يجلس وليد جنبلاط إلى أريكته المعتادة. هاتفه و«آيباده» بين يديه لكن لا أثر لكلبه «أوسكار». يقرأ هنا ويغرّد هناك، فيزداد تأكداً من أن قراءاته حول «سايكس بيكو» وظروفها ونتائجها أمر لا بد منه لفهم التطورات المتسارعة في المنطقة. الحدث التركي نموذجاً. الخريطة تتغير. ذلك صار أمراً واقعاً حتى لو لم تتغير الحدود التي رسمت في العام 1916. العراق ليس هو نفسه، وسوريا كذلك، وربما تركيا أيضاً، وربما...
أكثر ما يحزن جنبلاط هو كيفية التعامل اللبناني مع الانقلاب التركي الفاشل. هل صار رجب طيب أردوغان زعيم السنّة، حتى يحتفل أبناء الطائفة، من كل الأطياف السياسية، ببقائه في الحكم أو في سحقه الانقلاب؟ وهل صار الشيعة يؤيدون الحكم العسكري؟ لا أجوبة واضحة سوى أن الانقسام المذهبي في لبنان وصل إلى حد غير مسبوق، ومعه، يصبح كل شيء مباحاً.
ولكن، ماذا لو تغير دور تركيا في سوريا، هل يبقى أردوغان زعيماً للسنّة وعدواً للشيعة؟
ذلك الانقسام الشديد يشغل بال جنبلاط كثيراً. يكبّل يديه في أحيان كثيرة، مانعاً إياه من إكمال معركة سياسية هنا أو اقتصادية أو اجتماعية أو إدارية هناك. ولذلك، تجده ينسحب من المعارك التي يفتحها في وجه من صودف أنهم من غير طائفته. حملته كانت عالية النبرة على جهاد العرب، في ما يتعلق باستحداث مطمر صحي في الكوستابرافا. المبلغ الذي قدمه العرب مرتفع جداً، وهو ما اعترض عليه مفوض الحكومة لدى مجلس الإنماء والإعمار وليد صافي («اشتراكي») عند فض العروض، وأدى رفضه الى إلغاء ما أسماها «المناقصة المشبوهة»، لكن النقاش بدا ممنوعاً عند «المستقبل». الحريري أوحى بأن الاعتراض على جهاد العرب وشركته هو تعرّض للسنّة، فكان ذلك كافياً ليتراجع جنبلاط، كما تراجع عن الحملة التي كان يقودها ضد عبد المنعم يوسف وضد الكاميرات في العاصمة وضد محاولة وضع اليد على شاطئ الرملة البيضاء.
الخطوة التي خطاها جنبلاط لم تحرّك المياه الرئاسية الراكدة. فالفراغ مستمر وطويل، لأسباب داخلية وخارجية. لكن أبرزها، بحسب جنبلاط، هو النظام السوري. باختصار، يعتقد جنبلاط أن بشار الأسد ليس مستعجلاً التسوية الرئاسية في لبنان. وفي حساباته، فهو، كما والده، لن يقدم على تسهيل الطريق الرئاسية من دون مقابل. ولأن لا أحد في المنطقة أو أوروبا يملك المقابل، فإنه لن يبيعها سوى إلى الأميركيين. وهذا يعني عملياً أن البيعة قد تتأخر إلى الربيع المقبل حداً أدنى، أي ريثما يستقر الرئيس الجديد في البيت الأبيض ويثبت دعائم إدارته.
كل شيء يشير إلى أن جلسات الحوار الوطني المتتالية في مطلع آب المقبل لن تكسر جدار الأزمة. جنبلاط قادر على توقع ما سيقوله كل طرف، بما يؤدي في النهاية إلى فشل مساعي السلة الكاملة. ويقول جنبلاط إن الرئيس نبيه بري متشائم في هذا الخصوص أيضاً. ويرجح أن يكون التقدم في أي من الملفات المطروحة صعباً، ولا سيما قانون الانتخاب، الذي يريد كل طرف ضمان حصوله على الأكثرية من خلاله.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News