مختارات

السبت 09 كانون الثاني 2016 - 11:23 نور نيوز

الإستعمار الرقمي

placeholder

في العالم الحديث إشكاليّة تطرح على الوجه التالي: المراقبة التي تمارسها أجهزة الإستخبارات الأميركيّة السريّة على المعطيات يمسّ بجوهر إحترام الحياة الشخصيّة للفرد وللمجموعات. السؤال يطرح نفسه لماذا قامت قيامة الصناعيين الأوروبيين بوجه سلطاتهم والشركات الأميركية لتحويل مسار الرأسماليّة الرقمية؟
سنة 2013 هي السنة التي تغيّرت فيها اللهجة بين الغرب الأوروبي والولايات المتحدة لماذا؟ انترنت كانت تعتبر غابة كثيفة يلعب فيها كبار مخترعي الكومبيوتر بحرية تامة في البرامج المباعة للشركات الأوروبية وللأفراد من كافة أقطاع العالم إلى أن ظهرت فجأة فضيحة " إدوارد سنودون" والألاعيب تمارسها شركات وادي السيليكون في الولايات المتحدة على هذه الشركات الشارية خصوصاً وأن هدف البائع تقويض قدرات الطاقة البشرية الأوروبية بنوع خاص تحت شعار العولمة أو الديمقراطية الحديثة في المعلومات والأنظمة الجديدة التي تهز أركان الأمبراطوريات الإقتصادية الأوروبية المنافسة.

من هنا قام الجدل في العالم الحر الغربي حول ما تقوم به كل من غوغل، أمازون، فايسبوك، آبل، أوبر، في العالم الرقمي بأن تقوم ببيع برامجها ثم تتنصَّت على المسؤولين الأوروبيين الكبار السياسيين والأمنيين منهم لحساب منظمة الأمن القومي الأميركي. إعتبرت هذه الفضيحة لسنودن إشارة إلى دور شركات "السيليكون فالي" في بيعها المنتوجات الرقمية كأنها شروط ملزمة مفروضة على الشاري، فهي في الحقيقة تفرض معطيات تجارية، إقتصادية، شخصيّة تمس بالفرد الأوروبي لصالح الناتج القومي الأميركي. ناهيك عن أرقام الربحيّة التي توصلت إليها غوغل، فهي مثلاً وصلت إلى 1.7 مليار أورو سحبتها من سوق فرنسا ولم تدفع سوى خمسة ملايين أورو كضريبة للدولة الفرنسيّة سنة 2014 وربحت أضعاف المبلغ حوالي 7.7 مليار سنة 2013. فايسبوك بدورها ربحت حوالي 200 مليون أورو بين سنتي 2013 و 2014. إلى جانب هذه الوقائع الإقتصادية التي تدل على قرصنة الولايات المتحدة للسوق الأوروبي، إنقسم الرأي العام الأوروبي إلى فئتين: الرأسماليون الكلاسيكيون الذين يريدون الحفاظ على الأنظمة الكلاسيكيّة الذاتيّة داخل دائرة أوروبا وخصوصياتها – والرأسماليون الرقميون الذين يريدون أن يفتحوا أبوابهم ويشرعوها أمام كل التيارات الرقميّة الحديثة الإتنية من "سيليكون فالي" وغيرها من المصادر الإلكترونية الحديثة.

