ليبانون ديبايت – نهلا نصر الدين

يعترف العالم بنوعين من الذهب، الذهب الحقيقي الذي تتراوح ألوانه بين أصفر، أحمر، وأبيض، والذهب الأسود الذي يطلق على النفط والبترول، نسبةً لغلاء سعره والثروات التي يمكن أن يجنيها للدول المنتجة له. أما في لبنان وتبعاً لحسابات السلطة "المتحكمة" فهناك نوع ثالث من الذهب تعتمده السلطات على اختلاف تراتبيتها ونفوذها كمصدر دخل إضافي لها لا يستهان بمردوده، وهو النفايات... وما أكثر أبواب ونوافذ التحايل عبر هذا الملف، والتي لا يتردد المعنيون بفتحها على مصراعيها فوق وتحت الطاولة.

تقدر نفايات مدينة بيروت بـ650 طن يومياً، "200 طن تُرحّل إلى مطمر برج حمود، 200 طن تُرحّل إلى مطمر الكوستابرافا، والـ250 طن الباقية تطيل رحلتها لتحط رحالها في معمل زنتوت للمعالجة والفرز في صيدا".

فمن حوالي الستة أشهر تقريباً تعاقدت بين بلدية بيروت "الممثلة بشخص رئيس السلطة التنفيذية محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب والمتّخذة محل إقامة لها لغايات هذا العقد في القصر البلدي في بيروت" والمشار إليها في العقد "بالفريق الأول" وبلدية صيدا "الممثلة برئيس البلدية محمد السعودي، والمتخذة محل إقامة لها لغايات هذا العقد في القصر البلدي في صيدا"، والمشار إليها في العقد "بالفريق الثاني"، لمعالجة 250 طن من نفاياتها في معمل "زنتوت" عبر شركة "آي بي سي" ش.م.ل، "بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 1 (محضر 91) تاريخ 17/3/2016 القاضي بتصحيح قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 12/3/2016 المتعلّق بمعالجة وضع النفايات المنزلية الصلبة، وبهدف تأمين الإستقلالية لمدينة بيروت في موضوع معالجة النفايات وبانتظار إيجاد الحلول المستدامة لهذا الموضوع".

وهو العقد الذي يصفه مصدر مطلع لـ"ليبانون ديبايت" بالـ"التنفيعة" لبلدية صيدا، إذ أنه من ساعة عقد "اتفاق التراضي" لم يدخل طناً واحداً من النفايات إلى المعمل، إلا مؤخرا بعد ابتكار عقد جديد بين بلديتي بيروت وصيدا بقيمة 6 مليون دولار على سنتين، وذلك في إطار عقد ما يسمى بـ"إشراف بلدية صيدا على نقل النفايات من بيروت إلى معمل الفرز الواقع في نطاقها". فـ" يؤمّن الفريق الثاني (بلدية صيدا) الشروط اللوجستية الضرورية لإدخال 250 طن يومياً من نفايات مدينة بيروت إلى النطاق البلدي لمدينة صيدا وصولاً إلى مركز فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة موضوع العقد الموقّع فيما بين الفريق الأول وشركة (آي ، بي، سي)". حسب ما ورد في العقد. على أن يوزع المبلغ على الشكل التالي: - 25% من المبلغ الإجمالي خلال مدة أقصاها الأسبوع من تاريخ بدء وصول أول كمية إلى معمل معالجة النفايات المنزلية الصلبة في صيدا. - 25% من المبلغ الإجمالي خلال السنة الأولى (على أربع دفعات فصلية متساوية). - 25 % من المبلغ الإجمالي المحدّد اعلاه خلال السنة الثانية على أربع دفعات متساوية 25% من المبلغ الإجمالي المحدد أعلاه خلال السنة الثالثة (على أربع دفعات فصلية متساوية). يصدر الفريق الثاني فاتورة كل ثلاثة أشهر يسلّمها إلى الفريق الأول وفقاً للأصول المالية المعتمدة في بلدية بيروت. هذا عدا عن كلفة المعالجة التي تتقاضاها بلدية صيدا بقيمة 95 دولار على الطن الواحد من النفايات، أي ما يقارب كلفة الـ"17 مليون دولار" على سنتين.

ويذكر المصدر بأن هذا العقد "الفضيحة" بين البلديتين قد أقرّ في جلسة المجلس البلدي التي سبقت عيد الميلاد بيومٍ واحد، وهو العقد الذي تفوح منه رائحة الـ"التنفيعات السياسية المتبادلة" بين البلديتين، كونه لا يتجاوز حدود التحايل في مدار ملف النفايات عبر عقود يمكن أن نطلق عليها تسمية "لزوم مالا يلزم" لتحقيق غايات ربحية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا العقد بقي في ديوان المحاسبة لما يقارب الثلاثة أشهر، ريثما وجدوا له "فبركة" ما لتمريره، الأمر الذي يثبت عدم قانونيته ويزيد من إشارات الاستفهام "السوداء" حوله.

إذا، في إطار "عيش كتير بتشوف كتير" يمكن وضع هذا العقد الذي لن يكون الأخير على ما يبدو، مع طبقة اتخذت من النفايات تجارة رابحة لها. ويبقى السؤال الذي نضعه في عهدة المعنيين، هل يحق لبلدية صيدا أن تستوفي مثل هكذا رسوم من بلدية بيروت، وهل الإشراف على نقل النفايات من مسؤولية البلدية، أم أن هذا العقد بدعة جديدة وباباً من أبواب جمع الضرائب لا أكثر..؟!