المحلية

الثلاثاء 02 شباط 2016 - 07:02 السفير

لماذا تم تسريع خيار الترحيل؟

لماذا تم تسريع خيار الترحيل؟

بعد أن تم تحديد وجهة نقل النفايات، وتم الإعلان أن الشركة المتعهدة ستنقل النفايات الى محارق في روسيا، وان السفير الروسي أكد صحة المستندات التي قدمتها الشركة وبينها كتاب وزارة الخارجية الروسية، بقيت هناك أسئلة كثيرة منها ما هو طارئ ومنها ذات مفعول رجعي. الأسئلة الطارئة تتعلق بكيفية الترحيل، بالإضافة الى الشكوك حول وجود محارق متقدمة في روسيا وتراعي البيئة، وقد كشفت مصادر مجلس الإنماء والإعمار أن الأخير طلب مستنداً إضافياً من الشركة وهو موافقة وزارة البيئة الروسية.

أما الأسئلة ذات المفعول الرجعي فتعيدنا إلى السؤال - اللغز: لماذا لم يتمّ تحسين خطة شهيب الطارئة وتحصينها بدلاً من اللجوء سريعاً الى خيار الترحيل الجنوني والذي تتحمّل مسؤولية مفاعيله طاولة الحوار أيضاً؟

لماذا لم يتم تطعيم خطة الطوارئ ببعض الإجراءات الاستراتيجية السريعة مثل تطبيق مبدأ التخفيف عبر وضع بعض الضرائب على بعض السلع والأغلفة التي تتحوّل الى نفايات خطرة او مكلفة في معالجتها وتشجيع البلديات على اعتماد مبدأ الفرز من المصدر وإعادة تشغيل معامل الفرز وتوسيع معامل التخمير والاستفادة من إعادة فتح مطمر الناعمة لكمية قليلة من النفايات بالإضافة الى استخدام 10% من مساحة مكب برج حمود البالغة 140 ألف متر مربع لحين البدء بمشروع تأهيله؟ وتمويل هذه الخطة بمبلغ لا يصل الى 25% من كلفة الترحيل لمدة 18 شهراً؟! ويساهم في إنقاذ الطبيعة اللبنانية ومعالجة جبل برج حمود في آن؟

فهل يمكن لمجلس الوزراء (الذي ينعقد اليوم) أن يعيد النظر بسياسات الترحيل والعودة الى الحلول الوطنية المتوفرة، أم سيتم دفع ضريبة عالية على سوء إدارته لهذا الملف مرتين، مرة عندما لم ينجح في إنتاج استراتيجية بديلة قبل موعد إقفال مطمر الناعمة وإصدار قرار ومناقصات ودفاتر شروط غير سليمة وضرب صحة الناس من جراء بقاء النفايات في الطرقات وإحراقها... ومرة ثانية من خلال دفع ضريبة عالية جداً على ترحيلها من دون إيجاد حلول لا طارئة ولا مستدامة!؟ وإذ لم يذكر أحد بعد من أين سيتم تمويل عملية الترحيل التي قد تقارب كلفتها الـ300 مليون دولار لـ18 شهراً، مع العلم ان قرار مجلس الوزراء الصادر في 21/12/2015 ، يحمل الصندوق البلدي المستقل نفقات النظافة والجمع والمعالجة، علىأان لا تزيد عن 60% من عــائدات كل بلدية من الصندوق، يتخوّف البعض من ان تكون الضريبة على البنزين هي المصدر!؟

يشمل عقد الترحيل، بشكل أو بآخر، ترحيل ما يقارب مليون طن ونصف نفايات منزلية تنتج عن بيروت والقسم الأكبر من جبل لبنان في مدة 18 شهراً بكلفة تقارب 300 مليون دولار أميركي تقريباً مع الكنس والجمع والتوضيب من دون احتساب كلفة معالجة النفايات المتراكمة لأكثر من 45 يوماً والمقدّرة بـ300 الف طن تقريباً. ألم يكن باستطاعة لبنان أن ينجز الكثير من المشاريع المعالجة المستدامة بكلفة لا تقارن مع هذا المبلغ الضخم لحلّ مؤقت؟

