Beirut
16°
|
Homepage
بعد فرنسا شيراك كيف هو شكل العودة إلى لبنان؟
روزانا رمّال | المصدر: البناء | الثلاثاء 24 تشرين الثاني 2015 - 6:49

شكّل عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك مفصلاً في تاريخ السياسة اللبنانية الحديث لجهة علاقات لبنان مع أوروبا، بين دور استطاعت فرنسا الإضاءة عليه في منطقة حساسة بتشعّباتها وبين واقع خاص يعيشه لبنان متمثلاً حينذاك بالاحتلال «الإسرائيلي». استطاع الأوروبيون التفاهم معه كحق من دون اعتبار هذا التفاهم متضارباً مع مصالحهم تجاه «إسرائيل» ومع ما تشكله أوروبا من فسحة سياسية دولية داعمة له ككيان استقطب دعم الغرب بشكل سريع منذ نشوئه، إضافة إلى ذلك تشكل حقبة الرئيس شيراك منعطفاً بتعاطي بلاده مع لبنان والأفرقاء فيه، بحيث استطاع أن يثبت الحضور الفرنسي فيه بكونه مصلحة فرنسية وامتداداً لتاريخ من انتداب تحوّل إلى حرص ورعاية في ما بعد.


هكذا تعاطى اللبنانيون مع فرنسا، وهي بدورها حرصت على اعتباره أحد أبرز مواطن نفوذها لعقود، لكن المؤشر على علاقة مميّزة بين البلدين لم يستطع أيّ رئيس فرنسي تجاوز معدّلاته منه إلا الرئيس جاك شيراك الذي شكل وصوله إلى الرئاسة أيضاً حدثاً من البوابة اللبنانية الأهلية التي كرّست رجالات كثر بينهم الراحل الرئيس رفيق الحريري.

لم يكن الرئيس جاك شيراك إلا نتاج حساب إقليمي دولي مكّن السعودية من الدخول إلى أوروبا من الباب العريض.


وكان للرئيس رفيق الحريري الفضل الأساسي في وصول «الصديق» شيراك إلى قصر الاليزيه. لقد كان الحريري يتمتع بذكاء وحنكة ويعرف أنّ مصالح البلاد لا تبنى من دون تشعّبات لا تفهمها إلا القوى الكبرى ولا تفرضها إلا المفترقات.

شكلت الحرب الأهلية في لبنان فرصة كبيرة ومفترقاً لدخول الحريري إلى معترك السياسة في لبنان من بوابة الإعمار والإنماء، لكنها شكلت أيضاً بوابة لدخول النفوذ السعودي إليها بشكل مباشر وعلى هذا المسار وبالرؤية نفسها اقترح الحريري أن تكون للسعودية فرصة التوسع نحو أوروبا بمنطق النفوذ نفسه الذي يصنع أدواراً ورجالات تمكنها من زرع رصيد سياسي ومعنوي يعزز حضورها كدولة عربية كبرى، وهي رمز بطبيعة الحال، فكسب ودّها وودّ فرنسا.

اقترح الحريري على شيراك الدخول إلى المعترك السياسي من بوابة بلدية باريس واستطاع تأمين التغطية الكاملة لحملته الانتخابية سعودياً، وبنت فرنسا أطيب العلاقات مع لبنان من باب التقدير والجميل المتبادل، لكنه لا يخرج عن مصلحة فرنسا وتاريخها معه. فحرص الطرفان على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والسياحية والثقافية وغيرها، واستطاع لبنان أن يستثمر هذه العلاقة دعماً في المحافل الدولية في وجه العدو «الإسرائيلي» أكثر من مرة، خصوصاً في عدوان نيسان 1996 ولجهة الحثّ على تطبيق القرار 425 حتى كادت «إسرائيل» تمتعض من السياسة الفرنسية المقلقة.

لم يعد ممكناً اليوم العودة إلى الوراء، ولا يختلف اثنان على أنّ العلاقات الفرنسية اللبنانية تغيّرت منذ اغتيال رفيق الحريري فخسر لبنان الصوت الفرنسي الداعم بشكل أكبر وتحوّل الاهتمام المباشر إلى اتهام سورية وحزب الله باغتيال الحريري، واليوم تلاشى هذا الاهتمام حتى بات معدوماً، فلا الرئيس نيكولا ساركوزي استطاع ترميم ما تهدّم ولا فرنسوا هولاند كذلك حتى كادت فرنسا تغيب عن المنطقة بشكل تامّ.

