مختارات

حسن ابراهيم

حسن ابراهيم

الراي الكويتية
الخميس 07 كانون الثاني 2016 - 07:44 الراي الكويتية
حسن ابراهيم

حسن ابراهيم

الراي الكويتية

الإستقرار اللبناني … نموذجاً

placeholder

حال الهدوء التي ينعم بها لبنان منذ مدة، رغم الأجواء المضطربة في محيطه، تبدو هشة لوهلة. لكنها في الواقع أكثر رسوخا، وترتبط بتوازنات تجعل من الصعب خرقها، أقله في المدى المنظور.رغم مرور أكثر من سنة ونصف السنة على شغور موقع رئاسة الجمهورية ، لا أحد في لبنان يشعر بوطأة هذا الغياب، لناحية الإنعكاس على الحياة اليومية المباشرة للبنانيين، وإن كانت هناك مطالبات واسعة ومتكررة بإنتخاب رئيس وملء هذا الشغور.

ولا أحد في لبنان يشعر بالتعقيدات التي يواجهها عمل الحكومة التي تكتفي منذ نشوئها بتسيير شؤون الناس اليومية، من دون ان تتصدى لقرارات من النوع الذي يثير خلافات، إلا بتمديد ما هو قائم، وعند الضرورة.هذا الغياب لـ"الدولة"، ليس جديدا على اللبنانيين، الذين يدبّرون الكثير من شؤونهم بأنفسهم، كالكهرباء والماء وإلى حد أقل الصحة والتعليم، لكنه في الحالة الراهنة قد يكون مفيدا على قاعدة "رب ضارة نافعة"، لأنه يعني تحييد عنصر الخلافات بين الأطراف اللبنانية ومنعه من تخريب التوافق الدولي على المحافظة على استقرار لبنان، ويعني أيضا فسادا أقل، نظرا لتجميد القرارات الكبرى، وبالتالي المشاريع التي يمكن أن ينفذ منها هذا الفساد.

لا يوجد قرار دولي معلن بتثبيت إستقرار لبنان ، ولا اتفاق موقّع بين القوى العالمية أو الإقليمية النافذة والمعنية يمنع المس به. لكن الأمور كانت دائما تسير هكذا. فمثلما كانت كلمة "مؤامرة" تستخدم لتفسير ما كان يحدث خلال الحرب اللبنانية الطويلة، من دون إمكانية القطع بتحديد من يقف خلف هذه "المؤامرة"، الآن يستخدم تعبير توافق دولي على حفظ الاستقرار، أيضا من دون امكانية تعيين من يشمل هذا التوافق.لكن الأكيد أن هذا التوافق ينطلق أولا من أن أي انزلاق للبنان إلى الفوضى، لن يبقي ولن يذر في هذه المنطقة. فلنتخيل كيف سيتفاعل انزلاق لبنان إلى مثل هذه الفوضى مع الأحداث السورية. أو لنتخيل كيف سيتأثر الوضع مع إسرائيل بمثل هذا الإنزلاق.

من الدلائل على رسوخ الإستقرار اللبناني صموده النسبي طيلة خمس سنوات أمام الأحداث في سوريا ، رغم الترابط الكبير بين البلدين. بل تحقيق تقدم كبير في الفصل بين ما يحدث في سوريا وما يحدث في لبنان. وأيضا ثبات الأوضاع بنسبة أعلى في الصراع بين "حزب الله" وإسرائيل ، رغم العمليات المتبادلة المتكررة على مدى السنوات، وآخرها إغتيال القيادي في الحزب سمير القنطار ومن ثم الهجوم الذي نفذه الحزب ردا عليه. وكذلك استمرار هذا التماسك رغم التوتر الكبير في العلاقات بين السعودية وإيران ، وهما أكثر دولتين تأثيرا في البلاد حاليا.

لا بل كان الوضع في لبنان من المتانة بحيث كان قابلا لطرح مبادرات كبرى من نوع ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة ، رغم كونه قريبا من الرئيس السوري بشار الأسد ، بصرف النظر عما اذا كان مثل هذا المبادرة يمكن أن يمرّ من بين شباك الخلافات اللبنانية.الأكثر أهمية في الموضوع أن التوتر المذهبي السني – الشيعي الذي بلغ أوجه مع الأحداث التي تشهدها دول عربية عديدة، ولا سيما سوريا والعراق ، لا يجد صدى كبيرا في لبنان في الوقت الراهن، رغم استمرار اللهجة الحادة على المستوى السياسي.

وفي هذا قد يكون لتوازن القوى الدقيق بين الأطراف اللبنانية دور. فاللبنانيون الذين جربوا الطائفية خلال الحرب الأهلية المكلفة بين 1975 و1990، ليكتشفوا في اليوم التالي لإنتهاء الحرب انها كانت وهما، لا يبدو، لحسن الحظ، انهم بحاجة لحرب جديدة ليكتشفوا ان المذهبية، هذه المرة، هي وهم أكبر.

يمكن للإستقرار اللبناني أن يكون مؤشرا على ان المراد عالميا حاليا لهذه المنطقة هو البدء في حصر وإحتواء الأحداث فيها، وهو ما قد تشير إليه أيضا العملية السياسية التي توشك على الانطلاق في سوريا، وإن بموازاة استمرار نزيف الدماء.ويمكن أن تكون هذه السنة الجديدة التي إحتفل بها اللبنانيون في أجواء هادئة، سنة تسويات في المحيط، تستلهم النموذج اللبناني في التعايش، وليس بالضرورة في الحكم.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة