"ليبانون ديبايت" - ستيفاني جرجس:

أرواح بريئة كادت أن تستشهد، فَصَلَ بين كل انفجارٍ وآخر دقيقتين فقط، فيما الثالث، والذي كان يُنتظر وقوعه، عُطل تقني طارئ حال دون تنفيذ المخطط، مُجنبًا رأس بعلبك مسلسلاً دمويًا جديدًا أشبه بمجزرة القاع، كان ربما يُعد لها.

سيدة رأس بعلبك، أنقذت ليل أمس الأربعاء، كما يتردد على ألسنة البقاعيين، أبنائها من ثلاثة انفجارات، الأول ووفقًا لمعلومات "ليبانون ديبايت" عبارة عن قنبلة يدوية موضوعة في الجهة اليمنى لمستوعب للنفايات داخل حي مار اليان في رأس بعلبك، تبعه دوي ثانٍ في المكان عينه بعد دقيقتين، أما الثالث لم ينفجر رغم المحاولات المُتتالية لذلك، والحديث هنا ليس عن مُجرد قُنبلة صغيرة، بل عن عبوة ناسفة تزن ما بين الـ2.5 و 3 كلغ، موصولة بجهاز تشغيل يعمل عبر الهاتف الخليوي، وفقًا لما حددهُ الخبير العسكري.

صوت انفجار القنبلتين، دفع بالمواطنين الى التجمهر والتجمع في المكان لمعرفة ما جرى، ما وضع حياتهم على كف عفريت لولا الضوء الأحمر الذي ساعد في اكتشاف العبوة الناسفة الموضوعة على مقربة من المكان داخل كيس بلاستيكي أسود، حسبما تؤكد معلومات "ليبانون ديبايت".

الضوء الأحمر كان كفيلًا بكشف المُخطط، إذ تتحدث المعلومات، عن تلقي الجهاز الموصول على العبوة موجات عدة واتصالات مُتكررة بُغية تشغيل الصاعق الموصول بالجهاز الخليوي ووقوع الانفجار، لكن عطلاً ما منع حدوث ذلك وأفشل المُخطط التي كانت إحدى الجهات بصدد تنفيذه.

أحد المطلعين على تفاصيل ما جرى، يروي للموقع ما حصل بصفتِه شاهد عيان، ويؤكد الرواية المذكورة أعلاه بحذافيرها. ويكشف عن حادثة مُشابهة حصلت منذ حوالي الأسبوعين في المنطقة، إذ أقدم أحدهم على رمي قنبلة بمستوعب للنفايات يبعد عن الحالي حوالي الـ700 متر.

ومع شحّ المعطيات المُستقاة من مصادر التحقيق والأجهزة الأمنية والقضائية، التي لا تزال في بداية تحقيقاتها بغية الوصول إلى خيوط تكشف صحة التحضير لعمل إرهابي من عدمه، وتقود إلى كشف هوية من يقف وراء البلبلة التي جرت ومحاولات الترهيب والتخويف، تنطلق مصادر معنية من فرضيات متعددة وتستند في رؤيتها على وقائع وأحداث ملموسة، مردها المعلومات المتقاطعة التي بحوزتها، وإذ تكشف، وفقًا لقراءة ذاتية ودقيقة، أن الهدف من الدقائق المعدودة بين الدوي الأول والثاني كان حشد أكبر عدد ممكن من الناس، ثم تفجير العبوة الناسفة لحصد ارواحهم.

وتستذكر في حديثها سلسلة الإنفجارات التي هزّت "القاع" سابقًا وطريقة تنفيذها، معتبرةً أن مُسلسلاً دمويًا أشبه بمُسلسل القاع، كاد أن يتربص بأبناء رأس بعلبك ويوقع خسائر بشرية في البقاع بغنى عنها.

في مُقابل ذلك، تبرز معطيات ومعلومات خطيرة تتحدث عن مُسلسل تخريبي داخلي كاد يودي بحياة الجميع، وإذ تشير إلى أن الأمور كانت لا تتعدى في بادئ الأمر التخويف والترهيب، أما الآن فباتت لغة القتل والتفجير سيدة الساحة.

هذه المعطيات، يؤكدها رئيس بلدية رأس بعلبك العميد المُتقاعد دريد رحال، والذي يكشف عن عملية مزدوجة ضد البلدية والأجهزة الأمنية، تم التخطيط لها مُرجحًا أن يقف وراءها الأخصام أو الأطراف المُتضررة من أداء البلدية.

وهنا، يتحدث العميد عن مُسلسل يشترك فيه عناصر داخليين يهدف الى التخريب على البلدية وتشويه سمعتها وصرف النظر عن المهمات والانجازات التي يقوم بها الجيش في الجرود والجوار.

ويلفت الى سلسلة احداث مُتكررة تجري منذ مدة في البلدة، منها "رمانة" رُميت سابقًا في مستوعب للنفايات، تبعها بعد ايام عملية سرقة لمزرعة احد ابناء البلدة لتتطور الامور وتصل الى حد عبوات ناسفة، معتبرًا ان ما جرى ما هو الا عمل جبان، فالرجال تواجه لا تضع عبوة وتفر، اما ابناء رأس بعلبك، فلا شيء يهزهم، حتى القنابل ان كانت فوسفورية او عنقودية، "ما حدا بحرك أهل رأس بعلبك".

ويغمز في حديثه الى تقصير فاضح من ضابط بارز في أحد الأجهزة الأمنية والذي يفترض، كون المنطقة عسكرية، ان يكون فاعل اكثر بالتقصي وجمع المعلومات بغية كشف الحدث قبل وقوعه، طالبًا من الدولة التعاطي بجدية اكثر مع الاحداث الحاصلة.

الى ذلك، تدور في الاوساط البقاعية أحاديث عن أمنٍ ذاتي بدأ كُثر يُطالبون بوجوده، وسط رفض من المعنيين والفعاليات لذلك، مؤكدين أنهم تحت كنف الدولة وحمايتها.

إذاً، وفي ضوء هامش الفرضيات الذي بدأ يضيق مع اتضاح الصورة شيئاً فشيئاً، بات الإعتقاد بأن كمينًا محكماً كان بانتظار المواطنين فور تجمعهم في المكان شبه مؤكد. ولا يسعنا الا انتظار اكتمال خيوط التحقيقات لكشف المستهدف الحقيقي من مُخطط كهذا.