Beirut
16°
|
Homepage
هذا أنا جورج نادر.. تحقيق حلم الـ"Mon Lieutenant" - الحلقة الرابعة
المصدر: ليبانون ديبايت | الاربعاء 06 كانون الثاني 2016 - 9:19

ليبانون ديبايت - الحلقة الرابعة من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

الشخص الوحيد في العائلة الذي عارض إختياري المدرسة الحربية كان والدي العسكري .
- " ما تروح يا بيي وتتركني ، أخواتك راحو ع الجيش خلّيك حدّي هون "
- " أخواتي عسكريي بس انا بدي أعمل ضابط "
- " طز .. أنت رح تتعب كتير ببيروت لأنك آدمي وبتشتغل من قلبك، خليك حدّي وبشتريلك جفت جديد وبتعمل معلم مدرسي " .


لم تفلح محاولاته في ثنيي عن تقرير مصيري، قبّلت اليد التي ربّتني، ولثمت يد الوالدة التي مسحت دمعتها: "ألله يرضى عليك يا امي، إنتبه ع حالك ".

خلال إمتحان الدخول إلى المدرسة الحربية تجتاحني الرهبة، وأذكر في إمتحان "المثول أمام اللجنة الفاحصة" أن طُرِح علي سؤال من قبل رئيس اللجنة :
" إنّا لله وإنا إليه راجعون "لماذا راجعون وليس راجعين؟ طُرِح هذا السؤآل على أكثر من متبارٍ، وكانت الأجوبة كلها ...خاطئة “.
- راجعون هي خبر إن، وخبر إن مرفوع ، والكلمة هي "إننا لله وإننا إليه راجعون " ...
- " برافو عليك.... فلّ من هون. "

نجحت في المدرسة الحربية وإلتحقت بها بصفة تلميذ ضابط في 22 أيلول من العام 1980 .

في تلك الحقبة، كان الوطنُ ممزّقاً: "إسرائيل" تحتلّ قسماً من الجنوب، سوريا تحتلّ الشمال والبقاع وقسم من جبل لبنان تحت مسمّى قوات الردع العربية، والعاصمة مقسّمة بين شرقية وغربية، ميليشيات الطوائف والمذاهب تتنازع السيطرة على مناطق النفوذ بإسم الدين والخوف والتخويف من الآخر، وفي الحقيقة، لم يكن للدولة من بقعة تسيطر عليها إلا محيط وزارة الدفاع ...

في هذا المشهد المؤلم والمُحبِط إلتحقت بالمدرسة الحربية ثائراً على واقع سياسي وعسكري مريع، حالماً بوطنٍ حرّ من الإحتلالات، يحميه جيشه، وجيشه فقط، وتكون بندقيته هي السلاح الأوحد على كامل تراب الوطن .. لكن، شتّان ما بين الحلمِ والواقع ...

في الليلة الأولى في مبنى "سمير الشرتوني" لم أنم إطلاقاً، كنت أتقلّب من جنبٍ إلى آخر محاولاً النوم، وأحسست بالبرد في رأسي كون شعري كان "مقصوصاً ع الصفر"، القلق إستبدّ بي ورحت أفكر وأحلّل هذه الخطوة "هل أقدمت على الخيار الصائب؟ هل لو" سمعت من ابي أما كان الجفت الجديد في كتفي أذهب إلى الصيد ساعة أشاء، وكنت "عملت معلّم مدرسي" ك ريمون إبن عمي، أنام في منزلي وبين أهلي كل يوم، وليس مع أناسٍ أجهلهم "وكل واحد ما معروفي قرعة بيو من وين" ؟؟

لكن ألم أكن أحلم منذ الطفولة بأل " Mon Lieutenant " والمغوار الذي لا يموت ؟ كيف أحقّق المبتغى وأنا "مزروب" في الضيعة "وجي ووج الناس ذاتن ؟؟ "

حاولت النوم مراراً، لكن جفونَ الشاب الحالم لم تغمض البتّة.

نظام المدرسة الحربية قاسٍ وجامد، كنت أخالف التعليمات الرتيبة فأحصل على الحجوزات في نهاية الأسبوع، ومراراً عدّة، كان الرفاق "الإنضباطيون" يخرجون بمأذونياتهم في الويك أند، بينما كنت أقبع مع بعض "المحجوزين" الفوضويين ضمن جدران الثكنة، أطالع، أقرأ، أمارس الرياضة تقطيعاً للوقت الذي يمرّ ثقيلاً جداً دون تدريب.