من هذا السحب المالي الضخم من إقتصاديات أوروبا، وهذا الضياع الفكري الممنهج لصالح الولايات المتحدة، يمكن أن نستنج الواقع التالي: إن الشركات الرقمية الرائدة لا تريد فقط أن تمارس اللعب وتزوير أرقامها من أرباح من داخل خزائن دول الإقتصاد الأوروبي، إنما تريد أيضاً إخضاع المسؤولين الأوروبيين الكبار إلى نظام ممنهج يشدُّهم لإرادة الشركات الأميركيّة البائعة، ويصبحوا بعدها إلى سائقين للإرادة وللماكينة الرقمية الكاليفورنيّة وبالتالي في جارور الإقتصاد الأميركي. بالرغم من إنقسام الرأي في الغرب الوسطي، ينتبه الأوروبيون إلى الستراتيجية الرقمية المفروضة، ويتعالى صراخ "مجلة باري ماتشن" ، والألماني "أكسل" و"لاغاردير" في مواقعهم على هذه السياسة المتبعة من "سيليكون فالي" ومن "غوغل" الغير تنافسية والمغلوطة. لكن هذا الصراخ لم يجدي نفعاً فلا تزال سيطرة غوغل هي النافذة في كل أقطاع العالم – مثلاً في ألمانيا ذاتها، عندما تريد أن تنتقل بين مدينة وأخرى، فإن خريطة غوغل وحدها هي التي تدل السائح، حتى المواطن الإلماني إلى سبيله للوصول إلى أي مكان يريده بالدقة الرقمية عن المسافة وطولها وتفاصيلها الجغرافية والسياحية.

مثل آخر عندما تريد أن تسأل عن معرفة موسيقية عالمية ومكانتها في السوق التجاري الموسيقي وما هي الأرباح التي جنتها من اسطوانتها، فما عليك أن تفتح صفحة "يوتيوب" وهي فرع من فروع "غوغل" لتعرف النتائج الرقمية عن هذه الفرقة من كل ثانية من تاريخ يوم السؤال.

يوجد لغوغل أيضاً مواقع لشركات التأمين لحوادث السير والمستشفيات، للأوتوموبيل "كار" ومواقع تهتم بالصحة والسكن (نست)، وللتسويق "شوبينغ" حيزاً كبيراً في الشبكة العالميّة لغوغل، إذ توجه هذه الشبكة كل المستهلكين إلى عناوين محلات عالميّة تشترك مع غوغل بهدف التوصل إلى بيع أكبر عدد من البضائع لقاء مبالغ تدفع للدعاية والنشر للإقتصاد الأميركي من خلال الشركة المذكورة.

أمام هذا الإستعمار الأميركي الرقمي السعيد، ماذا يمكن أن تفعل الشركات الأوروبية؟
بحركات خجولة سعت كل من شركات مرسيدس – بنز وأودي و ب م دابل يو إلى إيجاد لوحة إعلانيّة منافسة داخل سياراتهم تضرب خريطة "غوغل" بالتعاون مع شركة "نوكيا" فهل يتوصل وارد السيارات مرسيدس مع شركائه إلى النتيجة المرجوة؟

وزير الإقتصاد الإلماني يقول أن وراء سؤال شركة المرسيدس معركة حامية بين أوروبا والولايات المتحدة حول الديمقراطيّة الرقمية، يوجد اليوم أكثر من 500 مليون شخص بأوروبا يحاولون دك يد غوغل في سبيل نزعها وإخفائها من أمام المنافسين وإيقافها على حدودها في سيطرتها واستعمارها للأسواق الإقتصادية العالميّة خصوصاً الأوروبية منها.
أتقنت غوغل هذا الواقع الأوروبي، وبدأت بتأليف "لوبي" أوروبي يساندها في سياساتها الغربية، فقامت في الأشهر الأولى من سنة 2015 بعقد حوالي 29 لقاء مع مسؤولين ورجال أعمال لبسط نفوذها الإداري والمعلوماتي، وخصصت مبلغاً وقدره 3.5 مليون أورو لسياساتها الجديدة.
كما أن نقطة الزيت التي سكبتها على بساط دولة بلجيكا هل تنتشر في كافة أوروبا؟

الا تدرك أن حرب المعلوماتيّة والرقمية قد انتشرت في كافة الجغرافيا العالمية وان حرارتها ضربت كل المجتمعات بما فيها الشرق – الأوسطية.
وحذار من هذه الواقعة في تكوين أجيالنا لأن الكومبيوتر هو الوسيلة المستقبلية الناجحة كي تسيطر سياسة الولايات المتحدة بأحاديتها على قيمنا وثقافاتنا.
تمَّ مناقشة هذا الموضوع بين كاتبه ونزلاء جمعيَّة نُسروتو – عليّة إبن الإنسان لتأهيل المدمنات والمدمنين على المخدِّرات.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة