"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

عرف مقدم برامج الهجاء الساخر، باسم يوسف، كيف يؤسس لنفسه حيثية شعبية تجذب المتابع العربي نحو قضايا جوهرية باتت أساساً في المجتمعات المهشمة بفعل سياسات الحكومات الغير آبهة اللهم إلّا بمصالحها. تحول الشاب الذي ربى وترعرع في بلاد العام سام، إلى منقذٍ عصري بمفهومٍ ثوري مطعّم بلمسة غربية، يمتلك جمهوراً يكاد يوصله إلى سدة رئاسة الجمهورية إذا قرّر أن يترشح لها!

لا شك أن باسم يوسف لديه أسلوب جذاب يمكنه التأثير على المشاهد، وهو دون أدنى شك شخص يحظى بإحترام محبيه كما منتقديه، لكن هناك خلف تلك الشخصية، يتلطى وجه آخر وكأنه وجد أو إستغل من أجل التسويق لأمورٍ يرى فيها الشارع "محرمات" كالتعميم الفائق للحرية، وترويج نموذج الديمقراطية الغربية وأساليب الحياة المصدرة إلى مجتمعات لا زالت تعيش في دوامة التقاليد الشرقية، ولعل أخطر ما يروج من مفاهيم، تلك التي تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل وإعتبارها ليست عدواً على الرغم من تجنب يوسف الإعلان عن ذلك جهاراً.

في برنامجه "Democracy Handbook" أو "كتيب الديمقراطية" الذي يقدمه عبر قناة "Fusion" الأميركية باللغة الإنكليزية، يجهد "يوسف" في إيجاد مقارنة بين كيفية تطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط وبين تلك المطبقة في الولايات المتحدة الأميركية، محاولاً إيجاد ثغرات يعبر من خلالها نحو إجراء تقييم نقدي مفصل للمسار والسلوك. ما يثير الريبة في البرنامج ليس السعي إلى ترويج مفهوم الديمقراطية الأميركية في البلاد الشرق أوسطية عبر إستغلال سطوع نجم "يوسف" وحسب، بل أيضاً ترويج مفاهيم الديمقراطية تلك التي تختزل العدو وتعتبره صديقاً وتنسف قضايا أساسية لا تزال هي سبباً ومسبباً في الصراعات الداخلية العربية، وتعتبر فلسطين هي إسرائيل وتزيل من قائمة الشرق الأوسط دولة سرقت أراضيها بمعاونة أذناب ديمقراطية العم سام نفسها الذي فشل ترويجها بالعسكرة فإنتقل إلى الحرب الناعمة المتمثلة ببرنامج يوسف وأخوانه.. هو أسلوب ظهر من خلال البرنامج الذي نسف خريطة فلسطين واضعاً مكانها خريطة "إسرائيل" (الدقيقة 1:10 في الفيديو أدناه) مكتفياً بتمرير نقطة خضراء للإيحاء أن هذه هي "فلسطينكم"!

الغريب بالأمر ما يحصل في لبنان، البلد الذي سنّ قانوناً يدين ويرفض ويحاكم ويجرّم التطبيع مع إسرائيل بوصفها عدواً. القانون الموجود منذ زمن والذي وضعت له آلية ولجنة لتقييم عمله والإشراف عليه وتطبيق حسن سيره، يتعدى البعد الإقتصادي في المقاطعة ليشمل البعدين السياسي والإجتماعي، أي يخلق "بلوك كامل" على أي إرتباط مع العدو الإسرائيلي! وعلى الرغم من كل ما ينفق من ميزانيات لأجل تطبيق القانون، يخرق "باسم يوسف" جدرانه ضيفاً فوق العادة في مهرجانات "بيت الدين" (يوم 3 آب القادم) ليحاضر في الشعب اللبناني عن أسس الديمقراطية وكيفية تطبيقها بأسلوبه الهجائي الساخر، وكأن اللبنانيون لا يفقهون من الديمقراطية شيئاً رغم أنهم كانوا أول من مارسها "على مقاسهم" في البلاد العربية!.

حضور باسم يوسف "المروج للتطبيع مع إسرائيل" في مهرجانات بمستوى مهرجانات بيت الدين يطرح علامات إستفهام حول النوايا والهدف والمصلحة من ذلك، بإشراك مقدم برنامج كوميدي هجائي ساخر في مهرجان إشتهر بتقديمه نواةً ثقافيةً مميزة لشخصيات رائدة لا يجب عليه أن يقع بحفرة هذه السقطات والهفوات الغير محسوبة وأن يصبح منصةً لترويج دعايات مشبوهة مخطط لها مسبقاً.

وبين حضور يوسف و"تطنيش" لجنة مكافحة التطبيع وكأنها تعيش في كوكب آخر، تُرسم علامات إستفهام كبيرة عن دور الجهاز الرقابي في الأمن العام المنوط به عدم تمرير أي مادة إعلامية تتضمن تطبيعاً مباشراً أو غير مباشر مع دولة مصنفة عدو في القانون اللبناني والتعامل معها أو دعمها أو تمرير أي مادة ترويجية لها أو عنها أو عن أفكارها أو فكرة التطبيع معها، يعتبر جرماً يحاسب عليه القانون وأموراً تعتبر مرفوضة لا بل من المحرّمات في مجتمع يحتفل اليوم ببالغ الأسى بالذكرة العاشرة لتدمير بلده على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية!

لم نكن نريد أن نرى هذه السقطة في بيت الدين ولكن.. يبقى رنين صوت "فيروز" التي غنت هنا يوماً لـ "أسوار القدس العتيقة" سداً منيعاً أمام ترويج عبارات وحملات التطبيع المعلبة بأساليب قريبة إلى مخاطبة مكامن المستمع والتأثير فيها وحفر ما لا يمكن حفره في الوجدان عبر النماذج التقليدية، هذه النماذج والتكتيكات التي لن تخترق جدران بيت الدين وإن شاء المنتفعون اللهثون خلف الإستفادة على ظهر المبادئ!