ليبانون ديبايت - نهلا ناصر الدين

بالكاد مرت أيام خمسة على إقفال مطمر الكوستابرافا "موقتاً" إنفاذاً لقرار قاضي الأمور المستعجلة في جبل لبنان حسن حمدان، حتى عاد قاضي الأمور المستعجلة في بعبدا وأصدر قرارا بإعادة فتح المطمر عينه لغاية الساعة 12 من ظهر 24 كانون االجاري، وإقفاله كليا بعد هذا التاريخ "بجميع أعماله إلى حين الفصل النهائي في الملف، على أن يبقى لوزارة البيئة خلال هذه الفترة بين إعادة الإقفال والحكم النهائي حق الدخول والخروج إليه ومنه إذا اقتضت الحماية العامة ذلك وبالتنسيق مع وزارة الأشغال العامة والنقل". وذلك بعد تقديم "المدعى عليه اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية بطلب يشير فيه إلى تكدس النفايات في الشوارع بعد فشل السلطات المعنية في إيجاد البديل عن المطمر المطلوب إقفاله".

أما خلال هذه الأيام القليلة الفاصلة بين القرارين، فقد غزت أكياس النفايات الشوارع بشكل فضائحي، يثير التساؤلات والشكوك حول استغلالٍ ما للأزمة. وهي الاستراتيجية التي اعتادها اللبنانيون من أرباب أزمة النفايات، والتي عادة ما تصب في خانة أمرٍ واقع لا يتجاوز حدود الطبخات المصالحية المرّة الطعم على مواطنين كل ذنبهم أنهم خلقوا في بقعة تسمى لبنان وعايشوا زمن "النفايات السياسية" باعتراف أصحابه. وربما هو الغزو الذي شكل ورقة الضغط باتجاه القضاء المستعجل للتراجع عن قراره بإقفال المطمر لفترة موقتة.

جولة استطلاعية صغيرة في شوارع الضاحية الجنوبية تسلط الضوء على فداحة المشهد النفاياتي، بامتياز، وتعرّي في المقابل الوزارات والبلديات المعنية التي جلست نادبة على أطلال مشروعٍ كان ولا زال مصيره الفشل من لحظة طرح فكرته "المشؤومة" في زواريب الصفقات السياسية بين الأحزاب المعنية و"جهاد العرب".

يقول أحد سكان الضاحية لـ"ليبانون ديبايت" ممازحاً: "إذا بمد إيدي من شباك البيت عن الطابق الرابع بلم كيسين تلاتة من النفايات"، للدالة على فظاعة المشهد المتنقل في شوارع الضاحية الجنوبية. أما حال الطرقات فحدّث ولا حرج، بالكاد تمر السيارات من بعض الطرق التي يعتبر بعضها أساسياً، مثل "مدخل مخيم برج البراجنة من ناحية طريق المطار" ومدخل الضاحية من جهة الكفاءات والتي تحولت بفضل النفايات المتراكمة إلى "مضائقَ" سقطت سهواً في محيط من النفايات.

أما الجو العالم للسلطات المحلية في الضاحية الجنوبية، فكان واحدا من اثنين، خلال الأيام الماضية، إما عدم الرد على الإتصالات الهاتفية وإما عدم امتلاك الجواب الشافي. فليس لدى أحدهم الإجابة عن سبب فيضان الشوارع بالنفايات، قبل امتلاء معامل التخزين والفرز في الكرنتينا والعمروسية. حيث أنه في المبدأ كان يفصل بين الشوارع وتسونامي النفايات أيام عشرة أو أكثر بقليل، ريثما تغص المعامل بالكميات المجموعة بداخلها، عندما تصل لحد استيعابها الأقصى، على حد تفسير المتابعين البيئيين. وهو المشهد نفسه المتوقع بعد تاريخ إقفال المطمر كلياً بعد أيام.

ويصف المحامي عماد قاضي عضو حملة إقفال مطمر الكوستابرافا وعضو الحركة البيئية اللبنانية كل ما يحصل في موضوع النفايات مؤخرا من أخذ ورد وتضخيم قضايا وتقزيم قضايا أخرى بـ"الهرطقة" موضحاً في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" بأن ما حصل في شوارع الضاحية الجنوبية خلال الأيام الماضية، ما هو إلا كالذي كان يحصل في الشوارع مع كل إقفال موقت لمطمر الناعمة، حيث كانت تتوقف سوكلين عن جمع النفايات من الشوارع لحظة الإقفال فوراً على الرغم من وجود هامش يتجاوز العشرة ايام لغاية امتلاء مراكز التخزين والفرز. وهو ما يضعه قاضي في خانة "سلة الضغط الكاملة المتكاملة عبر الاتفاق السياسي مع الشركات الملتزمة بالكنس والجمع مع الشركة المشغلة للمطمر والوزارات المعنية" لخلق جو ضاغط تجاه المصالح المتفق عليها.

ويرى قاضي بأن كل ما في الأجواء اليوم يوحي بأن السيناريوهات المطروحة لا حقاً، بعد سقوط سيناريوهات الترحيل والمطامر، وإحجام المعنيين عن السير في البدائيل البيئية السليمة والمستدامة، هي صفقة المحارق، التي يبدو بأنها بدأت تستوي على نيران ضغط نفايات الشوارع التي وإن بدأت سوكلين وسوكومي بجمعها وكنسها اليوم فهي عائدة بعد أيام.