يبدو ان الملف اللبناني سحب عن طاولة القوى الدولية المعنية وأعيد الى ادراج الملفات النائمة، وخزائن الانتظار وباتت مكوكيات الرئيس سعد الحريري التي قام بها لتحريك المياه الراكدة في حكم المنتهية، بازاء التطورات الاقليمية والدولية وسخونة الملفات الاخرى وتقدمها على الملف اللبناني الذي يحتمل الانتظار لامد طويل، فيما يشهد العالم اعنف اشتباكاته السياسية الساخنة، والمعارك والحروب النازفة والتي بلغت ذروتها وترجمت مواجهة حامية الوطيس في قاعة الامم المتحدة نهاية الاسبوع المنصرم، وهو ما نقل وتيرة التساؤلات والاهتمامات العالمية الى مناطق اخرى مع ظهور ملفات أخرى من نوع آخر تتجاوز الملف اللبناني بل لبنان كله لتطرح تساؤلات متعلقة بالنظام العالمي وبخريطة العالم الجديد ومراكز القوى والنفوذ، وهذا ما أشّرت اليه بوضوح الاشتباكات الدولية على طاولة مجلس الامن الدولي وما جرى من «فيتوات» متبادلة بين روسيا والصين من جهة، وبين اميركا وبريطانيا وفرنسا من جهة ثانية والذي يلمح الى انفراط عقد النظام العالمي القائم اليوم من خلال المنظمات والهيئات الدولية الاعلى الممسكة بكل الدول والمهيمنة على مقدرات الشعوب من خلال مؤسسات أممية اقتصادية وامنية وعسكرية وتنموية وبرامج اجتماعية ومؤسسات متعلقة بها؟
اذ يرى متابعون ان هذه التطورات بدأت تفرض نفسها على المنطقة والعالم في ازاء الكباش الميداني الدولي في منطقة الشرق الاوسط وما تشهده حروب سوريا واليمن من اصطفافات عالمية على ضفتي القتال اصطفافاً يكاد يهدد كل آليات الاستقرار في العالم ويطيح بالمؤسسات الدولية الممسكة بالسلام الكوني والمثبتة لأسس النظام العالمي.
مصادر ديبلوماسية تشير الى ان ما يحدث في أكثر من مكان من مواقف واحداث واجراءات واعادة خلط الاوراق من جديد، يمكن ان يُستَشَفُّ منها رغبة معينة لدى بعض الاطراف الفاعلة على مستوى العالم، في تغييرات جذرية وقد تعتبر وجودية في النظم الكونية القائمة اليوم على مستوى المؤسسات والمنظمات الدولية الكبرى .
ثمة كثير من المؤشرات في هذا الصدد، ربما كان اوضحها الجدل المثير للانتباه والفيتوات الكيدية التي تم تبادلها بشأن المشروعين الروسي والفرنسي لمقاربة حل أزمة حلب، واللذين يمكن القول انهما شهدا كباشاً دولياً اكثر منه نقاشاً في أروقة ديبلوماسية، بحسب المصادر ووصل الى حد مطالبة بعض القوى الدولية الفاعلة بضرورة اعادة النظر بآليات النظام العالمي والتحكم فيه، والذي استتبع مباشرة بالزيارة المجلجلة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى تركيا في رسالة تحمل الكثير من الرسائل وعناوين التحدي والمضي في المواجهة وحشد الحلفاء الدوليين وتأليب الرأي العام العالمي على طغيان الارادة الاميركية واستئثارها الواضح بكل المؤسسات الاممية المعنية بفرض الامن والسلام والاستقرار في العالم وتغييب دورها وتعطيلها لصالح الرغبة الاميركية في اثارة القلاقل واحياء كل النزعات الانفصالية واثارة الحروب وتزكية الفتن في طول العالم وعرضه بهدف ترسيخ المزيد من السيطرة الآحادية على الدول والجماعات، وتكريس المرجعية الاميركية بمساندة بعض الدول الغربية الكبرى ودول الحلف لقيادة العالم، وتثبيت الهيمنة على بعض الدول التي لا تزال تقاوم هذه الارادات الغربية وتصر على الاضطلاع بهامش من الحرية المفترضة في ادارتها لملفاتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية.
بهذا المعنى ثمة مؤشرات عديدة تقول المصادر الديبلوماسية، على الاتجاهات الدولية المتلاقية حول تسخيف دور المؤسسات الاممية المعنية وضرب الصورة والانطباعات عن حياديتها من خلال تكريس صورتها كحليف دائم للظالم والمعتدي كما يحصل منذ حوالى20 شهرا في المقاربات الاممية للعدوان الذي تشنه السعودية على اليمن من دون اي مسوغات او مبررات قانونية حتى بمنطق القوانين الدولية بل لمجرد ان بعض اليمنيين لم ينصاعوا لتدخلات السعودية في سياساتهم الداخلية وتركيبة نظامهم السياسي، وهي تقترف جرائم حرب خلال هذا العدوان بمعدل جريمة كل اسبوع من جرائم الحرب والابادة التي تستدعي إحضار قادة السعودية الى محاكم العدل الدولية ومحاكمتهم كمجرمي حرب يرتكبون جرائم الابادة بحق المدنيين والعزل من اليمنيين.
وهذا التغاضي من محور الدول الغربية التي تسبح في الفلك الاميركي، عن حجم الجرائم السعودية المهولة والكيل بمعايير مزدوجة بشكل فاقع مع استماتة هذا المحور في الدفاع عن مسلحين إرهابيين في شرق حلب السورية علما انهم مصنفين ارهابيين في كل الاعراف الدولية يمارسون الجريمة بأبشع صورها الانسانية، وهذه الازدواجية النافرة في المقاربات الاميركية في التعاطي والتقييم والمواقف، يضعها قطب سياسي في خانة الرغبة الاميركية.
في هز صورة المؤسسات الدولية تمهيدا لاسقاطها وابدالها بنظام عالمي جديد ربما يكون المراد منه إسقاطات من نوع آخر تفرز نظماً دولية ممركزة اكثر وتتيح لها هامشاً أكبر في التحكم بحركتها وتوجيهها، لكن اللعب على هذه الحافة قد يؤدي برأي المصدر السياسي الى خسارة أميركا لنفوذها السابق وهيمنتها الاممية من دون ان تربح بالضرورة رهاناتها الجديدة لا سيما وان اللعب بات مكشوفاً مع زعيم أثبت انه من أدهى دهاة السياسيين في العالم هو فلاديمير بوتين، الذي تمكن حتى الان من تعرية السياسية الاميركية امام المجتمع الدولي وتكريس صورتها كقوة معادية للسلام وتقتصر مهامها على حماية مجرمي الحروب الذين يقترفون الابادات الانسانية التي كان آخرها الغارات السعودية الثلاثة المتتالية على تجمع للمعزين بوالد وزير الداخلية اليمني جلال الرويشان في العاصمة صنعاء والتي ذوّبت اجساد نحو 700 ضحية وادت الى جرح اكثر من الف مدني يمني ودمرت أحياء بكاملها في صنعاء في أسوأ جريمة من جرائم العصر التي اقترفها النظام السعودي بطائرات اميركية وصواريخ تذويب اميركية وطيارون مدربون بعناية في اميركا ومن خلال استخدام وسائل المراقبة الاميركية من اقمار صناعية تجسسية وغيرها. وهذا مما سيساعد ويدفع بقوة الى تكريس الادارة الاميركية كحامية لمجرمي الحروب ويقلص من قدرتها على توجيه الاتهامات بذلك الى النظامين الروسي والسوري ..
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News