خاص "ليبانون ديبايت" - ستيفاني جرجس:
منذ ما يناهز السنتين، رفع المدير العام لـ"ذراع" المجلس الأعلى للدفاع ( أمن الدولة) كتاباً رسمياً للمعنيين ينص على تعديل مجلس القيادة المؤلف من مدير عام ونائبه وزيادة عدد اعضائه تجنباً لسياسة التفرد والهيمنة على مفاصل القرار ومنعاً لأي حرج يطبع قرارات الجهاز بلونٍ طائفي أو مذهبي معيّن.
يومها، مورست شتى أنواع الضغوطات والتدخلات لمنع البت بهذا القرار وفضل أصحاب الشأن حصر المنافسة بين رجلين، الأول "كاثوليكي" لا يشوب اداءه العسكري والاخلاقي لناحية واجباته كمدير عام أي خطأ بشهادة من حواليه، والثاني "شيعي" خلفه حركة امل واستاذها، يعرقل مجلس القيادة وتثير اعماله الجانبية وعلاقته بـ "آل فتوش" وزياراته العلنية والمتكررة لقصر العدل في زحلة جدلاً واسعاً وتحفظاً لدى البعض على حد قول أحد المتابعين عن كثب للملف.
ونتيجة هذا الحصر دخل الطرفان، اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي في صراع مُستعر على الصلاحيات خلافاً لما ينص عليه النظام الداخلي لجهاز أمن الدولة وبدأت المناكفات الطائفية على الحصة الأمنية الكاثوليكية التي سعى البعض جاهداً لالغائها تظهر خطورتها إلى العلن شيئاً فشيئاً حتى عطل قسرياً وشل عمل مجلس القيادة، اوقف النفقات السرية وتحويل الأموال للجهاز وبقت سيرة المدير ونائبه على كل لسان.
وفي ضوء ما يحصل، تستسلم اذهان الضبّاط والعسكر قبل أيٍّ كان لمجموعة تساؤلات اجوبتها تبقى معلقة في الوقت الراهن كون التدخلات السياسية والازدواجية في التعاطي في هذا الملف سيدة الموقف. فما حقيقة ما يجري اليوم في مديرية أمن الدولة؟ صحيح ان الخلاف طائفي والصراع على الصلاحيات؟ أم ماذا؟ وعلى من يقع اللوم؟ وفيما لم تصل الامور بعد الى خواتمها الايجابية ولا تزال العرقلة الادارية والمالية مستمرة، هل سنشهد قراراً سياسياً يقضي بالغاء المديرية؟ وبالتالي زوال امن الدولة ليُصار الى ضم عناصره الى الاجهزة الامنية الاخرى؟ هل سيدفع جنوده المجهولون ثمن الترهل والتشتت؟ وما الغاية الحقيقية وراء التهميش والفتك بمنظومة لها بصماتها في الكثير من المحطات الامنيّة بعيداً عن الأضواء والبروباغندا الاعلامية الدعائية اسوة بباقي الاجهزة؟
في قراءة دقيقة لما يجري في أروقة "الجندي المجهول" كما يسميه البعض، يمكن تفنيد الوقائع على الشكل الآتي خصيصاً بعدما عمدت بعض الأقلام الصفراء إلى تضليل الرأي العام وقلب الحقائق وفقاً لميولهم ومدى قربهم من الرجلين.
في الظاهر يخوض قرعة اليوم معركة واحدة مع نائبه، ومن وراءه، والذي يحاول التعدي على صلاحيات ليست من حقه أو شأنه والتدخل في قرارات المدير في محاولة للسيطرة على الجهاز والتفرد به، يقول مصدر أمني رفيع المستوى. ويضيف :"لكن بدا أن ما حصل مؤخراً إن من ناحية تضييق الخناق مادياً وادارياً عبر عدم موافقة وزير المالية على تجزئة النفقات وصرفها، ايقاف المخصصات السرية للجهاز وتجميد المعاملات، أو تمنّع رئيس الحكومة عن اعطاء المدير العام الاذن للسفر والمشاركة في المؤتمرات وحجب داتا الاتصالات عن الجهاز ما يعرقل عمله ويعيقه، فتح أمامه أكثر من جبهة: وزير المالية علي حسن خليل، الرئيس نبيه بري والرئيس سلام الذي يجاريه ويتماشى مع مطالبه خشية من زعله". ممارسات توحي بتعزيز فكرة "المثالثة" مجدّداً!
وعلى ما يبدو بحسب المصدر ان المقصود منذ البداية كان تصويب المعركة نحو الوجهة الخاطئة، اي قرعة، لاخضاعه واجباره على الرضوخ للامر الواقع. النائب مقابل اللواء، المحاصصة لا مفر منها، لا أموال بدون توقيع الطفيلي ولا يمرر اي قرار او يوقع دون علم او موافقة الاخير. وهنا تضيع "الطاسة" فاي منهما هو المدير؟
للعودة الى طبيعة الخلاف، يؤكد المصدر ان صلاحيات النائب لا زالت عينها منذ نشأة الجهاز اي منذ نحو 30 عاما، لم يتغير او يعدل شيء منها فالنائب يبدي رأيه في الملفات المطروحة والقضايا الشائكة التي ترفع الى اللواء الذي يملك وحده حق القرار، سائلا ما الذي تغير الآن؟ لما كلّ هذا الضجيج الاعلامي وتصوير الخلاف على انه طائفي وصراع صلاحيات؟ علما ان قرعة يشهد له بوقوفه على مسافة واحدة من الجميع دون التمييز بين ضابط مسيحي او مسلم. مع الاشارة الى أنه لو كان دور نائب المدير أكثر من ذلك كما يصورونه فلماذا إذاً لا يعيَّن أحد مكانه في حال غيابه كما يحصل في حال غياب المدير العام؟
ودعا المصدر الى وقف الحملات التحريضية الممنهجة على اللواء قرعة لان الضرر لا يلحق به بل يصيب المديرية وعديدها خصوصا ان قرعة سيحال الى التقاعد في العام 2017 بالمقابل سيسبقه الى ذلك الطفيلي في حزيران الجاري. وهنا يجدر التنبّه الى أن الخلاف ليس بين رجلين كما يتمّ الايحاء به، بل الخلاف حول مصير أمن الدولة، وهذا ما ألمح اليه رئيس الحكومة في مقابلته التلفزيونية الأخيرة عندما قال أن هناك مطالبات بإلغاء أمن الدولة في إطار حل المشكلة القائمة.
اشهر معدودة تفصل الجهاز عن موعد تقاعد نائبه، فيما تدور احاديث عن مساع وجهود تبذل للتمديد له، فكما بات معلوماً للجميع، وكما يروّج الطفيلي نفسه، فإنه لن يترك الساحة خالية لمديره ولو كان على حساب الجهاز واستمراريته. واذا كان الرهان على الرئيس بري لانهاء أزمة امن الدولة، يبقى الوقت وحده كفيل لتحديد مصير الجهاز، فإما الزوال أو الانتعاش والنهوض مجدداً.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News