Beirut
16°
|
Homepage
حرب حلب الروسية... ودلالاتها السياسية
محمد مشموشي | المصدر: الحياة | الاحد 14 شباط 2016 - 7:08

لا تريد روسيا، بحملتها الحربية الواسعة على مدينة حلب وريفها، أن تضاعف أوراقها التفاوضية في «جنيف 4» لدى استئنافه في 25 شباط (فبراير)، أو أن تحسن موقفها فيه فقط، كما قد يظن البعض، ولا أن تنطلق من التغيرات التي تحدثها على الأرض لتخاطب واشنطن، كما فعل وزير خارجيتها سيرغي لافروف، بالقول أنه باتت لدى موسكو «خطة محكمة» للحل في سورية، ولا حتى أن تدعي بعد ذلك كله أن قواتها حققت انتصاراً مبيناً ضد الإرهاب وتنظيم «داعش»، وفق المقولة التي أشاعتها عندما أرسلت مقاتلاتها وصواريخها ودباباتها الى طرطوس واللاذقية في أيلول الماضي.

لا يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما تشير حربه هذه، في شيء من ذلك حالياً ولا ربما في المستقبل أيضاً، وإن كان يعنيه استمرار ضياع البعض في تحليلاته عن نياته الفعلية. فهذا أعطاه من قبل، ويعطيه الآن، المزيد من الوقت لمواصلة العمل على تنفيذ خطته الخاصة، ليس فقط في سورية وما بعد الحرب فيها، انما أيضاً في المنطقة كلها، فضلاً عما قد يكون لديه من «تفاهمات» عقدها في السابق أو يمكن أن يعقدها مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.

ذلك أن بوتين استطاع، أقله حتى الآن، «بيع» تدخله في سورية تحت قنابل دخان ذهب بعضها الى أن هذا التدخل سيؤدي في النهاية الى حل سياسي للحرب وإنهاء مأساة الشعب السوري. لذلك، فهو يبدو مرتاحاً كلما شاع الظن بأنه لا يفعل في حلب حالياً سوى ما فعله من قبل في دمشق واللاذقية ودرعا، وأنه انما يسعى فقط لإعادة التوازن الميداني على الأرض بين النظام والمعارضة تمهيداً للحل السياسي من جهة، ومحاربة الإرهاب وتنظيم «داعش» ومنعهما من الانتقال الى داخل بلاده من جهة ثانية.


وليس خافياً أن بوتين نجح في تسويق مثل هذه الصورة الى حد ما، وقد انطلت لعبته على كثيرين، بمن في ذلك كاتب هذه السطور الذي ظن لفترة أن التدخل الروسي يستهدف إنقاذ سورية وليس إنقاذ نظام بشار الأسد. وقد لا يكون بعيداً عن ذلك بدوره، ما سمعه ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة من بوتين شخصياً قبل أيام في موسكو، وكانت نتيجته تصريحاً علنياً من وزير خارجيته الشيخ خالد أشاد فيه بالدور الذي يلعبه بوتين وقواته المسلحة في سورية.

لكن الواقع يختلف عن ذلك جذرياً، أقله كما تقول الحرب الحالية في حلب. ففيما وجهت هذه الحرب ضربة قاسية لقوات المعارضة في المنطقة، وهجرت نحو مليون مواطن الى الداخل السوري والحدود مع تركيا، رافقها عملياً حدثان بالغا الدلالة: أولاً، تحرك ما يسمى «قوات حماية الشعب الكردي» التي لا تخفي نواياها الانفصالية (أو إقامة حكم ذاتي على الأقل) لاحتلال المواقع التي أخلتها المعارضة، في وقت واحد وجنباً الى جنب مع «الحرس الثوري الإيراني» والميليشيات العراقية واللبنانية والأفغانية وما بقي من قوات الأسد. وثانياً، تسريب أنباء عن توجه قيادة القوات الكردية هذه الى فتح مكتب تمثيلي لها في العاصمة الروسية.

