الجامعة اللبنانية على موعد قريب مع استحقاق مفصلي، عبر إيفاء الطلاب حقهم في الانتخاب والمشاركة في صناعة القرار. فبعد انقطاع استمر سنين عديدة، تتحضر الجامعة لإجراء انتخابات المجالس الطلابية، وذلك في مختلف الفروع والمعاهد والكليات، وصولا إلى انتخاب الاتحاد الوطني للطلاب.
طبقا للسائد والمألوف، لن يكون الاستحقاق الانتخابي المرتقب خارج تجاذبات القوى الحزبية الفاعلة في الجامعة. ذلك أن مواقف هذه القوى من الانتخابات والموزعة بين مؤيد ورافض ومتردد، غالبا ما ترتبط بالنتائج المتوقعة من العملية الانتخابية نفسها، وما يمكن أن يرشح عنها من إعادة تظهير الأحجام الفعلية للقوى الحزبية الممثلة طالبيا.
مهما تكن حسابات القوى المتحفظة على إجراء الانتخابات، يبدو أن الجامعة بشخص رئيسها ومجلسها المركزي، بالتعاون مع السواد الأعظم من الطلاب، قد حسمت أمرها في الذهاب نحو الانتخابات خلال فترة قريبة، وذلك بمجرد استكمال الإجراءات الإدارية واللوجستية والقانونية المطلوبة، حيث يجري العمل عليها بوتيرة مكثفة ومتواصلة من قبل مجلس الجامعة ولجان فرعية متخصصة.
في الأصل، لا يصح التعاطي مع الانتخابات الطلابية خارج إطار البديهة المستغنية عن التسويغ والاستدلال. ما تنتجه الانتخابات من إعادة تشكيل المجالس التمثيلية للطلاب وصولا إلى تأسيس "الاتحاد"، من شأنه أن يصحح الخلل القائم في التمثيل الطلابي على امتداد فروع الجامعة بحكم الأمر الواقع، كما يؤدي إلى إشراك الطلاب في إدارة شؤون الجامعة من خلال تمثيلهم في مجلس الجامعة إلى جانب مجالس الفروع والكليات. هذا فضلا عن المساهمة في صياغة هوية وطنية لمختلف الاتجاهات الطلابية تتيح لهم التعاون والاندماج تحت مظلة المجالس التمثيلية بعيدا عن حالة التنافر والانقسام القائمة حاليا.
ليس ثمة مبررات ترقى إلى مستوى العوائق الفعلية أمام إجراء الانتخابات الطلابية في الجامعة. الحديث عن مخاوف أمنية أشبه بوضع العربة أمام الحصان، وهو أمر في عهدة الجيش والقوى الأمنية. كما ان التذرع باقتراب العام الدراسي من نهايته لا يمنع من إجراء الانتخابات لمدة عام غير دراسي بهدف ضمان صحة التمثيل. أما إثارة إشكالية المناصفة والميثاقية فهي مرفوضة على قاعدة أن المجالس الطلابية ليست الحكومة أو البرلمان، كما أن قانون النسبية على أساس اللوائح المقفلة يتكفل بتحقيق التوازن في التمثيل؛ مع إمكانية مراعاة المناصفة والميثاقية من خلال تحالف القوى الطلابية وتوافقها على لوائح مشتركة.
بالعموم، تخوض الجامعة صراعاً بين من يريدها أن تكون امتداداً طبيعياً لحالة السلطة المتردية في البلد، وبين من يريد تطويرها أكاديمياً والحفاظ على هويتها الوطنية. فالجامعة بهويتها الوطنية والأكاديمية تقاوم الجامعة بهوياتها الفئوية والطائفية. وهي في هذا الخضم، تتعرض لحملة تراوح بين الإهمال والإلغاء. ليس أدل على ذلك من تفريخ عشرات الجامعات على ضفافها بهدف إفراغها من طلابها وطاقاتها التعليمية، وأيضا تقليص موازنتها سنويا بما يؤدي إلى الحد من إنتاجيتها، إضافة إلى منع التوظيف عنها ومصادرة صلاحياتها من قبل مجلس الوزراء.
لم تفقد الجامعة اللبنانية كونها مؤسسة يعتد بها على الصعيد التعليمي والبحثي برغم ما تتعرض له من حملات ممنهجة لتشويه صورتها والنيل من مصداقيتها. كما لم تخرج عن كونها حاضنة وطنية لمختلف المكونات المجتمعية في لبنان، برغم ما يعتريها من تجاذبات حزبية وطائفية. غير أن النهوض بالجامعة يستدعي النأي بها عن محيطها "اللبناني" المشبع بالفساد والطائفية والمحسوبيات. في غير هذه الحالة، ستبقى كل محاولة للارتقاء بالجامعة الأم إلى مستوى الطموح محدودة الأثر والنتائج.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News