تحاول وزارة الإعلام أن ترمم الصدع المهني الذي تعانيه وسائل الإعلام اللبنانية منذ فترة، إنما يشوب عمل الوزارة بعض الملاحظات. دخول وزارة الإعلام في غيبوبة منذ فترة طويلة يستدعي النظر في أدائها، خصوصاً بعد دعوتها بعض وسائل الإعلام للمشاركة في مؤتمر إعلامي يعيد تنظيم الفوضى بشكل مثير للريبة.

لم يسبق لمعظم الإعلاميين فرصة التعرف إلى مديرية الدراسات في وزارة الإعلام، ولم يتسن لهم التعرف إلى مهامها أو الإطلاع على منشوراتها. اليوم تتحضر المديرية نفسها لمؤتمر "الإعلام الجديد" للحديث عن "دور الإعلام في تشكيل الوعي، لاسيما الإعلام الجديد بوصفه الأكثر انتشاراً وتأثيراً في ترسيخ المفاهيم والقيم الجديدة"، مع العلم أن الوزارة نفسها تحتاج إلى شحنات كهربائية لإيقاظها من نومها العميق.

ما إن بدأت المديرية بإرسال الدعوات إلى الوسائل الإعلامية، حتى بدأت المشكلات بالظهور بين إدارات هذه المؤسسات ومديرية الدراسات. يقول ناشر موقع ليبنانون ديبايت ميشال قنبور في حديث إلى "مختار" إن "إدارة المؤتمر لم تدعو موقعنا، بحجة أن هناك مشكلة بيني وبين مديرة الوكالة الوطنية لور سليمان، وعليه لم يتم دعوة سليمان أيضاً"، علماً أن عدم دعوة سليمان إلى المؤتمر مرده إلى خلاف "شخصي مهني" بين سليمان ومدير الدراسات في الوزارة خضر ماجد. "مختار" حاول التواصل مع مديرة الوكالة الوطنية لور سليمان، لكن تعذر ذلك بسبب تواجدها خارج لبنان.

وتعليقاً على غياب الوكالة الوطنية للإعلام عن المؤتمر، يشير ماجد في حديث إلى "مختار" إلى أن "الوكالة غير مغيبة، كل وحدات وزارة الإعلام هي شريكة لنا في هذا المؤتمر، وهي تحت رعاية وزارة الإعلام"، نافياً وجود أية مشكلة بين الوكالة ووزارة الإعلام.

على الرغم من الحديث الذي يشير فيه ماجد إلى إن المؤتمر يجمع أكبر مروحة ممكنة من الإعلام الأكاديمي والتنفيذي، إلى جانب عدد من المختصين في الجامعات الرسمية والخاصة، المرتبطة بالشأن الإعلامي، حصرت المديرية أسماء المتحدثين بعدد من الوسائل الإعلامية، بدءاً من حصر المواقع الإلكترونية بخمسة مواقع (لبانون فايلز، النشرة، IM Lebanon.com، لبنان 24، النهار نت)، مع العلم أن هناك ما يقارب "الـ300 موقع إخباري مسجل في وزارة الإعلام والمجلس الوطني للإعلام" بحسب ما يشير ماجد، متذرعاً بأن "وقت المؤتمر لا يتسع لإعطاء فرصة الكلام للجميع"، مع تذكيره الدائم بأن "جميع المعنيين بالشأن الإعلامي مدعوون ليكونوا شركاء في التوصيات التي ستصدر عن هذا المؤتمر".

كذلك، لم يحضر في برنامج المؤتمر غير قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال عبر مراسلها الزميل يزبك وهبه، حيث غابت عن البرنامج عدد من القنوات من ضمنها قناة "الجديد". توضح مديرة الأخبار في قناة "الجديد" مريم البسام في حديث إلى "مختار" أن "مديرية الدراسات في الوزارة قامت بدعوتي للمشاركة في المؤتمر، لكنني اعتذرت لأسباب شخصية ولدواعي وجودي خارج لبنان في هذه الفترة".

صحيفة "الأخبار" أيضاً لم تكن تعلم بوجود هذا المؤتمر، وهي غير مدرجة على لوائح المتحدثين الذين يمثلون الوسائل الإعلامية المكتوبة. يشير بيار أبي صعب، نائب رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" إلى أنه يعتز بعدم دعوة مديرية الدراسات الصحيفة للتحدث في مؤتمرها، وذلك لأننا "ننظر إلى أداء وزير الإعلام بعين الشبهة ووزارة الإعلام هي عنوان العداء للحريات الإعلامية".

ويضيف أبي صعب أننا "لا نعرف ما دور وزير الإعلام في هذه الوزارة، لاسيما أنه لم يقف يوماً إلى جانب المؤسسات الإعلامية اللبنانية في معارك الحريات الإعلامية، وهو يفتش بشكل دائم عن الوسائل التي تساعد على تقييد الحريات الإعلامية، هذا مع العلم أن الوزير يشكل حجراً من دومينو الطبقة السياسية والاقتصادية الحاكمة، التي تشعر بأن دورها القمعي المهيمن على الوسائل الإعلامية، يضمن بقاءها في السلطة"، موضحاً أن "المتوقع من المؤتمر، مع الإحترام الكامل لجميع المتحدثين الجديين الذين سيتحدثون عن تجاربهم المهنية، لن يكون سوى تنظيم الفوضى الإعلامية بطريقة قمعية وليس بطريقة أخلاقية ومهنية".

الورشة الممتدة على يومين، سيتحدث فيها مختصون في عدد من المواضيع المتعلقة بالإعلام الجديد، المفهوم والأسس، وعلاقته بالسلم الاهلي والهوية والحراك السياسيّ والتحديات. لكن هل تحاول وزارة الإعلام إعادة تنظيم الواقع الإعلامي في لبنان، بطريقة مثيرة للريبة؟ هل نحن أمام مستوى جديد من قمع الحريات وتطويع السلطة للإعلام؟ ما هو دور وزير الإعلام وما هي الشبهات التي تحوم حول أدائه في قمع الحريات الإعلامية، في ظل أحداث الحراك الشعبي الأخيرة؟