ولا يتعلق الأمر هنا، كما قد يبدو في الظاهر، بـ «الحرب الباردة» الناشبة بين موسكو وأنقرة منذ قيام المقاتلات التركية بإسقاط الطائرة الحربية الروسية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في ضوء العداء المعلن بين تركيا و «قوات حماية الشعب الكردي»، ولا حتى بتعظيم شأن زعيم هذه القوات، الأمين العام لـ «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم، وترقيته الى عضوية وفد المعارضة في المفاوضات، بعد أن حالت تركيا وائتلاف قوى الثورة والمعارضة دون ذلك في «جنيف 3».

الأمر أبعد من ذلك، وهو يتصل مباشرة بالتطهير العرقي الذي بدأه النظام في الزبداني ومضايا، كما يواصله في الحصار الذي يفرضه على أكثر من مدينة وبلدة وقرية، تكريساً لما سماه «سورية المفيدة» التي تمتد من دمشق الى اللاذقية عبر الشريط الحدودي مع لبنان.

واذا كان الفرز السكاني هنا يرمز الى «الدويلة العلوية»، فهو في ظل ما يجرى في حلب وريفها (فضلاً عن الممثلية المقترحة في موسكو) انما يشير الى «الدويلة الكردية» وليس الى أي شيء آخر.

كذلك، اذا كان عنوان كل من «داعش» و «جبهة النصرة» معروفاً للجميع، الأول في الرقة امتداداً الى الحدود الشرقية مع العراق، والثانية في ادلب وجوارها، فماذا تعني الحرب التدميرية التي تشنها القوات الروسية في حلب فيما تردد قيادتها في موسكو أنها تحارب الإرهاب؟ بل أبعد، ألا يعني هذا أن ما يقال عن «دويلة داعش السنية» التي يمكن أن تقام شرق سورية ووسطها هو في ذهن بوتين كذلك؟

الحال أن علامات التعجب التي أثارتها «سياسات» موسكو السورية، منذ «جنيف 1» الذي افترض هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة ثم التراجع عنه، وبعده «موسكو 1» ثم «موسكو 2» مع ما صاحبهما من مد وجزر حول ممثلي المعارضة، وصولاً الى «فيينا 1» و «جنيف 3» وما رافق هذا الأخير من حرب مدمرة لحلب وريفها، ليست مما يجوز فصله عن اتفاقية «الاحتلال المعلن» التي وقعتها حكومة روسيا مع الأسد… وبادرت إدارة بوتين (من دون دمشق، كما تفترض الأصول) الى نشرها كاملة على الملأ.

من يومها، يمكن القول، بدأت موسكو سياسة أكثر جذرية من تلك التي دخلت سورية على أساسها: سياسة دولة تحتل دولة أخرى، من خلال اتفاقية بينهما، وترفض أن يشاركها أحد هذا الامتياز.

وقد لا يكون مبالغاً به النظر الى عملياتها العسكرية، كما الى مبادراتها للتسوية السياسية، من زاوية تقسيم الدولة المحتلة الى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
هذا ما يحصل متنياً 9 سقطة غير مبرّرة لنائب التغيير... من أنتَ؟ 5 الضاحية الجنوبية تغلي عسكريًا: تفاصيل ليلة سقوط "السفّاح"! 1
تعميم أوصاف جثّة رجل مجهول الهوية... هل من يَعرف عنه شيئًا؟ 10 لاعادة النازحين وكشف خبايا جريمة سليمان... تعاون بين الدولة اللبنانية والسورية! 6 الأب إيلي خنيصر يُحذّر من الشهر "المزاجي"... أسبوعان مجنونان بانتظاركم! 2
الشامي يكشف عن موعد حصول لبنان على دعم مالي! 11 مذكرةٌ من ميقاتي بشأن عطل رسمية... اليكم التفاصيل 7 بالتفاصيل… شعبة المعلومات تفك لغر فرار داني الرشيد 3
الحلبي يعلن أيام العطلة في عيدي العمل والفصح الأرثوذكسي 12 بعد إصابته بجروح خطرة جراء طلق ناري... نقل كينجي جيراك إلى المستشفى! 8 "الحالة كانت خطيرة جداً"... الحريري يتعافى 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر