تنبّأ به ماسك! 3
ابن الـ 24 عاماً يُفجع زغرتا! 12 طارد مواطن بهدف سلبه عند أنفاق المطار... هل وقعتم ضحيّة أعماله؟ 8 تصلّبٌ مفاجئ! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر