Beirut
16°
|
Homepage
التباعد المريب بين موقف الرئيس وحزبه
انطون الخوري حرب | المصدر: ليبانون ديبايت | الاثنين 06 شباط 2017 - 11:41

ليبانون ديبايت - انطوان الخوري حرب

منذ تاسيس دولة لبنان الكبير عام 1920، لم ينعم اللبنانيون بقانون انتخابي يؤمن التمثيل النيابي الديموقراطي الصحيح. فلطالما نجحت الطبقة السياسية اللبنانية المتوارثة حتى اليوم، في حصر السلطة ومؤسسات الدولة بين يديها، منجزةً تهميش النخب المستقلة عبر حرمانها حقها في التمثيل النيابي خارج التموضع الطائفي والمذهبي. وقد تمكن عتاة هذه الطبقة عند كل استحقاق انتخابي، من ان يجترحو لانفسهم قانونا انتخابيا يمكنهم من الاستمرار في مصادرة الحياة السياسية وسجنها في القفص القبلي طائفيا ومذهبياً، مانعين النخب المستقلة من التمثيل النيابي الذي تستحقه جدارةً وشرعاً وقانوناً. حتى ان الحرب الاهلية بكل تداعياتها والعبر التي خرجنا بها منها، لم تزحزح هذه الطبقة عن سلوكها الالغائي التهميشي قيد انملة.

بعد الحرب القي اللوم على الارادة السورية بتفصيل قوانين الانتخاب على قياس هذه الطبقة المرتهنة لها بالكامل، وبعد انسحاب القوات السورية وعودة الارادة الوطنية المستقلة، استمرت هذه الطبقة على سلوكها في تفصيل القوانين الانتخابية، ناجحة بضم الاحزاب الجديدة اليها.


لكن ما يحدث اليوم هو تحول جوهري من شأنه ان يقود الواقع السياسي نحو الخط الديموقراطي السليم الذي يسمح للنخب المستقلة المهمشة بالتأثير الايجابي على الحياة السياسية، هذا التحول يقوده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويمضي فيه حتى النهاية، مخيّراً هذه الطبقة الحاكمة بين الفراغ او الاستفتاء الشعبي، قاطعاً على نفسه طريق العودة عن موقفه، ورامياً الكرة في ملعب الشعب والنخب المطالبة بالتمثيل الصحيح.

ويكمن هدف رئيس الجمهورية الاساسي من موقفه هذا، في نيته جعل عهده الرئاسي منطوياً على الانجازات الكبيرة في المجالات السياسية ذات البعد الوطني، والتي لم تنجز خلال العهود السابقة. وهدف الرئيس المركزي هذا، يصب في النهاية في مصلحته الشخصية كرئيس للجمهورية، وفي مصلحة التيار الوطني الحر اذا ما احسن الاستفادة منه، عبر جعله الهدف الاساسي للمرحلة الحالية. لان النسبية في حال تحققت، ستؤمن لهذا التيار شبكة تحالفات كبيرة تضم معظم القوى الحية والمستقلة في المجتمع، والتي لا مصلحة لديها سوى المصلحة السياسية. وسينجح في الاستقطاب الشعبي فيبقى قوياً ومتفوّقاً بشكل متنامي يرافق عهد الرئيس عون ويبقيه في الصدارة بعد انتهائه.

لكن السؤال المحيّر اليوم الذي يتردد على كل شفّة ولسان، هو اين التيار الوطني الحر من موقف رئيس الجمهورية، فالرئيس قد نجح في جعل موقفه المتبني للمطلب الشعبي (النسبية) رافعة لانطلاقة قوية لعهده، كما جعل من التفسير الصحيح للديموقراطية، نهجاً يحكم التفكير في دراسة القوانين الانتخابية. وهو بذلك يقوم بحملة وطنية تغييرية على مستوى الثقافة السياسية التي اعتاد اللبنانيون على تشوهها وفرضها عليهم في كل الاستحقاقات الانتخابية، حتى اصبح قسماً منهم مدجّناً تحت شعار الواقعية السياسية التي يتقن السياسيون تردادها لتكريس الانحراف عن المفهوم الصحيح للديموقراطية. كما ان موقف الرئيس يفتح الطريق امام النخب الصامدة في نضالها "الديموقراطي" ويعيد ضخ الدينامية في الاجسام المترهّلة والمدجّنة لكي تستأنف هذا النضال بالتلاقي مع نضال التيار الوطني الحر لتحقيق انتصار سياسي وطني تتحقق من خلاله الديموقراطية التمثيلية.

