"ليبانون ديبايت" - ريتا الجمّال:

بعد حرب عبثيّة وصراع دام لأكثر من 15 عاماً، دمّر الحَجَر والبَشر، وقضى على معالم لبنان العمرانيّة، بقيت الارادة اللّبنانيّة صلبة، ولم تُدفن تحت الرُّكام، بل على العكس، تمكّن المواطن اللّبناني الطموح المثقّف، الذي يعشق الحياة، ويعيش على الأمل ولا يعرف طعم اليأس، من إعادة إعمار البلد ووضعه مرّة أخرى على خارطة العالم الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياحيّة. وكانت العاصمة بيروت من أبرز المناطق التي أنُجزت فيها مشاريع، وأعيد فيها ترميم وتأهيل غالبيّة الابنية المتضرّرة جرّاء الحرب، لكن للأسف، لم يبقَ في "قلب لبنان"، سوى كنيسة مار منصور التي لم تشملها هذه النهضة العمرانيّة، فهي لا تزال وحدها تحمل آثار الدّمار، وتُذكّر بأيّام حالكة مرّت على وطن الارز.

اليوم، وبعد مرور سنين طويلة على إنتهاء الحرب اللّبنانيّة، وبعد العديد من المطالبات والأسئلة الملحّة التي وردت وطرحت على جمعيّة مار منصور دي بول، من الكثير من الملتزمين معها بالعمل الاجتماعيِّ بخصوص البناء المُهدّم وسط العاصمة، والتمنيّات بإعادة إعمار هذا الصرح الذي يعتبر رمزاً للتضامن الوطنيّ، ومركزاً إجتماعيّاً ثقافيّاً يجمع اللّبنانيين وضيوفهم من مختلف الطبقات والاديان، وجدت الجمعيّة نفسها مضطرّة لتحريك هذا الملفّ والاعلان عن إطلاق مشروع إعادة إعمار الكنيسة في 25 أيّار، والاتّكال على العناية الالهيّة لتأمين الاموال اللازمة، بغية تنفيذ المشروع الذي سوف يستغرق وقتاً طويلاً.

وفي هذا الاطار، أكّدت مصادر المجلس الوطني لجمعيّة مار منصور دي بول في لبنان، أن "هناك إصراراً كبيراً على تنفيذ المشروع، لنعيد لهذا الصرح مكانته الخاصّة في خدمة الانسان إجتماعيّاً وثقافيّاً". كاشفةً أن "السّبب الاساسي وراء التأخير في إعادة إعمار الكنيسة، كان ماديّاً بالدرجة الاولى، حيث أن إمكانيّات الجمعيّة تعتبر محدودة، خصوصاً أن الجوّ العامّ والأزمات الاقتصاديّة والاقليميّة التي تعصف في لبنان والمنطقة لم تُساعد على القيام بهكذا خطوة، فالمشروع ضخمٌ جدّاً، والأولويّة أُعطيت للإنسان، والجمعيّة تلتزم إلتزاماً كاملاً بإرادة المانحين والمُحسنين لناحية وجهة إستعمال الهبات".

وقالت المصادر نفسها لموقع "ليبانون ديبايت":"نحن على ثقة تامّة، أنّه بفضل المُحسنين والتوعية على أهميّة المشروع الاجتماعيّة والانسانيّة والروحيّة، سوف يُسرّع التنفيذ، من هنا ضرورة إحتضان هؤلاء للمشروع ودعمه بالسّبل المُتاحة، هم الذين منحوا الجمعيّة ثقتهم منذ 157 عاماً، وسيُلبّون حتماً النداء".

إشارة الى أن جمعيّة مار منصور دي بول تأسّست عام 1860 في لبنان، وهي جمعيّة خيريّة هدفها خدمة الانسان المُحتاج والمُهمّش والسّجين والمريض، بصرف النّظر عن إنتماءاته العرقيّة أو الدينيّة أو السياسيّة، وتمكّنت بفضل الثّقة التي نالتها من أفراد وجماعات لبنانييّن وأجانب، من سلطات دينيّة وزمنيّة من الانتشار على الاراضي اللّبنانيّة كافةً من خلال 42 فرعاً. كما أسّست المدارس والمستوصفات وعيادات طبّ الاسنان ودور العجزة والايتام.. وفي العام 1861، وبفضل هبة مقدّمة من البابا بيوس التّاسع أسّست وسط العاصمة بيروت، مدرسة لأولاد الأسر ذوي الدخل المحدود وأقامت بجانبها كنيسةً ومركزاً لها تؤدّي من خلاله رسالتها الانسانيّة. وهي تستفيد حاليّاً من دعم وزارة التربية الوطنيّة لمدرستها الابتدائيّة شبه المجّانيّة في برج حمّود، كما تستفيد من دعم وزارتي الصّحة العامّة والشّؤون الاجتماعيّة لداريْ الرّاحة التي تملكهما.