Beirut
16°
|
Homepage
يقظة اللقمة وسقوط الاقنعة
انطون الخوري حرب | المصدر: ليبانون ديبايت | السبت 18 آذار 2017 - 0:36

ليبانون ديبايت - انطون الخوري حرب

يخطئ كثيرا من يظن ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مغلوب على امره في ما يتخذ من قرارات مصيرية للدولة، تتعلق بقضايا المواطن الاساسية وفي طليعتها لقمة عيشه. فالرجل ذو تاريخ معروف بعناده في التمسك بقناعاته ومواقفه السياسية عندما يكون لها صدى شعبي ايجابي، متسلحاً بالدعم الشعبي وداعيا اخصامه للاحتكام الى الشعب ومنازلته في صناديق الاقتراع. وعارفي رئيس الجمهورية ومعاصريه، يعلمون ان كل ما يحكى عن التناقض بينه وبين صهره الوزير جبران باسيل بما خص قانون الانتخابات، او عن التناقض بين موقفه وموقف نواب تكتل التغيير والاصلاح في ما خص الموازنة العامة وسلّة الضرائب وسلسلة الرتب والرواتب، انما هو من باب توزيع الادوار ومحاولة فاشلة لايهام الراي العام بان الرئيس مغلوب على امره، وذلك بهدف الحصول على ولاء الناخبين في الانتخابات النيابية، لان التصويت اولا واخيرا سيكون للرئيس وليس للتيار او رئيسه كمرشحين.

انطلاقا من اللقب الذي شكّل لازمة انتخابه رئيساً (بي الكل)، توقع المواطنون الصادقون في تفاؤلهم بالعهد الرئاسي الجديد، ان ينطبق هذا اللقب على ابوّة رئيس الجمهورية للمواطنين، اي ان يكون الحامي والحاضن والمدافع الاول عن حقوقهم المشروعة. و هو لطالما اشتهر بمخاطبة الراي العام مباشرة وبلغة المواطن البسيط. متعمّداً اظهار نفسه من خارج الطبقة السياسية. وهذا التميّز عزز قدرته على استقطاب حماس الفئات الشبابية التي عادة ما تكون توّاقة الى التصرفات السياسية الانقلابية في سنّ الشباب. كما انه اعتاد استعمال لغة اليقين الثابت في التعبير عن مواقفه الجازمة من القضايا الحيوية المطروحة، فباستثناء العميد ريمون اده، لم يسبق لاي سياسي لبناني ماروني ان رفض انتخابه رئيساً للجمهورية من قبل مجلس نيابي غير شرعي، كما لم يسبق لاحد ان انقلب على مواقفه كما انقلب عليه الجنرال طالما ان هذا الانقلاب جعله رئيساً. بعد الكثير من الوعيد الذي سبقه. وتكفلت الاجواء الاحتفالية التي رافقت الانتخابات الرئاسية بزرع بذور التفاؤل في صدور المواطنين ، لكن تشكيل الحكومة كان بداية الخيبات، حيث انها لم تأت بجديد رغم بعض الاضافات الزخرفية، كما لم تأتي ببيان وزراي مختلف عن بيانات الحكومات السابقة. ورغم ذلك لم تشمل تلك الخيبة موقع الرئاسة، ولم يتقبّل المواطن ان يسلّم بزوال تفاؤله بالعهد الجديد وهو في بدايته. وعاد التأييد الشعبي للرئيس، يتصاعد مجددا جراء تمسكه بموقفه الداعي الى قانون انتخابي قائم على النسبية، ولم يتاثر هذا التأييد سلباً باختلاف موقف الرئيس عن موقف صهره المتمسك باي قانون يرضي سائر الاطراف واولهم حليفه المستجد سمير جعجع بغية ضمان المقعد النيابي البتروني المنشود منذ اكثر من عقد من الزمن.


ولكن الطامة الكبرى كمنت في مشروع الموازنة العامة. ذلك ان المواطن اللبناني عامة لا يكترث كثيرا للمواقف السياسية في مجتمع اعتاد على التصرفات السياسية الغرائزية. ولكن عندما يطال الامر لقمة عيشه تصبح مواقفه اكثر جدية كما يصبح متحمساً لمحاسبة المسؤولين عنها. لقد توقع اصحاب الدخل المحدود ان يكون موقف الرئيس متصدياً للضرائب التي تطاله، كما توقعوا ان تكون الضرائب عادلة ومركزة على المؤسسات الكبرى واصحاب المداخيل العالية، لكن ما حدث امس في اقرار الموازنة كان مخيباً لآمالهم. فالمجلس النيابي الذي اقر الضرائب هو مجلس غير شرعي بفعل التمديد لنفسه منذ ثلاث سنوات. والموازنة هي رؤية اقتصادية وبالتالي فان تحميلها 22 ضريبة جديدة امر غير جائز قانونيا ولا يجوز ان تطرأ زيادات في موازنة سنوية. اضافة الى عدم جواز اقرار اي موازنة بحسب القانون من دون انجاز قطع حساب الموازنات السابقة. كما ان الضرائب الجديدة تقضي على الميزة التفاضلية للبنان حين تصبح الضريبة على شركات الاموال مثلا بمعدل 17% في حين انها في قبرص بمعدل 12% .

