"ليبانون ديبايت" - ريتا الجمّال:

في ظلّ "الحرائق السياسيّة" التي تندلع في لبنان، وتأتي نيرانها إلى الثروات الوطنيّة وتلك النفطيّة التي تضيع بين مصالح السياسيّين الشخصيّة، هناك حرائق بدأت تهدّد بدورها الثروات البيئيّة والمساحات الغابيّة، نتيجة إهمال ملفّ أساسي قد يعتبره البعض "ثانوي" بين الملفات المطروحة، لكنّ يبدو أن قيمته لن تُقدّر إلاّ عندما تقع الكارثة الكبيرة.

لذلك، وقبل أن يطلّ موسم الحرائق ليلتهم ما تبقّى من أحراج لبنان، ويتفاجأ المعنيّون بحلوله، يجب الاضاءة على هذا الملف باكراً، على أمل أن يحضّر له جيّداً، وبخطوات إستباقيّة، حتى لا نصل الى شهر أيّار، لنصبح أمام سباق ثنائي بين إيجاد حلول طارئة مستعجلة غير مدروسة، وإتساع مساحة الحرائق.

من المعروف، أن موسم الحرائق يمتدّ من شهر أيّار حتى تشرين الاوّل، وأحياناً يبدأ قبل هذه المدّة، ولفترة أطول، تبعاً لعوامل عدّة أبرزها الجفاف والرطوبة ودرجات الحرارة المرتفعة. كما أنه لا يُعتبر من المواسم "المُرحّب" بها، نظراً للخسائر الكبيرة التي يتركها قبل رحيله، سواء البيئيّة أو الطبيعيّة أو الحرجيّة، أو حتى البشريّة، في ظلّ غياب إستراتيجيّة وطنيّة ثابتة وشاملة لمكافحة الحرائق، وإنعدام المسؤوليّة عند المسؤولين، الذين لا يحملون هذا الموضوع على محمل الجدّ، ولا يعيرونه أيّة أهميّة، على الرغم من أن تقييم الموارد الحرجيّة والغابيّة لمنظمّة "الفاو" الصادر عام 2010، أظهر كيف أنّ المساحات الغابيّة التي كانت تشكّل يوماً 74% من مساحة "وطن الأرز" تدنّت لتصل الى 13% أراض غابيّة و10% أراض حرجيّة، في ظلّ وجود مخاطر كبيرة تهدّد الغابات كالمرامل والكسارات، والحرائق، والقطع الجائر من دون أن ننسى الزحف العمراني المتواصل والمستمرّ بطريقة عشوائيّة من دون حسيب أو رقيب إضافة الى مخاطر أخرى.

وفي هذا السّياق، يؤكّد الخبراء البيئيّون، أن "مسببّات الحرائق، قد تكون طبيعيّة، مناخيّة، أو حتّى "إنسانيّة"، الامر الذي يحتّم على الجهّات المختصّة أن تتعاون مع بعضها وتعمل على مكافحة الحرائق سواء "مادّياً" من خلال التجهيزات، والوسائل المتطوّرة، والاليّات المطلوبة، أو "توعويّاً" من خلال إصدار بيانات تتضمّن إرشادات الوقاية من الحرائق، وكذلك من خلال التواصل مع المنظّمات الدوليّة والجهّات الخارجيّة لتأمين الهبات المطلوبة كما يحصل في ملفات أخرى".

وأشاروا الى أن "المديريّة العامة للدفاع المدني، تقوم بأداء جبّار، ليس فقط على مستوى مكافحة الحرائق، بل أيضاً لناحية مكافحة "الجهل"، ونشر الوعي عند المواطنين للعب دور المساعد، في الحفاظ على لوحات لبنان الخضراء، وذلك على الرغم من الصعوبات والتحدّيات والنقص الكبير الذي تعاني منه المديريّة على الاصعدة كافة، وآخرها مسألة تثبيت متطوّعي الدفاع المدني، بيد أن ضميرهم الوطني، وإنسانيّتهم العالية دفعتهم الى إتمام واجباتهم كاملة، رغم تقاعس الدولة".

