Beirut
16°
|
Homepage
هل يعود الرئيس إلى الشعب؟
انطون الخوري حرب | المصدر: ليبانون ديبايت | الاربعاء 01 شباط 2017 - 11:28

ليبانون ديبايت - أنطون الخوري حرب

لم تكن تجربة العماد ميشال عون قبل ان يكون رئيساً للجمهورية بنظر معظم الجيل الشبابي اللبناني الذي تفاعل معه منذ العام 1989، هي نفسها في العمل السياسي الحزبي معه، بعدما اصبح بعيداً او مبتعداً عن حالة ما عادت تشبهه على الاطلاق. هذا الجيل الذي اتشرّف بان اكون احد شهوده الاوائل.

هذا الجيل تحديدا هو جيل الحرب الذي تفتحت طفولته على اندلاع الحرب المشؤومة وشبّ في اجوائها، متلقياً مؤثراتها ومتفاعلاً معها حيثما لاحقته، من البيت الى الحي الى المدرسة والقرية وحتى الملاعب والملاهي. جيل نشأ وشبّ على وقع تهاوي الدولة والقانون والقيم السياسية والوطنية والاجتماعية، شاهداً على سيادة شريعة الغاب ومدارس الميليشيات والاحتلالات بصورها الدموية والارهابية التي هيمنت على الدولة والمجتمع.


لقد انفجر تراكم عذابات هذا الجيل الذي اختزن في ذاكرته ونفسه كل الصور البشعة والمؤلمة والمؤذية نفسيا وذهنيا جراء مسار الجنون السريالي طوال اربعة عشرة عاماً جهنمياً من حياته وشبابه، غضباً هدّاراً وفي قسم منه هائجاً مسعوراً في وجه الباطل الذي شكّل قدراً له، يوم حررته صرخة القائد الذي قلب الطاولة على الجميع مواجهاً كل الميليشيات والعصابات والمافيات والاحتلالات التي كانت متفوقة عليه عدداً وعدّةً ودعماً خارجيا، فيما لم يبق له من يسانده سوى الشعب الذي كان هذا الجيل طليعته.

وكنا نسير على وقع قوله المأثور " العماد عون يتكل على الجيش والشعب والله وحقه فقط" لقد شعرنا يومها اننا تحررنا من الذين جعلوا لحياتنا هذا القدر المأساوي ونحن في قمة برائتنا. لقد طعنوا طفولتنا وفتوتنا وشبابنا فواجهناهم بجنون الحق. وبلغ بنا الحماس حدّ القفز الى قلب البركان فتطوعنا في صفوف الجيش والقائد المحاصرين والمهددين في كل لحظة بالاجتياح، وباتت المنطقة المحاصرة يشعبها وجيشها وشرعيتها، قبلة انظار وقلوب اللبنانيين المدنيين العزّل في كل لبنان.

لم نكن للحظة موهومين بحتمية سقوطنا العسكري في وجه الجيش السوري في اي لحظة، لكننا كنا نندفع بشغف الى الجبهات وخطوط الدفاع وسقط منّا رفاق شهداء، ومدنيون لاحقتهم القذائف حتى الملاجئ. واعتمد اعداء "الجنرال" واخصامه في وصفه تسمية "الضابط المتمرّد" ظنّا منهم انهم ينعتونه بنعت مشين، لكن حجم الهوة بينهم وبين شعبهم جعلتهم يسهون عن انهم بنعتهم ذاك كانوا بنظرنا يطلقون على العماد عون اشرف الالقاب واسماها. وكان ذلك تعبيراَ عن مدى نجاحه في ترسيخ الشرخ الكامل بينهم وبين الشريحة العونية لتي لم تمنع مآسي الحرب شبابها من الاستمرار في الاحتشاد في بيت الشعب دفاعاً عن القائد والشرعية بشكل تصاعدي ملازم لتصاعد التهديد بالاجتياح.

لم ولن يشهد تاريخ هذا الوطن حالة وطنية مماثلة لتلك الحالة عبر قرون من الصراعات والاستعمار، ولم تستثني اية مؤسسة صحفية او بحثية "ظاهرة" العونية من دراستها.
لقد كان متوقعاً لنخبة الجيل الشبابي العوني بعد القاء السلاح في 13 تشرين الاول 1990، ان يستأنف نضاله المدني السلمي لاجل قضية تحرير وطنه، رغم اشتداد ازر الطبقة السياسية بالاحتضان السوري لها وتثبيت مغانمها السلطوية، اضافة الى انتقال الميليشيات بكل تشوهاتها الى مؤسسات الدولة، والى تشكل هيكلية الدولة على هذه الشاكلة. لقد قاصى جيلنا ما قاصاه في زمن الهزيمة المنطوي على العمالة والارتهان والاستسلام والفساد والتناحر الطائفي والمذهبي.