كيف سيتمّ الترحيل؟
في تقديرات المصادر المتابعة ستقوم الشركة المتعهّدة (شينوك) بعملية توضيب النفايات في المعامل وفرز ما يمكن إعادة بيعه؛ وهي التي ستستفيد من بيع هذه المواد ويُضاف إلى أرباحها! والعقد لا يلزمها بمعالجة العصارة التي تكلف ما يقارب المليون دولار من قيمة العقد. وتقدر الجهات المتابعة الوقت الذي تستغرقه البواخر للوصول الى روسيا بما يقارب الأسبوع. وأن مدير عام مرفأ بيروت قد أبلغ مَن يعنيهم الأمر أن عليهم نقل النفايات في مستوعبات (مما يزيد الكلفة) وان قدرة الاستيعاب القصوى للمكان المخصص لتخزين المستوعبات في المرفأ هي ألف مستوعب فقط، مع العلم أن سعة المستوعب الواحد هي 20 طن من النفايات، على أن لا تتعدّى فترة مكوث المستوعبات الناقلة للنفايات في المرفأ العشرة أيام. ولا نعرف ما سيكون الموقف إذا ما حصل تسرّب من هذه المستوعبات وانتشرت الروائح لاسيما في فترة الصيف الحار؟ مع العلم أيضاً أن التقديرات الأولية تتحدّث عن نقل باخرة كل أسبوع، مع توقع أن تزيد صادرات مرفأ بيروت أكثر من 30% مع ضريبة 8$ على الطن!
كما استغربت مصادر بيئية متابعة كيفية الشحن في مستوعبات لناحية تعبئتها وكبسها وضغطها، بما لا يقلّ عن 20 طناً من النفايات الرطبة وكيف ستحصل عملية تفريغ نوع كهذا من النفايات المضغوطة من قلب المستوعبات. وقد علق صديق طريف بالقول: «النفايات نفسها لا تستوعب أنها ستُنقل في مستوعب!».

برج حمود
كان بالإمكان الابتعاد عن الحلول الجنونية بنقل نفايات العاصمة بيروت والقسم الأكبر من جبل لبنان الى الأطراف، واعتماد خطط التخفيف والفرز وتوسيع المعامل في منطقة الكرنتينا وبرج حمود ومعالجة الناعمة وبرج حمود بكلفة لا تتجاوز 25% من كلفة الترحيل!

بعد فشل وزير البيئة في إقناع حزب الطاشناق ونواب المتن في معالجة مكب برج حمود وتحويله حديقة عامة مقابل إنشاء معامل لمعالجة النفايات. طورت لجنة شهيب المشروع وعمّقته لناحية المساحات والكلفة. وكما هو معلوم، كان نواب المتن (بعد رفض حزب الطاشناق) قد رفضوا اقتراحات اللجنة الوزارية المشكلة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 74 بتاريخ 27/3 /2014 والتي كانت تنص على إنشاء معامل لفرز وتسبيخ النفايات في منطقة برج حمود مقابل معالجة المكب الضخم بمبلغ 40 مليون دولار أميركي، تمهيداً لتحديد وجهة استعماله لاحقاً بما فيها حديقة عامة بمساحة إجمالية تبلغ 160,000 متر مربّع («السفير» 16/9/2014).

ولأن الحل الأمثل لمعالجة نفايات الأزمة والمكان الأمثل لحل مشكلة النفايات في بيروت والمتن (التي كانت ترمى وتطمر وتحرق أينما كان) هو في استخدام جبل النفايات الموجود أصلاً والذي يحتاج الى معالجة، عادت لجنة شهيب بناء على نصائح بيئية محايدة بضرورة التركيز على موقعَي الناعمة وبرج حمود واستبعاد الأماكن البعيدة لنقل نفايات العاصمة، إن في عكار أو في البقاع، كما كان رائجاً، ولتطلب المساعدة في دراسة امكانية استخدام موقع جبل برج حمود، مستعينة بدراسات أولية حول هذا الموضوع.