فلماذا تبتعد ادبيات ومواقف حزب الرئيس عن موقفه، وتصل الى حد التناقض معه عبر ترداد الكلام الساعي الى قانون انتخابي توافق عليه كل الاطراف السياسية المشاركة في الحكم وفي طليعتها القوات اللبنانية، ويسمّى "القانون المختلط". كما يتم الترويج للهذا القانون بذهنية تسووية يظهر من ورائها الحرص الارضائي لرئاسة الحزب، بغية الفوز بمقعد نيابي في دائرة البترون. ولم يكن في هذا الامر مفاجاة لو ان الرئيس يسير في هذا القانون التسووي مرتضياً تأجيل المطالبة بالنسبية.

لكن في ظل الموقف المتشدد للرئيس بالمطالبة بالنسبية، كان لا بد للتيار من ان يعلن الاستنفار الحزبي لمواكبة الحملة الرئاسية، وجعل مؤسسات الحزب برمتها منخرطة في هذه الحملة، مركزة كل قوتها الاعلامية والسياسية والتعبوية على موقف الرئيس لتأمين اكبر نسبة من الدعم الشعبي له، ولجعل كمية الملتزمين بهذا الموقف اكبر واشد التزاماً، وتتوالى الاسئلة المحّيرة عن تقاعس التيار في مواكبة الرئيس، وكأنه غير معني بالحرب الضروس التي تشنّ على الموقف الرئاسي، تحت شعار ابوّة الرئيس لكل اللبنانيين، الامر الذي يعيق استنفار قيادة التيار لحملة النسبية. ويجعل هذا التيار جزء من المفاوضات حول قانون تسووي، بعيد كل البعد عن الموقف الجذري لرئيس الجمهورية.

وفي هذا الاطار تثبت قيادة التيارانها بعد تفريغها الممنهج للحزب من قياداته التاريخية، قد قضت على حسّ المبادرة لخوض الحملات الوطنية، والتي اثبتت جدارتها في خوضها في المراحل السابقة التي كانت اقسى عليها بكثير من هذه المرحلة. وتحوّل التيار الى حالة منفصلة عن التفاعل مع موقف رئيس الجمهورية، هو نتيجة بديهية لغياب الحس الوطني لدى قيادة الحزب الحالية، واستتباب مفهوم المصلحة السياسية الضيقة مكانه، والتي لا تخدم سوى الاهداف المرحلية لهذه القيادة، بعيدا عن اي مسعى لانخراط التيار بالكامل في مهمة وطنية كبيرة تتجاوز الاشخاص وطموحاتهم الشخصية، وتشمل قاعدة التيار وكل قوى المجتمع لتحقق لها طموحاتها الوطنية.

قد يبدو ابتعاد قيادة التيار عن تبني موقف الرئيس وحملته لتحقيق الديموقراطية الصحيحة في المجتمع مريبة، لولا وضوح الاهداف الصغيرة لهذه القيادة، والتي لا تتجاوز الحصول على مقعد نيابي لها في دائرتها الانتخابية. ويلحق هذا الهدف افدح الاضرار بالموقف الرئاسي الوطني الجامع، ويجعل من القوى المعتنقة لموقفه، اقرب اليه من الحزب الذي اسسه. وهذا ما يثير النقمة العارمة في صفوف العونيين الانقياء، ولا سيما الجيل المؤسس منهم، والذي يتكوكب بمجمله اليوم، على طريقته الخاصة حول موقف الرئيس. لكن مسار القانون الانتخابي يبدو طويلاً، لكنه سينتهي مهما تأخر، وعندها سيحكم اللبنانهيون على النتائج، وستتبين مسؤولية كل طرف من النتيجة التي رسى عليها موقف الرئيس. فاذا انتهى هذا الموقف الى الانتصار، سيكون التيار بعيداً عن قطاف ثماره، واذا ما انتهى هذا الموقف الى هزيمة، فقيادة التيار ستتحمل المسؤولية الاولى والاخيرة عن هذه الهزيمة. فهل ينتفض الرئيس، او ينتفض العونيون على قيادتهم البعيدة عن مواكبة مواقف الرئيس الوطنية؟
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
كليب "يُرجح" ما قد تبلغه فرنسا لِميقاتي اليوم! 9 "النكزة الأخيرة"... منشورٌ "ناريّ" للسيّد! 5 حادثة رئاسية فضحت "الثنائي الشيعي" 1
واشنطن تكشف دورها في "الضربة الإسرائيلية" على ايران 10 حافي القدمين... نائب سابق يتعرّض لسرقة "من نوع آخر"! (فيديو) 6 مستجدات فصل بو صعب من التيار! 2
بشأن تعديل قيمة رسوم المعاملات... بيانٌ من الأمن العام! 11 بشار بطل عمليّة نصب كبيرة في طرابلس! (صور) 7 سيناريو "مُقلق" ينتظر مطار بيروت... إنذار خطير وأيام حاسمة! 3
"التيار معجون عجن بالغش"... جعجع يستنكر! (فيديو) 12 عصابة "خطرة" تنشط في طرابلس... بطلتها إمرأة! 8 بالفيديو: إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في برج حمود 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر