ليس من الصعب اعتبار دونالد ترامب المرشح عن الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركية بعد تقدّمه على خصومه الجمهوريين، مجرد ظاهرة صوتية ستتلاشى بعد أن يمل الناس من خطابها الفارغ.

صحيح أنه في الواقع سياسي غوغائي خطير، برز في لحظة مواتية، يشعر فيها الناس بالسأم والغضب من الطبقة السياسية التقليدية، ويبحثون عن التغيير وعن خطاب مختلف، ما يشير إلى أن الناخبين في أميركا مثلهم مثل كثير من الدول الأخرى يبحثون عن التغيير، ويشعرون بالسخط على الطبقة السياسية التقليدية، إلا أن المثير في هذه الشخصية هو أن يكون كوري ليفاندوفسكي، المعروف في الدوائر السياسية الجمهورية بـ «مفجّر القنابل»، أن يكون مديراً لحملته الانتخابية، خصوصاً أنه يعتبر نسخة جنونية طبق الأصل عن ترامب.

قبل أشهر فقط كان كثيرون يعتبرون ترامب، الملياردير الأميركي، مجرد مهرج مسلٍّ، وشخصية غوغائية لا حظوظ لها في الفوز، خصوصاً في ظل مواقفه العنصرية وتصريحاته الاستفزازية عن النساء والسود والمكسيكيين والمهاجرين، وبالطبع عن المسلمين. لكن الرجل فاجأ مؤيّديه وخصومه معًا وحقق سلسلة من الانتصارات في السباق التمهيدي لانتخابات الرئاسة جعلته يتقدم منافسيه في الحزب الجمهوري.

اليوم بدأ البعض، ينظر إليه باعتباره خطرًا جديًا ليس على الحزب الجمهوري فحسب، بل على أميركا ذاتها. فالرجل يتبنى مواقف متطرفة، وسياسات مثيرة للانقسام، وخطاباً تحريضياً مثيراً للكراهية. الأدهى من ذلك أن مواقفه متقلبة حسب التيار، يطرحها أحيانًا من دون تفكير ويتبناها ما دامت تستقطب الأضواء، وتثير الجدل، وتجلب المؤيدين، وتستفز الخصوم. ولكن السؤال الذي يطرحه المراقبون للسباق الرئاسي الأميركي، هل ترامب هو الوحيد في هذا السباق الذي يحمل صفة المهرج؟

بطبيعة الحال، فإن الجواب على هذا السؤال يشير إلى أن الساحة الانتخابية الأميركية خالية حتى الآن من مرشح عقلاني يملك قدرات استقطابية ويتبنى سياسات جريئة للتغيير تكون قريبة من نبض الشارع، بحيث يسحب البساط من تحت أقدام ترامب.

في ضوء هذا الوضع راهن كثيرون في أميركا، أو فلنقل أملوا ظهور شخصية تخطف الأضواء من ترامب، أو على الأقل في نجاح الإعلام والمنافسين في هز صورته وإظهار خطره لتحويل الرأي العام لمصلحة مرشح آخر، سواء في الوقت المتبقي أمام اختيار مرشحي الأحزاب في الصيف المقبل، أو في أسوأ الأحوال عندما تبدأ المعركة الحاسمة بين المرشحين النهائيين للرئاسة في بداية الخريف.

ولكن هل يجب أن نقلق من «ظاهرة ترامب»؟

إن اختيار الرئيس الأميركي يهمّ العالم كله لمكانة أميركا والدور الذي تلعبه على الساحة الدولية، وتأثير سياساتها سلباً أو إيجاباً على مجرى الأمور، خصوصاً في وقت اضطربت فيه الموازين، وعادت أجواء الحرب الباردة، واحتدم السباق بين القوى الكبرى المتنافسة، بينما يبدو العالم مهدّداً بأزمات اقتصادية وسياسية تلوح في الأفق. في مثل هذه الأجواء سيكون فوز ترامب، لو حدث، كارثة حقيقية لما تشكله سياساته من خطر.

ترامب الذي يؤمن بـ «سياسة القبضتين» على طريقة ملاكمة الشوارع، ويعجب بشخصية فاشية مثل موسوليني، هو «محتال محترف» يجب وقفه عند حده كما قال منافسه السيناتور ماركو روبيو.