"ليبانون ديبايت"

على حافة الحراك الإنتخابي الذي يصدح هدير محركاته مالئاً الدنيا وشاغلاً الناس، ثمة محركات لا تقل ضجيجاً تنشط في أروقة الحزب السوري القومي الإجتماعي الذي يذخر في الوقت الحالي بـ"نقاش سياسي - حزبي" داخلي، تقول أوساطه أنه "يميزه عن سائر الأحزاب ذات اللون الواحد الذي لا يعلو فيها فوق صوت رب الحزب الأعلى أي صوت".

لا تنظر الأوساط إلى ما يدور دخل الحزب القومي على أنه "نزاع سلطوي" بل "نقاش ديمقراطي" تعوّد عليه حزب الأعوام الثمانين الذي نشأ على فلسفة المدرحية الخالطة بين المادة والروح، لكن تلك المشكلة المتفاقمة يرفض حتى الساعة القياديون القوميون الإعتراف فيها على أنها "أزمة وليست مشكلة" بدأت في منتصف شهر كانون الثاني المنصرم، مع تعمد رئيس الحزب علي قانصوه عدم أخذ الإذن من المجلس الأعلى قبول توزيره في الحكومة الحريرية.

إستقال توالياً 9 أعضاء ( 6 أصلاء و3 ردفاء) أبرزهم رئيس المجلس محمود عبد الخالق، الرئيس السابق للحزب جبران عريجي، نائب رئيس الحزب الحالي توفيق مهنا، النائب السابق أنطون خليل والقيادي قاسم صالح. جنحت القيادة الحزبية التي يبرز النائب أسعد حردان كمؤثر فيها كونه يحوز على ثقة 12 عضواً من أصل 17، إلى محاولة التفاوض مع المعترضين لكن ذلك لم يصل إلى نتيجة مع الإبقاء على باب عدم إلتئام المجلس مفتوحاً أمام المفاوضات التي تعثر آخر مسعى لها يوم أمس الجمعة، حيث تؤكد مصادر قومية لـ"ليبانون ديبايت" أن "المجلس" لم يلتئم بصيغة دستورية على الرغم من تواجد الأعضاء في المقر وإنحصر الأمر بتبادل الأحاديث بين المعارضين والموالين، خطوة ترى فيها مصادر معارضة على أنها "حردانيّة" كون الرئيس السابق هدّد بمقاطعة الجلسات بغية عدم تأمين النصاب".

مرد ذلك، على ما تقول المصادر، "لإنقاذ المجلس من الحلّ"، فحال إلتئام المجلس سيفرض الدستور تلاوة الإستقالات التي ستصبح نافذة بعد 30 يوماً، أي يصبح المجلس بحكم المنحل، وبالتالي يفهم لماذا تفضيل عدم الإلتئام الذي هو "تكتيك دستوري" على ما تقول مصادر قيادية في القومي لـ"ليبانون ديبايت".

المشكلة - الأزمة أكبر من هذا فعلياً، هناك خوف على ضياع مصير القومي في وحول الإشتباكات الداخلية العاصفة التي تبعد الإهتمام عن السياق الإنتخابي الذي يتكوّن حالياً. تتخوّف المصادر القيادية بأن يخرج الحزب من إطار الإنتخابات النيابية اللبنانية، وهي سابقة خطيرة لم تحصل في مرحلة ما بعد الطائف وتوحيد الحزب عام 1996، كيف ذلك؟ تجيب بأن بقاء المجلس الأعلى بحكم المنحل، يفرض على المرشحين القوميين عدم تقديم ترشيحاتهم إلى وزارة الداخلية التي ترفع الصوت بأنها ستدعو الهيئات الناخبة إلى إنتخابات الحادي والعشرين من حزيران القادم، كون الترشيح يجب أن تتم الموافقة عليه من "المجلس الأعلى" حصراً قبل تقديمه.. فكيف سيتم الترشيح إذا كان المجلس "ميّت سريرياً"؟

تتخوف المصادر القومية في حال بقاء الوضع على ما هو عليه، أن يقدم قوميين على تقديم ترشيحاتهم الرسمية إلى وزارة الداخلية من خارج موافقة المجلس، وهو ما سينتج عنه فوضى في الترشيحات تشرذم القاعدة الناخبة التي ستضيع بين المرشحين، وهو سيناريو لا تحبذ لا القيادة في الحزب القومي ولا القاعدة الوصول إليه، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تتميز بالتجاذب الداخلي في حزب معروف بإختلافه الجذري عن غيره.

ما الحل؟
بالنسبة إلى قياديين قوميين، فإن الحل هو بتخطي ما حصل حفاظاً على مصالح الحزب القومي العليا على أبواب الإنتخابات التي تفرض التنازل قليلاً وبعد إجراءها يتفرغ المعارضون لإحداث تغيير ومحاسبة من تجاوز الأصول، لكن ثمة آخرون يعتبرون أن "الضغط" على أبواب الإنتخابات هو الوسيلة الأنجح لحشر القيادة الحالية وفرض المحاسبة عليها وبالتالي إخراج حل يقضي بتجريد الرئيس، علي قانصوه، من مسؤوليته الحزبية، أو إيجاد مخرج يقضي بإستقالته من وزارة الدولة وتأمين إتفاق لتوزير قومي آخر مكانه برضى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وحلفاء القومي، وهذه لها حساباتها الخاصة.

مدى نجاح إخراج الحزب من القمقم الموضوع فيه منوط بإدراك المسؤولين القياديين لحساسية المرحلة، وبالإتصالات النشطة على خط الأعضاء العاملين والمستقلين التي ستأخذ إسبوعاً جديداً حتى يوم الجمعة القادم.