كل هذا الواقع لم يمنعنا من قبول تحدي المواجهة والصمود في النضال التحرري وكان انفصال حركتنا عن الطبقة السياسية وتغريدها خارج سربها سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ومناهضتها لها كطبقة منصّبة من الاحتلال لقمع شعبها مقابل تحاصص مقدراته بالاستيلاء على الدولة. ولم نكن نعترف باي معارضة اخرى لا تلتزم سقف قضيتنا وكنا نخوّنها على نحوٍ ما، واستمرينا وحدنا في ميدان المواجهة، وكنا نؤمن قد اخترنا قدرنا هذا بملئ ارادتنا وبشكل ابدي ولو شابهت مدة الاحتلال السوري والاسرائيلي، مدةالاحتلال التركي للبنان، فقضيتنا ستتوارثها الاجيال من بعدنا. لكن الحلم تحقق، وشهدنا تحرير الوطن من الاحتلال ابتداءً من العام 2000 وانتهاء بالعام 2005. وعاد القائد المنفي الى وطنه، وكان جيله المطعّم باجيال فتية جديدة تربّت على يديه وطنياً في الجامعات والتظاهرات والاعتصامات والاعتقالات والمحاكمات، يستقبله في ساحة الشهداء.

ثم بدأنا بتجربة العمل الحزبي. وكان هاجسنا الاوحد الحفاظ على فرادتنا، وان لا نشبه باي شكل مكونات الطبقة السياسية التي عادت لتتوحّد في مصالحها ضدنا، متمثلةٌ بال"الحلف الرباعي" وكأي تجربة نضالية ناجحة، كنا ببساطة نؤمن بان ظاهرتنا هي الظاهرة الوحيدة القادرة على انقاذ وبناء الدولة والمجتمع وفق المعايير الوطنية التي تمنع تكرار السقوط، وذلك من خلال استمرار ضخ هذه النموذجية النضالية في التربية السياسية والحياة النيابية والحكومية والادارية والعسكرية الاقتصادية. كما ان تجربتنا النضالية علمتنا ان الدول والمجتمعات السياسية الراقية، تبنيها احزاب سياسية راقية. لكن الصدمة حدثت، وخاب املنا بمثل هذا الحلم، وسقط من سقط في شرك تقليد الاحزاب التي سبقتنا وكانت ازماتها الداخلية السبب الاساس في ازماتنا الوطنية، وبدا التنظيم السياسي الديموقراطي العصري بنظر الجنرال، مسألة لم يفقهها المجتمع بعد وهو غير ناضج لتلقفها. وتضافرت عوامل الابتعادد والابعاد، ولم يكن مستغربا ان تشمل هذه المعادلة المؤسفة، معظم اركان الجيل المؤسس للتيار الوطني الحر. هذا الجيل الذي قرر ان يناصر منهجه ومبادئه حتى بوجه الجنرال وعائلته.

وسط هذه الخيبة، انتخب الجنرال رئيساً للجمهورية، وتوافق هذا الانتخاب مع تأييدنا للشعارات التي اطلقها الرئيس في خطاب القسم، لكن كجيل مخضرم، تعلمنا ان حجم ازمتنا اكبر من الرئيس، لانها ازمة نظام. فكل محاولات الاصلاح والتطوير منذ الحقبة الشهابية وحتى اليوم، انتهت بسبب المحسوبيات الطائفية اما الى الاستسلام، وامّا الى السقوط في آفّة الفساد، فلقد اثبتت القبلية الطائفية في مختلف العهود والعصور، سواء كنا محتلين او مستقلين، انها اقوى من مفهوم الدولة وعلة وجودها في المطلق. كما اننا ندرك ان توفّر نيّة الاصلاح لدى الرئيس، لا تكفي لاتخاذ القرارات الاصلاحية في غياب الصلاحيات الدستورية اللازمة، او الاكثريتان النيابية والوزارية. ولا سيما ان شركاء عهده من ممثلي الطوائف، هم الذين يتحملوم مسؤولية الوضع الكارثي الذي وصلنا اليه. وهو في خطابه الاصلاحي يهدد مصالحهم التي بنوها خلال تاريخ طويل من الفساد الملازم لتاريخ وجودهم السياسي.

وخيارات الرئيس في التعامل معهم محدودة، فاما ان يتحولو بين ليلة وضحاها الى اصلاحيين، وبالطبع فاننا نرى ذلك مستحيلاً، واما ان يصبح هو منهم، وهذا امر لن يقبل الرئيس بان ينهي حياته به. ويبقى ان يقع الخلاف بينه وبينهم وهذا ما سيفضي حكماً الى التعطيل، الذي سيوسم عهده الرئاسي. ثم اتى تشكيل الحكومة لبيقي على انخفاض مؤشرات التفاؤل لدينا، لكن المفاجأة ظهرت عند البحث بقانون الانتخاب. ذلك ان رئيس الجمهورية بتمسكه بقانون النسبية عاد لمخاطبة النخب المهمشة بفعل الطبقة السياسية التي تشاركه الحكم. وبدأ يتكشف من وراء الجو العام الايجابي الذي رافق الانتخابات الرئاسية بتحالفاتها واتفاقاتها، انقسام جديد حول قانون الانتخابات، في طرف منه الدكتور سمير جعجع والنائب وليد جنبلاط. وفي الطرف الاخر الرئيس عون وجناح شيعي، ويشكّل الرئيس سعد الحريري فيه بيضة القبأن.

