ليبانون ديبايت – المحرر السياسي

في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني الماضي، زار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا. مرّ يومها على إنتخاب عون أكثر من اسبوعين. لم يخرج عن ذلك اللقاء الكثير سوى الثناء المتبادل عن دعم الاستقرار والعمل المصرفيين. بعد ما يقارب الشهرين أي في الخامس من كانون الثاني 2017 (قبل شهرين ونصف الشهر من اليوم) خرج الحاكم على شاشة برنامج "كلام الناس" محذراً من أن خروجه من الحاكمية قد يعرض العملة إلى إهتزازة.. كان هذا الكلام إعلان لمؤشر الخطر الذي بنى عليه أصحاب المصارف هجومهم الدفاعي لاحقاً!

قيل يومها أن خروج سلامة وقوله هذا الكلام على الشاشة هو أمر متفق عليه ومعد له مسبقاً ويندرج ضمن سياق إستشعره "الحاكم" بعد صعود الرئيس عون على كرسي بعبدا ونيته إجراء تغييرات شاملة، فكان لا بد من اجل المحافظة على مصالح أصحاب المصارف وكبار الكسبة أن يبقى سلامة أو من يمثله في سدة الحكم. إستتبع هذا الكلام المدروس بانشاء "لوبي" ضاغط من قبل اصحاب المصارف وصال وجال على السياسيين وصرح وخوّف على الاعلام واعطى صورةً أن الحالة من بعد سلامة هي "جهنم" والحل للمحافظة على الاستقرار النقدي هو التمديد لسلامة.. امر فسر على أنه خلق تبريرات بعد إلتماس نوايا التغيير من خلال ممارسة عملية إرهاب فكري - مالي على الساحة.

على هذا الجو المراتم إستيقظ اللبنانيون صباح الاربعاء الماضي على خبر وضع الحاكم رياض سلامة استقالته بعهدة رئيس الجمهورية سرعان ما تم نفي الخبر بعد ساعات، حيث اتى ذلك في ذروة بدء نشاط السوق النقدي اللبناني اليومي. تردّد لـ"ليبانون ديبايت" من مصادر مالية، أن خبر الاستقالة هذا كان له وقعه على الساحة النقدية حيث حصلت هزة بدرجات معدودة على مقياس اصحاب المصارف، أتت مع إقتراب فترة بدء البحث بالتعيينات الادارية بعد التفرغ من التعيينات الامنية. اريد، بحسب المصادر، أن تكون "الهزة" إشارة إلى ما سيحصل في حال إستقال سلامة!

تكشف مصادر مالية لـ"ليبانون ديبايت"، أن إعلان خبر الاستقالة ومن ثم تكذيبه وما خلقه وتسبب به في هذا الوقت القصير يدل على انه هناك "مكيدة" كانت مدبرة وما يعزز القناعة بها ما يتواتر إلى "الحاكم" من أن التمديد له أقله في نظر رئيس الجمهورية هو من سابع المستحيلات وعليه يحاول "اللوبي" الداعم للحاكم توفير مكامن الخطر بغية انشاء حالة ضاغطة تؤمن التمديد من بوابة درء الاخطار.

خروج المصادر بهذه الخلاصة يأتي من فهمها للسياق الجاري منذ وصول عون إلى بعبدا حيث تكشف لـ"ليبانون ديبايت" أن الاجتماع الذي جرى بينهما في منتصف تشرين الثاني لم يكن ودياً ولا إيجابياً، حيث ان سلامة يومها إقترح على الرئيس عون تغييره الآن في حال كانت لديه النية بإجراء هذا التغيير دون أن ينتظر إلى تاريخ إنتهاء ولايته (اي سلامة) في الحاكمية حيث كانت ذريعة سلامة "الحفاظ على القطاع المصرفي". تقول المصادر أن "جواب عون كان يومها مقتضباً ومختصراً وبصيغة السؤال إذا توجه إليه بالقول .. "متى تنتهي ولايتك؟؟!"

في هذا الجواب الكثير من الدلالات, أولها أن عون كان معه دبلوماسياً وخرج من الاجابة عن السؤال بطريقة ذكية واضعاً سلامة في حيرة وإلتباس في المغزى من الجواب وهو ما فسره - إنطلاقاً من السياق الذي انتهجه سلامة - أنه غير باقٍ لذلك عليه البدء في الهجوم!

هناك من يردد في بهو المصارف أن الحاكم سلامة لو كان لديه النية في البقاء لما طلب من عون تغييره في الحال، لكن آخرون يقولون أن سلامة بذكائه حاول فهم الطريق الذي سيسلكه عون كي يبني سلامة في ردود افعاله على المقتضى اي الذي فسر لاحقاً من خلال ما سلف.

في الخفاء، تقول المصادر أن ثمة من يتهم حزب الله بالهمس في اذن الرئيس عون اجراء التغيير في الحاكمية إنطلاقاً من ما يقولون أنه "إنتقام من سلامة" الذي إتبع سياقاً مستفزاً لحزب الله عبر التماهي مع المطالب الاميركية لا بل اكثر وصولاً حتى التضييق على وزراء ونواب وعناصر وبيئة الحزب في المصارف، لكن الحقيقة أن حزب الله "قدم لسلامة خدمةً" حيث أن معلومات "ليبانون ديبايت" تؤكد أن حارة حريك أوصلت إلى سلامة عبر اصدقاء مشتركين أنها لا تمانع في التمديد له في حال عرض ذلك على التصويت.. والموضوع في عهدة رئيس الجمهورية! فعلى ماذا يراهن حزب الله من خلال هذا الموقف؟!