ليبانون ديبايت - المحرر السياسي

انشغل الوسط السّياسيّ بتحليلِ كلام عضو كتلة المستقبل، النائب رياض رحّال، الذي قاد موقفاً تصعيديّاً ضد رئيس الجمهورية، هو الأول الذي يُسمع بهذه الحدّيّة، منذ انتخاب ميشال عون في الخريف الماضي، بينما ابتعد الأخير عن سياسة اللاءات وتحليلاتها أمس بدعوته "للاتّفاق على قانونٍ جديد للانتخابات يحقّق العدالة والمُساواة". لكن هذه المُساواة ما زالت غائبة عن مجاميع الطقم السّياسيّ الذي ما بَرِحَ يبتعدُ عن البحث الانتخابيّ أكثر فأكثر.

وحده الرئيس سعد الحريري حفر في الجمود الانتخابيّ من بوابة اعادة تموضعه في خانة المعارضة للتمديد الى جانب رئيس الجمهورية الذي زاره امس مؤكداً على اقترابه منه في الخيارات الانتخابية وتباعده عن الرئاسة الثالثة التي اختارت تجرع كأس التمديد ليرسم مشهد اولي لجلسة 15 ايار.

الاجواء السلبية هذه انعكست على مجلس الوزراء، إذ لم يَدعُ هذا الأسبوع أيضاً، ما زاد على التعطيلِ تعطيلاً. وبينما هناك ضياعٌ في توصيف الجلسة حول حصريّة تناولها قانون الانتخابات أو بحثها في الشأن العام الخاص بالوزرات، تجلس اللّجنة الوزاريّة التي عيّنت لبحث اقتراحات القانون واستخراج الأمثل على الرصيف تصفّق راحاً على راحٍ بعد أنْ أخرج من صلب دورها هذه الصلاحيّة التي نشأت عليها أساساً، في ظلّ تفسيراتِ السّياسيين المُختلفة حول مهمّة اللجنة الضّائعة بين تعثّر التئامها وبحثها الاقتراحات وإرسالها إلى مجلس الوزراء. لكن كيف لهذا الاقتراح أنْ يأتي وليس هناك من اتّفاق عليه داخل الرباعيّات الضائعة في أهواء الثّنائيّات والتي تقطع الطريق على أي لجنة؟!

ضياع الرباعيّة بعد موقف الرئيس الحريري الأخير الآيل صوب رفض التّمديد غير المقرون بقانونٍ انتخابيٍّ جديد، عمّق الهوّة وزاد التّباعد بين القِوى السّياسيّة، ليطغى إلى السّطح نقاشين مستقبليين، الأوّل حول التّمنّي الذي قدّمه الوزير نهاد المشنوق إلى رئيس الجمهوريّة من أجل الدعوة لجلسةٍ حكوميّة، والثّاني السّقف المُرتفع في الخطاب الورد على لسان النائب رياض رحّال، الذي هاجم رئيس الجمهوريّة متهماً إيّاه بـ"تعطّل جلسة مجلس الوزراء".

ووجّه رحّال رصاصات قنصٍ نحو عون عبر اتّهامه بـ"ارتكاب مخالفة قانونيّة من خلال عدم توقيعه على دعوة الهيئات الناخبة" قائلاً: "لو وقّع عون المراسيم لكنّا تجنّبنا المأزق الذي نمرّ به اليوم، وبما أنَّ عون أوصلنا إلى المأزق فليخرجنا منه"، لكن أبرز ما ورد على لسان النائب المُستقلبي إشارته أنه من أجل "حقوق المسيحيين الإلغائيين توقّف عمل مجلس الوزراء". مصادر تيّار المُستقبل قالت لـ"ليبانون ديبايت" إنَّ موقف النّائب رحّال "اجتهاد شخصيّ خاطئ لا يرتبط مع موقف كُتلة المُستقبل أو المكتب السّياسيّ". لكن هل يعقل أنْ يجتهد نائبٌ في كتلةٍ سياسيّةٍ بخطابٍ من بُنَاتِ أفكاره دون أن ينطلق من همسٍ سياسيّ؟

مصادر سياسية أبدت لـ"ليبانون ديبايت" اعتقادها أنَّ كلام النّائب رحّال ينمّ عن انزعاجٍ داخليّ في تيّار المُستقبل من الأسلوب الذي يستخدمه الرئيس ميشال عون، ولنكُن واضحين أكثر، تيّار المستقبل مُنزعج من مجاراة الرئيس لصهرهِ جبران باسيل الذي يحمل في نفسه "خِطاباً إلغائيّاً أشبه بخطابِ القوّات اللّبنانيّة زمن الحرب" في مسألة قانون الانتخاب. وحول التقاط مؤشّراتٍ "حريريّةٍ" تسمحُ بانتقاد عون داخل التيّار الأزرق، أشارت المصادر أنّنا إذا سلّمنا جدلاً أنَّ الحريري لا يوفّر إشارات يبني عليها النّائب رحّال كلامه، هل يمكن تجاهل أنَّ مُستشاروه لا يعلمون ذلك؟، مستشهدةً هنا بكلام النّائب عقاب صقر الموجّه بذات الحدّيّة صوب القوّات اللّبنانيّة، لتخلُصَ إلى أنَّ "تيّار المستقبل يتعمّد إمساك العصا من وسطها عبر توافر خطابين مختلفين يوازنان سياسته الدّاخلية للحيلولة دون مزيدٍ من الشّرخ".

وعلى جبهة المشنوق، استغربت مصادر وزاريّة كيف يجنح وزير الداخليّة صوب الطلب من رئيس الجمهوريّة تحريك جلسة المجلس، بينما صديقه ورئيس تيّاره سعد الحريري هو رئيس الحكومة وفي يده وحده صلاحيّة الدّعوة لانعقاد مجلس الوزراء لا رئيس الجمهوريّة.

إلى ذلك، علم "ليبانون ديبايت" أنَّ بيت الوسط ما زال يتخبّط في المواقف بالنسبة للقانونِ التأهيليّ. واللّافت أنَّ الحريري الذي خرج من دارة الرئيس بري قبل أيّام رافضاً التّمديد أو الفراغ، ومعوّلاً على التّأهيليّ، ينكبّ نوابه في رمي الحجارة على الاقتراح بوصفه "غير ميثاقيّ وغير شرعيّ ومخالف للدّستور" ما يدلّ على أمرٍ من اثنين، إمّا أنَّ الرئيس الحريريّ يتعمّد خلق جوٍّ من التّناقض في المواقف يهدف لإطفاء اللّون الوسطيّ على موقعه، أو أنّه مقيّد بتفاهماتٍ لا يريد الخروجَ عنها، وبالتالي يقبل بالاتّفاقات في العلن ويعطي الإيعاز لإطلاق النّار عليها في السّر.