لبنان بلد التسويات. نتيجة لا يختلف عليها اثنان في بلاد الأرز، حيث يُتنازع على كل شيء. لكن، هل يُعقل أن يفاوَض على دماء شهداء الجيش الذين سقطوا في أحداث عبرا؟ هل يُحضَّر لأن يكون أحمد الأسير «كبش الفداء» الوحيد مع بضعة سوريين وفلسطينيين، فيما يُرفع العقاب عن بعض أبناء العوائل الصيداوية المتنفّذة بـ«سحر» النائبة بهية الحريري ويُسوّى ملف الفنّان التائب فضل شاكر لغايات في نفسِ الناشطين على خط إنجاز تسويته، من دون الأخذ بالاعتبار أنّ الأخير لا يقل عداءً للمؤسسة العسكرية عن الأسير؟
ظهر هذا العداء في ما تلفّظ به شاكر نفسه، وفي إفادات الموقوفين من «أتباعه» أمام المحكمة العسكرية أو حتى بناءً على معطيات التقارير الأمنية المحفوظة لدى وزارة الدفاع والتي تُفيد بأنّ مجموعات فضل شاكر تُكنّ عداءً للجيش أكثر مما تكنّه تلك التابعة للأسير، باعتبار أن معظم «مريدي فضل» سبق أن أوقفوا في قضايا تمسّ بالجيش؟
لا تتوقف التساؤلات عند هذا الحد، إذ إنّ الهواجس تشتدّ عند استقراء مسار المحاكمات في هذا الملف. بعد توقيف الأسير، كان رئيس المحكمة العسكرية العميد خليل ابراهيم حاسماً لجهة استحالة تفريع الملفات. فلماذا رضي أخيراً؟ هل جاء ذلك نتيجة ضغط المحامين، أم نزولاً عند تمنيات سياسية، أم أنّه نتيجة تكوّن اقتناع لدى هيئة المحكمة بأن حُسن سير العدالة يقتضي فصل الملفات؟ ولا سيما أن النائبة بهية الحريري كانت قد وعدت أهالي الموقوفين بأحداث عبرا بأنّها ستُخرج أبناءهم من السجن، قبل أن تتعقّد الأمور بعد توقيف الأسير. وقدرات «الست بهية» لا تخفى على أحد. وخير مثال على ذلك، وساطتها في ما يتعلّق بأكثر من اسم ورد في هذه القضية. ومن ينسى قضية مدير المشتريات في قصر «الست» محمد علي الشريف الذي آوى الأسير في منزله لأيام، لكن القضاء ارتأى الاستماع إلى إفادته وتركه، ناسفاً بذلك أي اعتبار لأسس العدالة؟ كان الأجدر بالقضاء يومها ترك جميع الموقوفين إن كانت العدالة هي الدافع، أو على الأقل رفض التمييز بين مدعومين وآخرين مغرر بهم. يضاف إليها قصة المتّهم البارز في ملف أحداث عبرا راشد شعبان، الذي أُخلي سبيله ليُغادر إلى السعودية، رغم أنّه ممنوع من السفر. وشعبان هذا، بحسب إفادة أحد الموقوفين المدعو حسن معنية، كان قائد مجموعة عسكرية.
وذُكر في موضع آخر أنّه «عضو في مجلس الشورى» الذي أنشأه الأسير لجماعته. ورغم ذلك، وُضع في المجموعة الرابعة في تقسيمات موقوفي عبرا، وهي ذات تصنيف بأنّها الأقل خطورة. وتكشف المعلومات أنّ النائبة الحريري تولّت أمر شعبان. فقد خرج الرجل عبر مطار بيروت إلى السعودية بعد إخلاء سبيله. ثم عاد لاحقاً بعد اقتراب الملف من خواتيمه. غير أن توقيف الأسير، لسوء حظه، خلط الأوراق، فسافر شعبان مجدداً إلى إحدى دول الخليج.
في هذا السياق، دقّ المحامي زياد بيطار جرس الإنذار من «صفقة تطبخها أيادٍ سوداء». وكيل أهالي شهداء الجيش في أحداث عبرا تخوّف من المساومة على دماء الشهداء. فقد استوقفته «مسرحية إفادة هيثم حنقير الذي سلّم نفسه منذ ثلاثة أشهر. إذ كيف يُعقل أن يبقى هذا المتهم هارباً طوال هذه المدة، ثم يأتي ليُدلي بإفادة مفصّلة لتبرئة فضل شاكر والقول بأنّه لم يُشارك في المعارك؟». ورأى أن «التسويات تبدأ من مكان وتنتهي في مكان»، وأن «التسوية بدأت بإخفاء الأسماء التي أدلى بها أحمد الأسير لدى الأمن العام، ولا سيما الممولين والمحرّضين، وهؤلاء نعتبرهم متورطين أكثر من الأسير نفسه». ورأى بيطار أن «هؤلاء الذين تُركوا من دون محاسبة هم دواعش الداخل الذين يجب أن نحذر منهم»، مؤكداً «ضرورة التفريق بين السياسيين الملطّخة أيديهم وبين المؤسسة العسكرية والأمن العام الذين لا يُساومون على دماء الجيش، ولا سيما اللواء عباس ابراهيم». ويختم بيطار «لمصلحة من ما يجري؟ نحن نرى أنّ الإجراءات التي تجري لا تُطمئن».
يجزم عارفو رئيس المحكمة العسكرية العميد خليل ابراهيم باستحالة مساومته في قضية كهذه تتعلق بالجيش بسبب انحيازه للمؤسسة العسكرية، ولا سيما وسط تأكيد العميد ابراهيم رفضه بتّ أي إخلاء سبيل قبل انتهاء المحاكمة، فضلاً عن أن مصادر عسكرية وقضائية تؤكد أن قرار فصل الملفات أُريد منه ضرب عصفورين بحجر واحد. الأول تنفيس ضغط إعادة المحاكمات التي اقتضاها توقيف الأسير. والثاني ربط المتّهمين الأساسيين بالفئة الأولى التي تضم الأسير، رغم إعلان رئيس المحكمة أن تقسيم الملف كان عشوائياً، إلا أن المرور على بعض أسماء الفئة الأولى يشي بالعكس.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News