بعد أوّل «شفطة»، دخل في «الحالة». أرخى بثقله على الكرسيّ، وابتسم ابتسامةً خفيفةً لمن حوله. لم يعُد يكترث لأيّ جوٍّ سلبيّ يحيط به. أقصى اهتمامه الاستمتاع باللّحظة، أو «عاللّبناني»، عيشها. بعد مرور عشرين ثانية انقشع الغبار. لكنّه لم يُرِد له ذلك. أنزل «المدواخ» من فمه، قلبه رأساً على عقب، وطرق طُرق خفيفة على ظهره. بسرعةٍ لافتة، حضر «جرعةً» جديدةً من «الدّوخة». ملأ مدواخه منها، رفعه إلى فمه. وبولّاعته الّتي لا تُفارق يدَه اليُمنى، أشعل التّبغ، وشفط، وكرّر، ودخل مجدّداً في «الحالة».
على هذا المنوال، أمضى سامي (اسم مستعار)، نصف ساعة: «شفطات» سريعة، دوخات أسرع، نشواتٍ متقطّعة وقصيرة. منذ أربعة أشهر تعرّف صديقه على المدواخ من زملاء له في المدرسة. أخبروه عن تلك الدّوخة السّريعة الّتي يُحدثها، و «الرّاس» الجميل الّذي يقوم به. تحمّس لتجربة ما هو جديد. لم يكترث لسنواته الـ16. واسى نفسه بأنّ الأمر لن يختلف عن السّجائر الّتي اعتاد تدخينها. «دوخة صغيرة ما رح تأثّر»، قال سامي. وبالفعل، حمل الشّابّ عشرين ألف ليرةٍ، وتوجّه إلى «عمّو أبو دخان» في الحمرا. بمبلغ الخمسة عشر ألف ليرة اشترى المدواخ، وبالخمسة آلاف المتبقّية اشترى الدّوخة.
بالنسبة إليه، أصبح الأمر عادةً شبه يوميّة. يُنهي الشّاب دوامه المدرسيّ. يجتمع مع رفاقه. بعضهم يتوجّه نحو مقهًى قريبٍ من البائع، والبعض الآخر يهرع إلى البسطة الصّغيرة. يُزوّد نفسه بالبضاعة المناسبة، من دخانٍ أو دوخة، ليلحق بركب الآخرين.. وتبدأ «قعدة» ما بعد الدّوام.
ما هو المدواخ والدّوخة؟
الدّوخة ليست سوى نوعٍ من أنواع التّبغ اختلفت الرّوايات حول مصدره. وعلى الرّغم من الاختلاف، ترجّح أغلب الرّوايات نظريّة ولادته في عُمان قبل انتشاره في الإمارات العربية المتحدة. وبعضهم ذهب إلى الحديث عن دخوله إلى الشّرق خلال الحقبة العثمانيّة. يوضع التّبغ في علبةٍ تُطلق عليها تسمية «المضرب». أمّا المدواخ فهو الأداة الّتي يوضع فيها التّبغ، والّتي تُستخدم لحرقه. والمدواخ يُشبه الغليون لكنّه أصغر حجماً. و»لتخفيف» ضرر الدّخان وتصفيته، تأتي مع العلبتين مجموعة من الفلاتر.
اسم الدّوخة نابعٌ من الحالة الّتي يُحدثها لدى مدخّنيه. بسبب إدخال كمّيّات كبيرةٍ من الدّخان والنّيكوتين دفعةً واحدة إلى الدم، يشعر المدخّن بـ «فتلة رأس» سرعان ما تزول. بناءً عليه، لا يختلف ضرر «التّبغ الخليجي» عن ضرر باقي أنواع التّبغ.
لا يدخل المدواخ ضمن فئة المخدّرات. هو ليس ممنوعاً. هو مجرّد نوعٍ من أنواع التّبغ. أضراره ناجمةٌ عن «كثافة جرعاته». بمعنىً آخر، «الشّفطة» الواحدة تُعادل تدخين نصف سيجارة. وما إذا أراد الشّخص تكرار «الشّفطات»، أو «تطويل القعدة»، سيُعادل ذلك تدخينه حوالي علبة سجائر خلال نصف ساعة. هنا تكمن الخطورة.
لعالم المدواخ شركاتٌ عديدةٌ تهتمّ به وبتسويقه. على الرّغم من أنّه ليس حديث العهد على الإطلاق في البلدان الخليجيّة، إلّا أنّ عالم التّسويق يسعى دوماً إلى تحديثه وتلميعه لجعله ملائماً أكثرَ لعالم الشّباب. المهمّة الأزليّة لشركات التّسويق والاستهلاك. شركة «سكوربيون» إحدى أكبر تلك الشّركات. لها عشرات المراكز: في الإمارات، في السّعوديّة، في الكويت، في البحرين، وأيضاً في أميركا. للمدواخ عددٌ كبيرٌ من الشّركات الّذي تهتمّ به كذلك منها «دوخة يوسف رضا»، وغيرها.
زبائن الـ (18)
ليس المدواخ صديق سامي وحده. العدوى مُنتشرة «عالهدا» في عددٍ من مدارس رأس بيروت.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News