حل للجبل والأزمة معاً
تظهر الدراسات التي تبنّتها اللجنة أن حجم مكب برج حمود الحالي هو أربعة ملايين متر مكعب ويمتد على مساحة 140000 م2 ويبلغ متوسط ارتفاعه عن سطح البحر أكثر من 45 متراً. وقد تمّت دراسة أعماق المياه القريبة من المكب لمعرفة حجم الردم أثناء المعالجة وقد بيّنت هذه الدراسة أن المشروع المقترح مؤخراً سيصل بالردم الى عمق 12 متراً (بالمقارنة مع مشروع «لينور» الذي كان سيردم البحر على عمق يصل الى 8 أمتار). على هذا العمق الذي يتراوح بين 10 و12 متراً سيتم إنشاء سنسول بحري بارتفاع 12 متراً وأربعة أمتار فوق المياه على امتداد 1.7 كيلومتر، استعداداً لردمه بالنفايات بعد فرزها وإنشاء مطمر صحي لطمرها، على أن تتم معالجة غاز الميتان المنبعث عبر حرقه. بالإضافة الى تجميع العصارة في خزانات. تقسم المساحة المردومة بين: 50 ألف متر مربع حديقة عامة، و350000 متر مربع كأرض للدولة أو البلدية و100 ألف متر (مكان المطمر) يتم تحويلها أيضاً كمرفق عام (يمكن الاستفادة منها لإنشاء معامل لمعالجة النفايات ومعمل لمعالجة مياه الصرف الصحي أيضاً). تبلغ كلفة هذا المشروع الإجمالية بحسب الدراسة الأولية 85 مليون دولار، يمكن أن تنخفض الى 50 مليون إذا ما تم إجراء مناقصات لتلزيمها، بحسب تقديرات بعض الذين أشرفوا على تنفيذ إعادة ترتيب مكب - جبل صيدا. واذ تشير الدراسات إلى أن هذا المشروع يمكن أن ينفذ في فترة لا تتعدى 36 شهراً، تؤكد مصادر أخرى أنه كان يمكن البدء بتطبيق هذا المشروع بالتزامن مع استخدام جزء من المكان للمباشرة بمعالجة النفايات الموجودة والمنتجة يومياً في المنطقة، وبذلك يمكن المساهمة بشكل كبير في حل مشكلة الجبل المتراكم والأزمة الأخيرة معاً.

بين الاستهتار والتخاذل
تقول مصادر وزارية إن بلدية برج حمود والقيّمين عليها لم ترفض المشروع هذه المرة بل طلبت درسه، في حين تقول مصادر أخرى إن حزب الطاشناق اشترط أن يصدر مرسوم استملاك الأرض المردومة (350 الف متر مربع) لمصلحة البلدية بشكل مسبق! وإذ تؤكد مصادر المشاركين بالحوار أن ذلك لا يمكن أن يحصل مسبقاً قانوناً وأن الأملاك البحرية هي أملاك عامة، وأن هذا ما حصل في صيدا إذ حصلت عملية الردم ومن ثم بدأت المطالبات بتحويلها أملاكاً بلدية... ولكن في الحصيلة بقي السؤال اللغز: لماذا انقطعت الاتصالات والمفاوضات حول هذا الحل الذي كان يمكن أن يدمج بين الحل الطارئ لجمع النفايات المتراكمة في الشوارع والبدء بفرزها في هذا المكان الضخم والمباشرة بما يطلبه الحلّ الشامل، وتمّ اللجوء بالتالي سريعاً إلى خيار الترحيل؟!

كما طرحت أكثر من علامة استفهام حول دور نواب المتن والقوى السياسية النافذة في هذه المنطقة التي لم تهتمّ كما يجب في معالجة قضية النفايات عامة وملف برج حمود خاصة، وتركتها تتفاقم في الشوارع وفي الوديان؟! فلماذا لم يهتم أحد بهذه الحلول، أو حتى بمناقشتها كما يجب؟ وما مدى علاقة إهمال هذا الملف بمشاريع لجهات سياسية لاستيراد محارق صغيرة يتمّ توزيعها على البلديات، او لمجرد التفكير فقط بالأصوات الانتخابية لمنطقة تعتبر «مضمونة»، حتى ولو مات سكانها من غازات مكب برج حمود أو من ديوكسين حرق النفايات بالقرب من مكب برج حمود منذ ثلاثة أشهر!

