ظهرت الايام، وستبرهن المرحلة المقبلة، أن ما قبل "اعلان النيات" بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، ليس كما بعده، في سياق ترسيخ الوحدة المسيحية على طريق تحقيق الشراكة الوطنية الفعلية.
منذ الثاني من حزيران 2015، بات من الصعب استفراد المسيحيين في المعادلة الداخلية. واصبح اللعب على تناقضاتهم واخذهم بالمفرق، لافشال مطالبتهم باستعادة الوجود الفاعل على طاولة الحكم، من غير السهل. فالحزبان الرئيسيان في الساحتين المسيحية واللبنانية تحولا من الخصومة الى التلاقي، والكتلتان المسيحيتان الأكبر في البرلمان، انتقلتا من التباعد الى التنسيق، ما ينتج عن ذلك ويستتبعه من تداعيات على المشهدين السياسي والمؤسساتي.
قبل أيام من نهاية السنة، وبعد ستة اشهر على "حدث العام"، لا يزال إبراهيم كنعان وملحم الرياشي يتجنبان الدخول في الكثير من تفاصيل اللقاءات الليلية التي قادت الى "اعلان النيات". اكثر من أي وقت مضى، يفضّل الرجلان العمل قدر الإمكان في الكواليس، على الرغم من أنهما تحت أضواء المسرح السياسي اللبناني منذ ما قبل الثاني من حزيران 2015، مروراً به، واستكمالاً الى يومنا هذا، وسط ترقب ما يمكن ان تحمله الأيام المقبلة على صعيد العلاقة التي تبنى على خط الرابية-معراب، والحديث عن الملف الرئاسي وما قد تفرضه من خلط للأوراق الخطوات المنتظرة بين العماد والحكيم.
قبل اشهر، تطورت ارادة التلاقي التي تجسدت لدى العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، لطي صفحة الماضي الأليم، وفتح الباب على المستقبل الأفضل، فتحوّلت الى مدّ لجسور التواصل، ما تطلب جهداً واجتماعات ولقاءات عدة بين امين سر تكتل التغيير والاصلاح ورئيس جهاز التواصل والاعلام في القوات اللبنانية للوصول الى الورقة المشتركة، والتي ارادها واضعوها منذ اللحظة الأولى، وثيقة لتحيا وتثمر وتستمر، ولا تكون مجرد حبر على ورق.
شكّل الإعلان مفاجأة كبرى. كثيرون شككوا بإمكان حصوله. وبعد اتمامه، كثيرون كذلك شككوا باحتمال استمراره. ولكن الأيام والاسابيع والاشهر مضت لتثبت ان ما اعتقده المراقبون مجرد شكليات، خيط بحذر وتأن ليدوم لاشهر، لسنة، لسنوات وأكثر.
في اشهره الأولى، خضع اعلان النيات لمعمودية سياسية، كانت ابرز محطاتها الجلسة التشريعية التي انعقدت في الثاني عشر والثالث عشر من تشرين الثاني 2015. حيث ادت الممانعة المسيحية لجلسة كيفما كان، والكباش المسيحي لتكريس الميثاقية، في الاستجابة للمطالب المسيحية بعودة الورشة التشريعية الى قانون الانتخاب، وباقرار قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من اصل لبناني. فيما العيون شاخصة على ما يمكن ان يقدّمه على صعيد الملف الأبرز، الانتخابات الرئاسية.
كنعان: لا تكونوا كتوما بل شاركوا في قيامة لبنان
ويشرح كنعان أن الإعلان "شكّل تحوّلاً مصيرياً في العلاقة المسيحية-المسيحية، بعد شبه الطلاق الذي كان حاصلاً منذ اتفاق الطائف، والتنافس من دون آفاق منذ العام 1943. من هنا، فمفاعيل الإعلان لا تنتهي لا بل ستستمر. فالاعلان بدأ كحاجة وتحوّل الى قناعة مشتركة للوصول الى فعالية في القرار السياسي وهو ما لا يتحقق الا بوحدة الموقف في القضايا المصيرية".
اما الرياشي فيقول " إن اعلان النيات بدأ كورقة فتحوّل وثيقة، واهم ما فيه انه عكس على الأرض رغبة مجتمع كامل بالوحدة، وبالحق في الاختلاف، وإرادة كل الشهداء الذين سقطوا يوماً من اجل هذا المجتمع ان يعود قوياً".
هناك من شكك اذاً قبل الإعلان، ومن يستمر بذلك حتى اليوم، من دون ان يقدّم البدائل الفعلية. من هنا، يقول كنعان للمشككين " لا تنتظروا على غرار توما ان تعاينوا الجراح، بل شاركوا في صناعة فعل القيامة، والوقت لا يزال متاحاً، لاسيما أن هذه القيامة هي قيامة المجتمع ككل، وليست مشروعاً انتخابياً او بمثابة الاحتكار السياسي، بل رغبة مشتركة تفتح يديها للجميع لتصحيح الخلل ضمن العائلة الوطنية".
اما بالنسبة الى الرياشي، فتطبيق الإعلان يسير في شكل طبيعي بعد 30 عاماً من التباعد، "والناس الذين شككوا بفشله يعيدون حساباتهم في ضوء اثبات نجاحه، ومن هم ضده، تضاءلوا بسرعة كبيرة ومن بينهم من بات له قناعة به، والاحداث تبرهن يوماً بعد يوم أهميته، سواء ما يجري منها على الصعيد الداخلي او ما يحصل على المستويين الإقليمي والدولي، والأيام الماضية منذ السادس من حزيران اكدت ذلك، والأيام المقبلة في العام 2016 ستؤكد ذلك ايضاً، فهو بات ورقة بيضاء لشهدائنا لنقول لهم ان تضحياتهم لن تذهب هدراً".
الرياشي: "اعلان النيات" هو مجتمع يتنفّس
لا شك ان المسار صعب، اعترضته وتعترضه اشواك السياسة وتشعباتها. في سياق تفسيره، يعود كنعان الى صورة ميلاد السيد المسيح ليقول " اذا كانت من رمزية لصورة ميلاد السيد المسيح في مزود في مغارة، فهي صورة الضعف في الإمكانات والقوة في الإرادة وعلى الفعل. فلنثق اذا بأنفسنا اولاً وبقدرتنا على التحقيق ولننزع كل اشكال التشكيك وندخل في مشروع انقاذ المسيحيين واللبنانيين".
متى سيلتقي عون وجعجع؟ سؤال يحمل مفاتيح اسراره كنعان والرياشي، لكنهما يمارسان سياسة "الصمت البناء". وفي ضوء العلاقة والتقارب والعمل المستمر، فاللقاءات يمكن ان تحصل في أي لحظة، وسط معلومات بأنها ستحصل ولن تكون لمجرد الصورة واللقاء، لاسيما ان أهمية "اعلان النيات" بديناميته، فهو سيقدم كل عام شيئاً جديداً، لانه هندس بطريقة تجعل من التطور جوهر وجوده.
بناء عليه، يصف الرياشي الإعلان"بالمجتمع الذي يتنفّس"، بينما يجيب كنعان على سائله عما يعد اللبنانيين والمسيحيين في العام 2016 بثقة بالقول "إنها سنة الرئاسة القوية".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News