وفي الوقت الذي تعاني المديريّة العامّة للدفاع المدني من نقص حادّ في التجهيزات والمواد الضروريّة، ومن قِدَم عهد الاليّات المستخدمة، التي لا تتناسب مع التطوّر الموجود في العالم أو حتى مع ما تشهده الطبيعة من تغيّر مناخي، أسئلة كثيرة تطرح حول مرتبة هذا الملف عند الحكومة اللّبنانيّة وكافة الجهّات المختصّة، والتحضيرات التي تقوم بها "لاستقبال" موسم الحرائق، ومصير المروحيّات الثلاث التي قدّمتها جمعيّة "أخضر دايم" ورئيسها الوزير السّابق فادي عبوّد الى الدولة والجيش اللّبناني، في ظلّ تعاون كبير وجدّي وأساسي من قبل وزير الداخلية حينها الاستاذ زياد بارود وعدد من هيئات المجتمع المدني؟!

وفي معرض جوابه عن هذا السّؤال، أشار الوزير السّابق فادي عبّود في إتّصال مع موقع "ليبانون ديبايت"، الى أن "الملفّ جامد، على كافة الاصعدة، ولا أي طرف يقوم بتحريكه، وبحسب المعلومات فإن أعمال الصيانة تحتاج الى مبلغ خمسة مليارات ليرة لبنانيّة، وقدّم طلب الى مبنى الصيانة حول التكاليف، بيد أن المبلغ لم يتأمّن على الرغم من موافقة مجلس الوزراء، وأنا أستغرب كيفيّة التعاطي مع هذا الموضوع، حيث أنّ الخسائر التي سيتعرّض لها البلد والثروة الحرجيّة، كبيرة جداً وهائلة مقارنة مع المبلغ المطلوب للصيانة".

وإعتبر عبّود أن "تحريك هذا الملف ضروري جدّاً، والمشكلة لا تتعلّق فقط بتأمين الاموال المطلوبة للصيانة، بل أيضاً هناك حاجّة ملحّة لتدريب الطيّارين بشكل جدّي على مروحيّات الـ "سيكورسكي كونها تختلف عن تلك المستخدمة بالعادة، فهي لا تستخدم فقط لإطفاء الحرائق إنّما لحالات الطوارئ أيضاً، مع ضرورة الحصول على هبات، وإدخال ملف مكافحة الحرائق ضمن لائحة المساعدات التي يحتاج إليها لبنان، خصوصاً الاميركيّة منها، التي تصل الى المؤسّسة العسكريّة".

وشدّد على أن "جمعيّة "أخضر دايم" نشأت على فكرة مكافحة حرائق الاحراج، التي على أساسها لجأنا الى الجيش اللّبناني، الذي إختار المروحيّات وفحصها جيّداً، كما قامت شركة "بيرو بيرتاس" بالتحقّق من نوعيّة المعدّات التي تشتريها "أخضر دايم"، وقامت الجمعيّة بتسليم الجيش المروحيّات الثلاث وقطع غيار ومبالغ للصيانة، لكن للاسف هي اليوم متوقّفة والملف مجمّد، بينما الايّام تتحرّك والوق يداهمنا"، كاشفاً عن أنه "سيتواصل مع وزير الدفاع يعقوب الصرّاف للبحث بهذا الموضوع وأهميّة إعادة تحريك الملفّ".

وبهذا الملف "النّاري"، يكون أمام العهد الجديد، تحدّي آخر، للمحافظة على اللّوحة الرائعة التي رسمها اللّه للبنان، من أيادي كلّ الذين يسعون الى تشويه جمالها. والى حين إيجاد الحلول المناسبة وإعادة تحريك الملفّ، تتحضّر المديريّة العامّة للدفاع المدني لتحصين إمكاناتها في وجه موسم الحرائق، وستعمد في وقت لاحق وقريب الى الاعلان بشكل مفصّل عن الاجراءات المتّخذة لهذه السنة، كما تحرص بشكل مستمرّ على تذكير المواطنين بإرشادات الوقاية من الحرائق، والمخاطر والعوامل المسببّة لها، وذلك عبر موقعها الالكتروني ومن خلال نشرات وبيانات تفصيليّة، التي تنشر أيضاً عبر الصّفحات الرسميّة التابعة للمديريّة على مواقع التواصل.

اشارة الى أن رئيس لجنة الدفاع والداخليّة والبلديّات النّائب سمير الجسر، لفت في مؤتمر صحافي عقده يوم الاربعاء إلى أن "لبنان يشهد عاماً بعد عام تزايداً في وتيرة الحرائق في مختلف المناطق، والارقام الرسميّة تشير الى اندلاع مئات الحرائق في معظم المناطق". عارضاً "نتائج اجتماعات اللّجنة في موضوع حرائق الغابات والتقرير الذي خلصت اليه".