امس اعلن رئيس الجمهورية جهارا تمسكه بالنسبية لكي ينال كل طرف حجمه الحقيقي في التمثيل النيابي. هو بذلك يتخذ موقفاً دفاعياً عن كل القوى المستقلة التي يحرمها القانون الاكثري حقها في التمثيل.

ويؤدي موقف الرئيس هذا الى الدفع باتجاه تعددية سياسية برلمانية، لديه فرصة تاريخية ليستغلها في سبيل جعل عهده مشرّفاً في تاريخ الجمهورية. ولا سيما ان القوى المستقلة والعلمانية في المجتمع، ستجد في تحالفها مع الرئيس فرصة للتأثير الايجابي على الوضع السياسي. اضافة الى انه بمجرد ان ينجح الرئيس في فرض النسبية، سيكون قد ضمن قوة دفع كبيرة لعهده، ومكانة متقدمة لهذا العهد في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، وفي ذاكرة الاجيال السياسية العلمانية والمتحررة في المستقبل. وسيكون هذا انجاز عهده الاكبر. وهو من محبي لعب الادوار التاريخية الكبيرة.

لا نخاف على موقف الرئيس من الرئيس فهو ماض فيه حتى الان، كما اننا لا نخاف على موقف الرئيس من اعدائه او اعداء التطور، الذين يبغون تأبيد سيطرتهم على الدولة والشعب، فقوة التحرر حتمية لانها من حتمية التطور التاريخي للشعوب وهي كفيلة باسقاطهم. لكننا نخاف على الرئيس من بعض محيطه، ممن لا يرون فيه سوى مطيّة للمغانم. ولا يشبهونه في عناده وتصلبه بالتمسك بالمواقف المحقة. والتي يتلقفها الشعب اللبناني بفرح. والجيل العوني الذي اضحى شريحة رسولية ثقافية تغييرية في المجتمع، سيكون قد انتصر من جديد، وانتصرت معه الروحية العونية الوطنية التي ستتكرّس كمدرسة وطنية صالحة لارشاد الشباب نحو مستقبل يليق بهم وبانتمائهم. وسيكون الرئيس العماد ميشال عون ابا روحياً تستظله الاحزاب السياسية المستقبلية، شأن الاحزاب الديغولية في فرنسا، وستكون مكانته الشخصية في كتب التاريخ، اهم بكثير من مكانة رئيس جمهورية.

اما نحن، قدامى المحاربين، فسنبقى على خلافنا حول المنهج الحزبي مع الرئيس طالما استمر هذا المنهج، وستبقى معارضتنا جذرية وشرسة. وفي الوقت عينه، فاننا سندافع بكل ما اوتينا من قوة عن موقف الرئيس من قانون الانتخابات، وسنكون الاكثر فرحاً اذا تحقق لاننا نكون قد حققنا احد من احلامنا الوطنية الكبيرة، واطمئنينا الى مستقبل الديموقراطية في وطننا. والى ىمستقبل اولدنا من بعدنا.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
اسرائيل تحضّر لـ "اقتحام برّي" في الجنوب والجولان! 9 صدمةٌ بين الأهالي... بلدة لبنانية تستفيق على مأساة! (صورة) 5 يخضع منذ الصباح للتحقيق... والتهمة صادمة! 1
المهندس "أبو علي" ضحيّة جديدة للإعتداءات الإسرائيلية! 10 ممارسات إسرائيلية تشكّل تهديداً لمطار بيروت! 6 "رسائل خطيرة على الهواتف"... وتحذير جدّي إلى المواطنين! 2
الحزب يبدأ "معركة الداخل" ويطلب وضع الجيش "رهن إشارته"... مخطّط سريّ! 11 بعد فصل طالبة لبنانية من جامعة أميركية... دعوةٌ من إعلامي لبناني! (فيديو) 7 "الثمن مُكلف جدًا"... لافتة تُثير الإستغراب في الغبيري! 3
ذهبوا لمصادرة "أغلفة تبغية" مزورة... فكانت المفاجأة! (فيديو) 12 تحذيرٌ "عاجل" من اليوم "الحارق" المُرتقب... وهؤلاء عرضة للخطر! 8 "إجتياح من نوع آخر" لمدينة لبنانية! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر