"ليبانون ديبايت"

في عام 1993 وبعد فترة زمانية من إنتهاء الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان (1975 - 1990) وما أرخت من مفاعيل طائفية - مذهبية سلبية، أراد الرئيس الراحل رفيق الحريري إعادة تجسيد عملية التعايش المشترك التي إمتاز بها لبنان كجزء من مشروع تلفزيون ينظر نحو المستقبل كان قد أطلقه في مطلع ذلك العام. جمع الحريري في إستديوهات التلفزيون الذي إتخذ من "بيروت الغربية" (سابقاً) مركزاً له المسلم والمسيحي اللذان توحدا حول النظرة للمستقبل. في العام 2017 أي بعد 24 عاماً على تأسيس التلفزيون بات المستقبل بالنسبة إلى كثرين سودوياً إزاء ما يطرح من حلول للعاصفة التي تهب على الشاشة الزرقاء التي كانت أول من تحول إلى قناة فضائية على صعيد الشرق الأوسط، وبعد 12 عاماً على رحيل مؤسسها، تتحول المستقبل رويداً رويداً إلى نسخة طبق الأصل عن الواقع اللبناني خارجةً عن الدرب الذي خطه لها مؤسسها.

لا شك أن القناة ومنذ إغتيال الرئيس الحريري عام 2005 والإنقسام بين فريقي 8 و 14 آذار ودخول حزب الله إلى بيروت في السابع في أيار عام 2008 مرّت في مطبات كثيرة وعاشت تقلبات عديدة وتغيرت كثيراً وغادرت منازل لا بأس بها خاصة بعد أن أخذت على عاتقها نصرة تيار سياسي واحد أوحد من خلال جرعات "تعبئة طائفية مؤذية" لتكون بذلك أول الخارجين عن القيم التي خطها الرئيس الراحل ولتتحول من قناة جامعة للبنانيين إلى نموذ هامشي لا يفرق كثيراً عن المتوفر في الساحة.

عصفت الأزمات المالية بآل الحريري والوريث السياسي لها حتى بلغت أشدها هذا العام لتدمر ما بقي من المحطة التي خفّ بريق ظهورها وإرتفع منسوب إطفاء طابع اللون الواحد فيها! واقع لا يخفيه أحد المقترح صرفهم من القناة التي تعيش اليوم على واقع أزمة عمرها أعوام. أشهر مرّت على آخر "قبض" أتاهم مع عودة الرئيس الحريري، وأشهر طويلة أخرى قضوها دون أموال حتى وصل التراكم إلى ما يقارب الـ16 شهراً. قرّر القائمون على القناة تفعيل إعادة هيكلة شاملة لا تبدأ من تحديد عدد الوظائف والموظفين ولا تنتهي بإسلوب العمل والخط التحريري حتى اللون المذهبي الذي يجب أن يكون سائداً في القناة!

يكشف هذا الشخص الذي يرفض نشر إسمه لـ"ليبانون ديبايت"، أنه وبعيداً عن مشكلة المعاشات وقرارات الصرف التعسفي "المفروضة بقوة المال وبراءة الحلول، فإن عاملاً سلبياً آخر بدأ يظهر، وهو إعادة تموضع القناة وتحويلها من مؤسسة وطنية جامعة وعابرة للطوائف إلى ملكية مذهبية ذات هوية محددة وهو ما إستشعرناه من قرارات الصرف التي إشتملت في جزء كبير منها على موظفين من غير الطائفة السنية الكريمة".

يعيد الموظف وهو من أصحاب الباع الطويل في القناة التذكير بعبارات وخط الرئيس الشهيد رفيق الحريري دون جدوى حتى يخلص للقول "بتنا اليوم أمام واقع جديد.. هناك من بدأ يجاهر بتأميم القناة لتصبح سنية محض" وبالتالي تصبح كسائر وسائل الإعلام المحسوبة على جهات طائفية بالضبط! "من المسؤول عن إعادة الهيكلة هذه"، يسأل الموظف ويجيب نفسه "لا ندري.. هناك مجموعة مقربة من الحريري تخرب أكثر مما تعمّر" ليضيف: "لم يكن الرئيس الشهيد يردها على هذا النحو، قبلنا كل المتغيّرات السابقة وأخرجنا بشكل لا يليق لا بعائلة الحريري ولا بنا، وكأن هناك من يريد تدمير هذه القناة بعد كل ما دمر في 12 سنة وينهي وجودها".

هناك اليوم نحو 400 موظف في القناة، أكثر من 100 بقليل مقترح صرفهم ونسبة من هؤلاء قبلت الصرف على مبدأ "حلول ظرفية تقتضي نيلهم بدل صرف تعسفي".. هؤلاء، أي المصروفون، 90% منهم من غير السنة ما أثار جدلاً داخل القناة مع طرح سؤال.." هل بدأ تأميم قناة المستقبل سنياً".