في فترة الحجز القانوني، اي الفترة التي يبقى فيها التلامذة الضباط إثر دخولهم المدرسة دون مأذونيات ويمنع عليهم مقابلة اي كان من خارج الثكنة، إذا بأحد الرفاق يهمس في أذني كي لا يسمعه أحد: "بيّك ع المدخل ".

كان الوالد يتجادل مع آمر الحرس: "بدي أبني ما بدي ياه يروح ع الجيش مش حرّ أنا؟ " ومن بعيد أومأت له بأن ينصرف، لكنّه ناداني بالصوت العالي: "ضبّ تيابك ورجاع معي يا بيي. "

تركت الوالد وفي قلبي غصّة على "كسفه" بهذا الشكل، لكن النظام لا يرحم .

"عشرين برمي بالفوج الرابع والساك ع ضهرك، والكاسك ع راسك" أي علي الركض عشرين دورة في ملعب الفياضية وعلى رأسي الخوذة الحديدية وحقيبة الضهر، هذه أوامر النقيب "نعيم فرح" مدرّب السنة الأولى ، عقوبتي لأنني "واجهت أهلي" خلافاً للنظام.

أكثر ما كان يوجعني ويحزّ في نفسي هو "تمنّي" الضباط المدربين بعدم إرتداء البزة العسكرية خلال المأذونيات "حرصاً" على حياتنا، فلا سلطة للجيش خارج أسوار الثكنات، لكنني كنت أرفض دائماً هذا "التمنّي" وأرتدي اللباس العسكري خارج الثكنة "نكايةً بيللي ما بيعجبو" لأنني كنت أشعر في قرارة نفسي، وعن قناعةٍ راسخة بأن البزّة التي حلِمت يافعاً بإرتدائها، هي رداء الشرف في وطنٍ تسيطر عليه "بزّات" جيوش الإحتلالات والميليشيات التي مزّقت الوطن أشلاء ودمّرت نسيجه الإجتماعي.

بالرغم من معارضته المبدئية على إنخراطي بالمدرسة الحربية، كان الوالد فخوراً بي، أمضى في الجيش ٢٥ سنة وغادر المؤسسة برتبة رقيب مع أنّه كان أمّياً عند التطوّع، إختصاصه هندسة، خدم في سوريا في "جبل الدروز" إبّان فترة الإنتداب، وقاتل مع قوات "فيشي" ضد قوات الحلفاء وفرنسا الحرّة بقيادة الجنرال "ديغول" ثم إختيارياً في ليبيا مع القوات الفرنسية ( De Gaulliste ) ، وبعد قيام "دولة إسرائيل" قاتل في صفوف الجيش الوطني في معركة "المالكية" (١٩٤٨) التي إستعادها الجيش من عصابات "الهاجاناه" اليهودية ، قبل أن ينسحب منها ، لأن وحدات ما سُمّي آنذاك ب "جيش الإنقاذ" العربي لم تنفّذ المهام الموكولة لها فبقيت وحدات الجيش اللبناني الفتي وحدها، مما إضطرّها إلى الإنسحاب .

عندما كنت "أمسح" حذائي العسكري " لتلميعه " كنت أمسح حذاءه أيضاً ، فيعترض: "كيف أنت ضابط وبتمسح صبّاط رقيب".

قرب نهاية السنة الثانية، إجتاح جيش العدو الإسرائيلي جنوب الوطن ووصلت طلائع قواته إلى العاصمة، فإحتلها وكم آلمني مشاهد أرتال دباباته وملالاته تجوب الشوارع في المدن والأحياء، "تتمختر" كأنها في تل أبيب، والذي أحبط معنوياتي ، لكنه زاد النقمة والثورة في داخلي، هو عدم قدرة الجيش اليافع (الذي أعيد بناؤه العام 1977) على الدفاع أمام جحافل عدوٍ عجزت الجيوش العربية مجتمعةً على التصدّي له، لكن تبقى في هذا الجيش ومضات عزِّ وشرف، فإستشهد جنديان (العريف حسين جعفر والعريف قاسم سعيد) أمام مدخل وزارة الدفاع محاولين ببندقيتهما منع رتلِ من دبابات العدو من الدخول إلى مبنى الوزارة، وكأني بهما يعلنان للعالم أن مقاومة الإحتلال تحتاج إلى إرادة القتال، وكل ما يلزمها من وسائل بشرية ومادية، لا بدّ وأن تحصل عليه إذا توافرت هذه الإرادة، فكان إستشهادهما نذير المقاومة اللبنانية ضدّ الإحتلال الإسرائيلي.