الاتحاد الأوروبي
من جهته أعلن الاتحاد الأوروبي أنه موّل مشاريع لمعالجة النفايات الصلبة في لبنان منذ العام 2004، بكلفة بلغت أكثر من 77 مليون يورو لتمويل حلول لإدارة النفايات الصلبة في مختلف أنحاء البلاد، وإنشاء مطامر صحية وتوسيع المطامر الحالية، بالإضافة إلى تقديم التجهيزات على غرار الحاويات والشاحنات ومراكز التعقيم ومساعدة 540 بلدية في تنفيذ سياسات فاعلة لإدارة النفايات الصلبة، حيث ستبلغ قدرة المعالجة الإجمالية 2,395 طناً في اليوم، أي ما يمثل ما يقارب نصف نفايات لبنان المنزلية!
فإما أن الاتحاد الأوروبي يبالغ، أو أن هناك هدراً ما في المشاريع، يفترض إجراء تحقيق ما لمعرفة أوجه الخلل. مع الاشارة الى اننا منذ توقيع أول مشروع ذي صلة مع وزارة التنمية الإدارية (وليس وزارة البيئة!) ايام الوزير كريم بقرادوني، سألنا لماذا وزارة التنمية الادارية وليس البيئة؟ وهل تندرج مشاريع الاتحاد الأوروبي ضمن استراتيجية الدولة اللبنانية لمعالجة النفايات؟ واذ كنا نعرف ان ليس هناك من استراتيجية، طالبنا حينها من الاتحاد الاوروبي المساعدة في وضعها، كي لا تذهب مساعداته هدراً. وقد تبين أن لا قدرة للبلديات على إدارة الكثير من المعامل (وقد بقي الكثير من الحلقات الناقصة للمعالجة بعد هذه المعامل) إذا لم تكن من ضمن استراتيجية عامة تلاحق كيفية توليد النفايات ومعالجتها من بدايتها الى نهايتها، وان اللامركزية لا يمكن أن تنجح إلا في ظل دولة مركزية قوية.

لا مركزية أم محارق؟
في قرار مجلس الوزراء الأخير (تاريخ 21/12/2015) الكثير من التناقض والتسرّع والعشوائية، لاسيما حين يؤكد في البند الثالث على قرار مجلس الوزراء رقم 55 الصادر بتاريخ 1/9/2010 باعتماد تحويل النفايات إلى طاقة، ويكلّف مجلس الإنماء والإعمار إنجاز دفتر الشروط اللازم ورفعه الى مجلس الوزراء خلال مهلة شهرين على الأكثر!
فهذا القرار لم يحدد أين ستقام هذه المعامل وما هو حجمها!؟ وهو يتناقض بالتالي مع تبنيه لخطة شهيب البعيدة المدى التي تعطي للبلديات واتحادات البلديات الخيار في اعتماد الطرق المناسبة لمعالجة النفايات!

إمكانية زيادة الكمية!
تنص الفقرة 3 من المادة التاسعة عشرة من عقد الترحيل أنه «عند إبلاغ الفريق الأول (مجلس الإنماء والإعمار) الفريق الثاني (الشركة) بإنهاء العقد وتوقف مفاعيله، على الفريق الثاني الذي أنهى العقد على مسؤوليته أن يدفع للفريق الاول المتضرر 15% من كامل قيمة العقد مع إمكانية استخدام الكفالة المصرفية. من دون ذكر أو تحديد لقيمة العقد.
كما تنص مادة أخرى على أنه «يمكن للفريقين الاتفاق خطياً على تعديل العقد لجهة زيادة كمية النفايات البلدية الصلبة التي سيتم شحنها عن الكمية المتفق عليها في العقد»، مما يفتح مجالاً لزيادة الكميات كلما تعثرت بلدية او منطقة من لبنان، مما يمهد ليصبح هذا الخيار المكلف «دائماً»!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة