ليبانون ديبايت - المحرر السياسي

دخلت البلاد في العدِّ العكسي الأخير من عمر الأزمة. الجوّ السائد حالياً يمكن تشبيهه برجل يقف على لغمٍ أرضي صاعقه مفعّل، ما إنْ يُزال السبب الضاغط عليه حتّى ينفجر. أضراره محكومة بقوّة عصفه، كذلك هو الحال بالنسبة إلى الطبقة السياسيّة التي وقفت البلاد على لغمٍ من النوع الثقيل والانتظار هو لمن يتعب أوّلاً ويزيح رجله، لكن هذا الانفجار لن تطال أضراره من أزال قدمه بل ستشمل الجميع.

اجتماع ليل الأحد في عين التينة، يبدو أنَّه لم يُحقّق المُبتغى، وبدل أن يزيل التراكمات، زاد من تكدّسها، ولم يحقّق سوى تجميد التفاهم على الخطوط العريضة في قانون الانتخاب التي جرى التفاهم عليها مسبقاً، وبدل أن يضع الجمع مكان القسمة، عزّز من الضرب على وتر الأزمة، مع إسقاط التّحالف السُنّي - المسيحي ملاحظاتٍ محقة على اقتراح الرئيس برّي النسبي.

ما يخرج من عين التينة لا يبشّر بالخير، فرئيس المجلس قرّر سحب يد وساطته وترك الساسة "يقبعون شوكهم بأيديهم". ووفق معلومات "ليبانون ديبايت"، سحب رئيس المجلس اقتراح مجلس الشيوخ من البحث تاركاً النسبيّة فقط لكن ليس عبر قانونه الذي اختار أنّ يضعه في الثلاجة، مقدماً بالتالي أوراق اعتزاله من ساحة الاقتراحات، منتظراً في آخر الرواق يراقب ما ستؤول إليه أمور الساسة بعد أن نفّذ تهديده وحدّد جلسة مفصليةً يوم 29 الجاري، وهذا ما أكّده بيان المجلس الذي أعلن أنَّ "خروج اقتراح مجلس الشيوخ من التداول بحلول 15 أيّارً، لكنّ برّي اعطى جرعة دعم عبر قوله ان هذا "لا يعني أنَّ الأجواء ليست إيجابيّة مع كلّ الفرقاء سيّما أنَّ النسبيّة هي موضوع البحث القائم".

حاول المجلس في بيانه تصويب الأمور، جاعلاً من النسبيّة أساساً لا عودة عنه، مصادر قريبة من جوّ الاتّصالات قالت لـ"ليبانون ديبايت" أنَّ اقتراح مجلس الشيوخ سقط، ومن اليوم وصاعداً بات بحثه منوطاً بمجلس نوّاب منتخب، ونقاشه لم يعد صالحاً الآن، كاشفةً أنَّ "الملاحظات التي وصفتها بالفظّة والتي رميت يوم أمس على طاولة عين التينة، هي السبب في الوصول إلى هذه النتيجة".

وأشارت إلى أنَّ رئيس المجلس حسم أمره في الخيارات، بضوء معطيات الأمس، وأبلغ من يلزم أنّه سحب اقتراحه و "ليتفضّلوا باعتماد غير اقتراحنا" وهو ما دفع بالثنائيّة المسيحية إلى عقد لقاءٍ في وزارة الخارجيّة ضمَّ وزير الخارجية جبران باسيل ونائب رئيس القوّات النائب جورج عدوان والنائب إبراهيم كنعان، كان محوره بحث موقف برّي وما جرى إرساؤه في الساعات الماضية. وعلم أنَّ الاجتماع كان ربطاً للمواقف التي جرى اعتمادها يوم أمس من قبل الثنائي المسيحي في الخلوة مع برّي.

مصادر الثنائية المسيحية، قلّلت من شأن سحب برّي اقتراحه مشيرة ل"ليبانون ديبايت"، أنّ رئيس المجلس "كان يُناور في مسألة عرض مجلس شيوخ لكسب الوقع والوصول الى جلسة تمديد عبر توفير ذريعة لها"، رافضةً "ان تتخلى عن مجلس شيوخ تراه من حقّها".

وكان الرئيس سعد الحريري قد توجّه الى قصر بعيدا حاملاً معه رواية ما حصل في عين التينة، محاولاً التخفيف من ايقاع ما حصل عبر تأكيده بامكانيّة ما زالت موجودة للوصول الى قانون جديد.

ويبدو أنَّ الرئيس بري قد أعاد استخدام عصا التلويح بالجلسة التشريعيّة التي تحمل في جدول أعمالها اقتراحاً بالتمديد. وتقرأ مصادر متابعة في اختيار رئيس المجلس لموعد 29 أيّار أنّه ينمّ عن هدفين:

- الأوّل تمديد فترة المباحثات إلى القصوى إفساحاً في المجال أمام اتّفاق، و "كي لا يُقَال إنَّ بري عطّل".

- ثانياً استباق الجلسة بيومين من تاريخ انتهاء العقد التشريعي، إذ يطمع الرئيس إلى تأمين التمديد في حال عدم استخراج قانون

لكن مصادر أخرى ترى إمكانيّة في ولادة اقتراح انتخابيّ "من رحم المعاناة"، يمكن أنْ يحصل قبل انتهاء الشّهر الجاري، وهذه المصادر تنطلق من الإيجابيّات المتوافرة والمُعبّر عنها توافقاً بأنَّ شكل قانون الانتخاب سيكون نسبيّاً.

سياسيّاً ما زال حزب الله يدفع باتّجاه الإيجابيّات، إذ أعاد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، التأكيد على أنَّ "الفترة القليلة المقبلة ستحمل معها قانون انتخاب جديد يعتمد النسبيّة الكاملة في لبنان"، وهذا التفاؤل انصبَّ أيضاً على دوائر القصر إذ أبدى الرئيس عون اعتقاده أنَّ "المجال ما يزال مفتوحاً حتّى 19 حزيران المقبل للاتّفاق على قانونٍ انتخابيٍّ جديد وإقراره".