في تلك المرحلة ، خُيِّر التلامذة الضباط في السنة الثانية إنتقاء الإختصاص في أسلحة الجيش ( مشاة ، مدرعات ، مدفعية ، هندسة ، إشارة ونقل ) فأخترت مع زميلي الذي أحببته دائماً بسام جرجي إختصاص المشاة وكان علينا ملىء إستمارة بإنتقاء ثلاثة إختصاصات بالأفضلية، فإخترنا سوية المشاة كخيارِ أول ثم كخيار ثان وثالث، فأنّبنا الضابط المدرّب بأنه علينا إنتقاء الإختصاصات الثلاث مغايرة، فسألني بسام "شو اللي بيقوص أكتر شي غير المشاة ؟" فأجبته: المدرعات، فإخترنا: مشاة، مدرعات... مشاة.

وعلا صراخ المدرب مهدّدا بالعقاب، فكتبنا مرغمين: مشاة، مدرعات، مدفعية... وإختير بسام للمشاة بينما إخترت للمدرعات لنفترق في السنة الثالثة كلُّ إلى إختصاصه.

تخرجنا في السادس من ايار العام 1983 ، قبل موعد التخرّج التقليدي الأول من آب، وذلك للحاجة إلى الضباط الأحداث كون الجيش قد كَلف حفظ الأمن في أعقاب إنسحاب جيش العدو من بيروت وضواحيها وكذلك المنظمات الفلسطينية، وتفرّق رفاق الدورة ال 189 كلُ إلى القطعة التي شَكل إليها، وكانت المهمة الأولى لي في منطقة ال "مازدا" في عين الرمانة .

(ترقبوا في الحلقة الخامسة المُهِمة الأولى للملازم جورج نادر، بالاضافة الى التحديات في تنفيذها، والمواجهات الخطرة والصعوبات في اتخاذ القرار السليم، واستشهاد رفاق الدورة، والانتصارات.)
في جامعة الكسليك عام 2010
عند الدخول الى المدرسة الحربية ٢٢/٩/١٩٨٠
مع رفيق العمر الشهيد بسام جرجي (١٩٨٠) في المدرسة الحربية
عرض الاستقلال (١٩٨١)
مخيم التدريب الأول في برمانا (١٩٨١)
دروس الهاون ٨١ ملم (١٩٨١)
حقل رماية المغيتة ـ ضهر البيدر (الثالث وقوفاً من اليمين ١٩٨١)
المدرسة الحربية السنة الثالثة اختصاص مدرعات (١٩٨٢)
التخرج من المدرسة الحربية بحضور الرئيس أمين الجميل (٦/٥/١٩٨٣)
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
إصرار على قرار الفصل 9 رسالة عربية لـ جعجع 5 "المطلوب تحرّك فوري"... وباء يضرب مناطق لبنانية! 1
"لا يختبئ في رفح"... معلومات استخباراتية تشير إلى مكان السنوار! 10 ضربة كبيرة للقرار 1559 6 بعد الأمطار الغزيرة... الطقس يعدكم بـ"مفاجأة" بداية الأسبوع المُقبل! 2
مأساة تهز دير الأحمر... غرق جماعي في بحر جبيل وأب يبحث عن ولده المفقود بين الرمال! 11 نقاش جدي لا بدّ منه في قضية النازحين 7 صوفي على خطى جدها كمال جنبلاط! 3
الصدمة البيروتية تتجدد... زوجة الحريري الأب تتخلى عن ارثه العزيز 12 بالزغاريد والورد... دير الأحمر تبكي ابنها جايسن حبشي! (فيديو) 8 بعد الرعد والبرق.. الأب إيلي خنيصر يكشف السيناريو المنتظر: مفاجآت وخبر مبشّر! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر