ليبانون ديبايت – عبدالله قمح

إنعقد المؤتمر العام الـ47 للحزب التقدمي الإشتراكي وعلى رأس جدول أعماله طرح موضوع قانون الإنتخابات وإنتخاب قيادة جديدة للحزب، لكن اللافت كان إعادة إنتخاب النائب وليد جنبلاط رئيساً بالتزكية، على عكس ما كان متوقعاً.

قبل فترة ليست بقريبة، صارح "البيك" أنصاره بأنه ينوي ترك مقعده السياسي لنجله "تيمور"، شمل هذا الطرح الصفة الإجتماعية لميراث عائلة "جنبلاط" والصفة السياسية بكل ما تمثل من رئاسة حزب ومقعد نيابي ورئاسة كتلة برلمانية ليتحوّل الشاب الطموح "مصاهر الشيعة" إلى عنوان أساسي. إنتظر الجميع ترتيب البيت الداخلي "الإشتراكي" من أجل "تعميد تيمور" لكن رياح المتغيّرات السياسية عاكست "البيك" الذي تراءى له تأجيل التوريث برهةً.

الأسباب والموجبات التي حتمت إتخاذ هذا القرار على مضض لا تبدأ بـ"نعومة أظافر تيمور السياسية" ولا تنتهي بما يترتب من نتائج على هذا الموقف في هذا الظرف بالذات الذي تسير سفنه بعكس تيارات الزعامة الدرزية التي تتحسّس الخطر من طروحات الأفرقاء الإنتخابية المراد عبرها سحب البساط من تحت أقدام المختارة.

"أرضية الزعامة لم تعبّد بعد" تخلص مصادر قريبة من الحزب التقدمي الإشتراكي في حديثها لـ"ليبانون ديبايت" كاشفةً أن "البيك أخذ على عاتقه وضع تيمور في الواجهة خلال إستقبالات نهار الأحد أو الدعوات ذات الطابع الإجتماعي مع الحرص على وجوده داخل الإجتماعات السياسية الثقيلة، والغاية من ذلك إيجاد تماس بينه وبين عامة الشعب وكسر الجليد بينهما، وتسويقة وتحضيره سياسياً كما يجب.

لا يخفي أحد أن "تيمور" نشط على الخط الإجتماعي، فهو أبن بيت سياسي عريق، شاب قريب من الناس ومحبوب، لكن هناك معضلة صعبة تتلخص بـ"عدم هضمه سياسياً" من قبل القاعدة كما يجب التي ترى فيه خجولاً، ليّناً، و "بّدو شغل بعد بالسياسة" فيما المشايخ الذين بطبيعة الحال لا يعارضون خيارات جنبلاط الأب، تمنّوا على البيك "التروي قليلاً" كون الوقائع السياسي المأزوم بحاجة إلى شخص "عنيد وضالع في السياسية لعبور هذا المطب".

يقرأ الدروز بهدوء تغيّر المناخات السياسة من حولهم التي تحتم وجود "شخص قوي" يدير اللعبة. بطبيعة الحال، لا يستطيع تيمور مقارعة "وئام وهاب" في السياسة ولا طلال أرسلان، من هنا، ثمة في الحقل الإشتراكي من يعتقد أن إبتعاد "وليد" عن موقع القرار يمكن أن يحدث فراغاً نسبياً يستغل من قبل الأخصام لتعزيز أمكنتهم، وهذه قرأها "البيك" وتوقف عندها طويلاً، دون أن يسقط من باله الحجة الإنتخابية.

قرّار جنبلاط المحافظة على وجوده في الحزب ممدداً تقاعده إلى فترة زمنية تحددها الوقائع. لا ينسحب ذلك على المقعد النيابي الذي تتقاطع المصادر حول أنه سيهبه لـ"تيمور" الذي سيبدأ شق طريقه السياسي من مجلس النواب مراكماً الخبرة المطلوبة ومتمرساً في العمل. ولكي يؤمن لنجله العبور السليم، يقاتل "وليد جنبلاط" اليوم على جبهة قوانين الإنتخاب محاولاً الحفاظ على المكتسبات السابقة، والغاية منها توفير "عناصر القوة" لنجله مستقبلاً من خلال تقديم ما يصبو إليه وترجمته في الدوائر، والأهم في بداية مشواره، الإنطلاقة التي يريدها البيك بعيدة عن كل الإشتباكات السياسة التي ربما تشغله بأمور هامشية قد تضيّع تركيز السياسي وتربكه.

لا يختلف إثنان أن "جنبلاط" لديه هاجس التوريث، متوقفاً أمام الشكلين الصاخب والهادئ. هو يدري أن تأمين الراحة لحكم نجله يمر بقانون إنتخابات يحافظ على ما جرى مراكمته وتجميعه من البيئة الحاضنة وجيوب الكتل الناخبة من غير الدروز على مدى سنوات، أيضاً يعتبر أنه لا يمكن لـ"تيمور" أن يكون مرتاحاً إلا على قانون إنتخابات "يراعي مصالح الدروز" (في الحقيقة يراعي مصالح بيت جنبلاط)، وهو من الآن وحتى ذلك الحين، يريد رسم طريق "تيمور" بهدوء وعناية مقتلعاً الشوك من أمامه، شاقاً الطرق نحو قانون يكرس قوته المستمدة من تاريخ طويل.

في الخلاصة، وضع "جنبلاط الأب" على عاتقه توفير كل تلك المناخات التي يحتاجها "جنبلاط الأبن" محاولاً إبعاد التعقديات السياسية الطارئة قدر المستطاع عن طريقه، عاملاً على إيجاد حلول للمستعصية منها وهذا يتطلّب "فترة إنتقالية" كفيلة برسم وتبريد جميع الهواجس.