لم يحدث قط أن تدخلت دولة أجنبية في الانتخابات الرئاسية الأميركية كما تفعل روسيا اليوم، ولم يحدث قط أن كان هناك مرشح لحزب أساسي متعاطف مع تلك الدولة كما هو الحال الآن مع المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وخلال السباق الطويل إلى البيت الأبيض بقي ترامب يطالب بتحسين العلاقات مع روسيا، والثناء على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما دافع عن روسيا ضد الاتهامات بأنها اخترقت الحسابات الإلكترونية للحزب الديموقراطي، وغيره من المؤسسات الأميركية، وكما حدث مؤخرا حين اختراق البريد الإلكتروني لمدير حملة كلينتون، جون بوديستا، وتسليم الرسائل الى مؤسسة ويكيليكس التي وزعتها أولا على وسائل الإعلام الروسية التي تمولها الدولة.
اللافت أن ترامب، واصل دفاعه عن روسيا وبوتين في المناظرة الأخيرة، على الرغم من أن أجهزة الاستخبارات الأميركية التي تلتقي دوريا بالمرشحين كلينتون وترامب لإطلاعهما على أهم ما يحدث في العالم لجهة الأخطار المحتملة ضد البلاد، قد أكدت للمرشحين بعد دراسة شاملة، أن الاستخبارات الروسية مسؤولة عن هذه الممارسات.
وكشفت مجلة نيوزويك مؤخرا أن الاستخبارات الروسية تقوم بين وقت وآخر بتحوير بعض الوثائق، وضمها إلى آلاف الوثائق الحقيقية التي يتم تسريبها، وتحدثت بالتفصيل عن كيفية وصول مثل هذه الوثائق إلى أيدي المرشح ترامب. ومؤخرا قرأ ترامب وثيقة مزورة، وهي رسالة موجهة لكلينتون أمام جمهور من مؤيديه ادعى فيها أن أحد مساعدي كلينتون قد قال إن هناك عوامل شرعية يمكن أن يستخدمها الجمهوريون لتأكيد مسؤولية كلينتون عن حادثة قتل السفير الأميركي في ليبيا في 2012. ولكن الواقع هو أن "الوثيقة" مبنية على تقطيع وتلصيق مقال في نيويوزويك، وأنه لا صحة لوجود رسالة من هذا النوع.
هذه الحادثة ومواقف ترامب الأخرى من روسيا تطرح أسئلة محيرة حول علاقة ترامب وحملته بالاستخبارات الروسية، وما يأمل ترامب بتحقيقه من هذه العلاقة، وما إذا كانت لديه مصالح اقتصادية وعقارات في روسيا – وهو ينفي ذلك- أم أنه تلقى قروضا من أثرياء أو مصارف روسية كما تكهن البعض.
مواقف ترامب الإيجابية من روسيا تتعارض جذريا، مع الطروحات التقليدية للحزب الجمهوري خلال حقبة الحرب الباردة وبعدها، كما تتعارض مع معظم طروحات الحزب الديموقراطي. وفي عهد بوتين، تدهورت العلاقات الثنائية بعد غزو روسيا لجورجيا، واحتلالها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في 2014، وبعد تدخلها العسكري الدموي في سوريا منذ أكثر من سنة. ويرفض ترامب انتقاد الاحتلال الروسي للقرم، كما أن تشكيكه بجدوى حلف شمال الأطلسي (الناتو) يخدم مصلحة روسيا في أوروبا.
ولكن ما حدث مساء الأحد الماضي في المناظرة الثانية بين ترامب وكلينتون شكل صدمة للطبقة السياسية في واشنطن بشقيها الجمهوري والديموقراطي. وخلال مناقشة الوضع الإنساني المأساوي في سوريا تبرع ترامب للمرة الأولى بالدفاع عن التحالف الثلاثي بين روسيا وإيران ونظام الأسد. وقال "لا يعجبني الأسد أبدا، ولكن الأسد يقتل داعش، وروسيا تقتل داعش وإيران تقتل داعش". ويتعارض هذا الموقف مع تقويم الاستخبارات الأميركية ومع تقويم الخبراء الأميركيين بالشؤون السورية والروسية.
ويرفض ترامب التدخل الأميركي العسكري في سوريا، ويدعو إلى التعاون مع روسيا لضرب داعش، و كرر معارضته في المناظرة لتزويد الثوار السوريين بالأسلحة، لأن هذه الأسلحة كما ادعى ستصل في نهاية المطاف إلى أعداء الولايات المتحدة.
ويتعارض موقف ترامب هذا مع موقف أحد أهم مستشاريه للشؤون العسكرية الجنرال مايكل فلين الذي يقول إن روسيا وإيران تحاربان معارضي الأسد وليس داعش. وكان لافتا أن ترامب ناقض علنا موقف نائبه الحاكم مايك بنس الذي دعا خلال مناظرته مع نائب كلينتون السناتور تيم كاين في الأسبوع الماضي إلى دراسة احتمال استخدام القوة العسكرية ضد قوات الأسد، إذا واصلت روسيا دعمها للغارات الجوية ضد حلب، وقال ترامب باستخفاف "نحن لم نتحدث بهذا الموضوع، وأنا أختلف معه".
وكان مايك بنس قد انتقد بشدة في المناظرة سياسات بوتين، بعكس ترامب. مواقف ترامب أثارت استهجان العديد من المسؤولين السابقين والخبراء في الشؤون الروسية والسورية، وهي مواقف ساهمت في دفع أبرز المسؤولين السابقين في أجهزة الاستخبارات وشؤون الأمن القومي والعسكريين المتقاعدين بمن فيهم شخصيات جمهورية، إلى التخلي عن ترامب علنا، وإعلان قسم منهم عن الالتحاق بحملة كلينتون، أو القول بأنهم سيصوتون لها.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News