كان من الممكن تأمين تمويل سلسلة الرتب والرواتب من خلال تخفيف العجز في قطاع الكهرباء، والتهرّب الضريبي والهدر في المناقصات وعدم تأجيل تسوية المخالفات البحرية بغية الحصول على مداخيل للخزينة ترفع عن الطبقتين الوسطى والمتدنية اعباء غير قادرتين عليها . والمؤسف جدا في كل هذا الامر هو محاولة تضليل الناس ومخادعتهم بالتصاريح المضللة، ذلك انه حين يبرر نواب تكتل الرئيس فرضهم للضرائب الجائرة بحاجتهم الى مصادر لتمويل السلسلة، فهم يتناسون عمداً تصريح الرئيس في خطاب له في نيسان من العام 2011 جاء فيه:"سبق ان قلت لبنان مسروق وليس مكسوراً. انا اؤكد لكم ان نصف الدين العام على الاقل هو من المال المسروق والمهدور وهذا الامر موثق وليس مجرد كلام". فهو وعد المواطنين بمحاسبة السارقين واستعادة المال العام المنهوب واعتماد سياسات اصلاحية غابت عن هذه الموازنة بالكامل وكان من شأنها تامين ايرادات كافية للدولة في كافة القطاعات. وتبدو تباشير العهد العوني مستمرة في خلق الاوهام والشعارات والوعود. فكبار الاثرياء هم شركاء الرئيس في السلطة وكل ثرواتهم جمعوها من المال العام والرئيس اختار ان لا يحاسبهم على شنائعهم المزمنة لاسترداد حقوق عامة المواطنين، فهم الذين اوصلوه الى موقعه رغم احقيته في الحصول عليه. وهو رد الجميل بالعفو عنهم ومسامحتهم واكمال عهده معهم مقتدياً بهم في وضع سياسات الدولة المالية المرهقة للمواطنين.

لقد بدأت السلوكيات السياسية العونية بالتشابه مع سلوكيات الذين سبقوهم الى السلطة قبل الانتخابات الرئاسية، اما بعد تلك الانتخابات، فان الرئيس وحاشيته قرروا التماثل مع الطبقة السياسية بالكامل وعدم التميّز عنها بشيئ من خلال اعتماد السياسات نفسها التي كان يعتمدها هؤلاء . فبعد ان حمّل الرئيس تبعات انهيار الاقتصاد والفساد وتعاظم الدين العام لى الحريرية السياسية، عاد واعتمدها ، وما من تعبير اوضح واصدق عن ذلك اكثر من مسامحة فؤاد السنيورة على عدم تطبيق قطع حساب ىال11 مليار دولار التي انفقت في عهد حكومتيه من دون اي حساب.

لم ينتظر العهد العوني كثيرا ليظهر الطابع العام الذي سيرافق الولاية الرئاسية، وهو طابع معهود منذ زمن طويل ولن يختلف عن العهود السابقة لا في الشكل ولا في المضمون. ولعبة المواقف التصعيدية التجييشية التي تتنتهي دائما بالتراجع عنها ومناقضتها ما عادت تنطلي على احد. فشعارات النسبية وحماية حقوق المواطنين، ومكافحة الفساد والتمسك بالميثاقية والمناصفة يعتبرها المواطن اليوم خدعاً مفضوحة. والامر الذي بات متعذراً هو الاستمرار بتصديق مطلقي هذه الشعارات. ويبدو ان العهد لا يريد من المواطنين سوى الطاعة العمياء لكونه ادرى منهم بمصالحهم وحقوقهم، ولكن المواطنين يريدون هذه المرة عكس ما يريده الحاكم، وحين تتعارض هاتين الارادتين، فان احداهما ستنتصر على الاخرى، ولم يسجل التاريخ يوما تفوق الحكام على الشعوب.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"القادم خطير جداً"... العريضي يتحدّث عن "زحطة" كبيرة للقوات! 9 حقيقة الخلاف بين باسيل وبعض نواب كتلته! 5 "الجنون" يضرب نيسان... خنيصر يتحدّث عن أمرٍ نادر ويكشف "مفاجأة"! (فيديو) 1
"مؤشر إيجابي"... خطوات "عملية" هامّة في ملف النزوح السوري! 10 تشريح عقل جنبلاط وكشف ما في داخله... "دمار وخراب بانتظار اللبنانيين"! 6 سعر ربطة الخبز إلى ارتفاع كبير... كم سيبلغ؟! 2
الأمور لم تعد تحتمل... "الخطر" يُحيط بـ "بلدة شمالية"! 11 خرج من الأنفاق... السنوار يتفقد غزة (صور) 7 سيناريو يهدد دولار الـ 89 ألف ليرة.. خبير اقتصادي يكشف عن الخطة المقبلة! 3
طائرة تهبط في مطار بيروت وعليها عبارة "تل أبيب"! 12 ابن الـ12 عاماً يروج المخدرات... ماذا جرى في إحدى مدارس لبنان؟ (فيديو) 8 بشأن تسديد الفاتورة سواء بالدولار أو الليرة... بيان من "كهرباء لبنان"! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر