لم تعد "جدية" الرئيس سعد الحريري بالسير في خيار دعم رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية كمرشح للرئاسة، من ضمن سلة تسووية شاملة، موضع تشكيك. فالحركة السياسية التي تركتها خطوته أكان بين باريس والرياض، أو على الساحة اللبنانية عموما وداخل البيت المسيحي خصوصا، اضافة الى حرص قادة التيار الازرق على الجزم بأن اي كلمة في "المستقبل" لا تعلو كلمة الحريري، اجتمعت كلّها لتؤكد ان الرجل لا يناور. الا ان عربة "التسوية" لا تزال منذ حوالي أسبوعين، عاجزة عن السير قدما، اذ اصطدمت بجملة لاءات، ولو بقيت مبطّنة، فمعراب لم ترحب وبقيت متمسّكة بخيارات 14 آذار السيادية، أما الرابية التي يعد سيدها رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون مرشح فريق الثامن من آذار، فتتريث حتى اليوم في اعلان أي موقف، علما ان الاجواء التي رشحت عنها في الساعات الماضية والتي أعقبت اجتماع رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل بالنائب فرنجية، أوحت بأن عون يشترط قانونا انتخابيا عادلا، كالقانون الارثوذكسي، ليتخلى عن ترشيحه ويدعم الزعيم الزغرتاوي.

أمام العقبة المسيحية التي تظهرت بعد لقاء باريس، يقول الحريري وفق ما تنقل أوساطه عنه ان "اختيار المرشح للرئاسة مسؤولية لبنانية يجب ان يتشارك فيها الجميع، لكن المبادرة تبقى عند القيادات المسيحية ومن تتفق عليه نؤيده، ويشدد على أن لا يمكن ان يرفع الفيتو في وجه أي مرشح يحظى بدعم بكركي والشارع المسيحي". وانطلاقا من هنا، تضيف الاوساط، فان الحريري حذر في مسألة اعلان تبنيه ترشيح فرنجية صراحة، وهو الامر الذي يطالبه به فرنجية، خوفا من اطلاق حملة ضده تتهمه بمصادرة حقوق المسيحيين والاستيلاء عليها، ويعوّل على تبلور موقف بكركي من التسوية، فاذا أمنت لها الغطاء المسيحي التي تحتاج، يقدم على تسمية فرنجية. أما اذا رفضتها، فسيوقف محركاته ويعلن "أنني فعلت واجبي وقدمت التنازل المطلوب لانجاح اي تسوية، آخذا في الاعتبار ان الأقطاب الموارنة الاربعة كانوا أعلنوا دعم اي شخصية منهم تتقدم حظوظه الرئاسية، لكن المبادرة أسقطت بالضربة المسيحية القاضية".

وبالعودة الى قانون الانتخاب الذي يُشكّل الركن الاهم في هيكل التسوية العتيدة و"بيت القصيد"، فان الاتفاق عليه، وفق ما يقول وزير سابق مقرب من فريق 8 آذار، مع العماد عون، سيعني اعطاء قطار التسوية الضوء الاخضر. فالتوافق على صيغة ترضي عون سيدفعه تلقائيا الى سحب ترشيحه، ليذهب بالتالي مع "حزب الله" الحريص على مراعاة موقف حليفه، الى انتخاب فرنجية. غير ان الاتفاق هذا لا يبدو سهلا أبدا، فعون يريد "الارثوذكسي"، الذي جوبه سابقا برفض مطلق من "المستقبل"، في وقت تتمسك أطراف أخرى ضمنيا بقانون "الستين"، وغيرها بالمختلط بين الاكثري والنسبي، علما ان "المستقبل" لا يحبّذ ايضا "النسبية".

وسط غابة التعقيدات تلك، ترى أوساط سياسية مستقلة عبر أن التسوية لا تزال حتى اليوم، تفتقد الى راع خارجي، ما يزيد من تخبّطها ويعوق تقدّمها، فأي من الجهات الاقليمية والدولية الفاعلة، لم يعلن جهارا تأييده للتسوية المطروحة أو لترشيح فرنجية. وحده القائم بأعمال السفارة الاميركية ريتشارد جونز نشط على الساحة المحلية، الا ان أي موقف واضح من التسوية، لم يصدر عنه. وتضيف الاوساط ان كثرة القضايا الشائكة في المنطقة وانشغال الدول بالملفات تلك، وضع لبنان في مرتبة متراجعة في سلّم أولوياتها، غير أنها لا تنفك تؤكد أنها تبارك ما يتفق عليه اللبنانيون".