في الواقع لقد تمّ تغييب فرنسا بمنطق تغيير الظروف والحكام والحكومات وحضرت في المقابل الاهتمامات الأميركية والأولويات ضاربة بعرض الحائط المصالح الفرنسية في المنطقة، حتى أصبحت فرنسا تحتاج إلى حدث أضخم مما هي عليه المصالح الأميركية لكي تتخطاها وتدخل من خلالها مجدداً، أو تحتاج إلى حدث يتماهى مع المصلحة الأميركية فتعود إلى المنطقة بشكل موضوعي ومبرّر، وعلى هذا الأساس ربما تكون الفرصة هذه عادت إليها اليوم بعنوان «مكافحة الإرهاب».

يلفت النظر اليوم دخول فرنسا على خط مكافحة الإرهاب بعنوان «ما بعد تفجيرات باريس ليس كما قبله» إلى جانب روسيا كحليف، ففرنسا لم تشعر بما سارعت روسيا إلى تلقفه وتسميته تعاوناً مع فرنسا الحليفة، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. أحداث باريس التي استدرجت فرنسا نحو تحمّل مسوؤليتها الوطنية تجاه شعبها لم تعد مجرّد قدر وقع أو حدث يمكن للفرنسيين التعايش معه من دون موقف رسمي أو خطوة مقنعة. وعلى هذا الأساس يفترض أن يكون الدخول الفرنسي وازناً بالقدر المأمول والمتوقع نفسه، وجدّياً على قدر المسؤولية المنشودة، ومن هنا فإنّ نجاحها كحليف لروسيا سيكون نجاحاً سياسياً أيضاً في المنطقة يجعلها أقرب إلى لبنان مجدّداً منها إلى روسيا نظراً إلى تاريخ يسمح لها بأرضية كهذه، خصوصاً أنّ النفوذ الروسي في لبنان يحتاج إلى تأسيس وتعميق أكبر مما هو عليه اليوم، وبالتالي فإنّ العودة إلى فرض شروطها في اللعبة السياسية اللبنانية بكلّ مندرجاته واردة جداً والتعويل على تعاون فرنسي في حلّ الاستحقاقات الداخلية العالقة يرتفع منسوبه، كلما تأكدت الجدية الفرنسية في مكافحة الإرهاب ومواجهة الخطر التكفيري في المنطقة كمرحلة جديدة تفتتحها فرنسا مع المنطقة والعالم.

العودة الفرنسية إلى لبنان لن تحمل من دون شك سحر تلك المرحلة التي حملتها حقبة جاك شيراك، إلا أنها قادرة على إعادة شيء مما ذهب عبر تبعية مطلقة للولايات المتحدة أفقدت فرنسا دورها السياسي الرائد في السياسة الدولية أولاً والشرق أوسطية ثانياً.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
عصابة "خطرة" تنشط في طرابلس... بطلتها إمرأة! 9 "النكزة الأخيرة"... منشورٌ "ناريّ" للسيّد! 5 إنتشار عسكري "غربي" في لبنان وحشود إيرانية وروسية وصلت.. عماد رزق: بيروت ستقصف وحرب التحرير بدأت! 1
بقوة 5.6 درجة... زلزال "يهز" شمال تركيا! 10 بشار بطل عمليّة نصب كبيرة في طرابلس! (صور) 6 حادثة رئاسية فضحت "الثنائي الشيعي" 2
حافي القدمين... نائب سابق يتعرّض لسرقة "من نوع آخر"! (فيديو) 11 واشنطن تكشف دورها في "الضربة الإسرائيلية" على ايران 7 مستجدات فصل بو صعب من التيار! 3
تقريرٌ يكشف مصادر تمويل حزب الله 12 كليب "يُرجح" ما قد تبلغه فرنسا لِميقاتي اليوم! 8 سيناريو "مُقلق" ينتظر مطار بيروت... إنذار خطير وأيام حاسمة! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر