مختارات

الأربعاء 23 تشرين الثاني 2016 - 06:41 الحياة

هل يعيد ترامب العالم إلى نظرية "العدو الأخضر"؟

هل يعيد ترامب العالم إلى نظرية "العدو الأخضر"؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب شخصية «مثيرة»، سيشغل الكثيرين لفهم حقيقة سياساته وآليات ترجمتها على أرض الواقع، والتعرف على معايير اختيار أعضاء فريقه وتأثير كل ذلك في العالم خلال السنوات الأربع المقبلة.

حقق ترامب انتصاراً مدوياً، محطماً توقعات الخبراء واستطلاعات الرأي، متحدياً الموقف العدائي من مؤسسات الإعلام الأميركية الكبرى، بل وكراهية العالم الخارجي. وسجل فوزه «ظاهرات» في المشهد الأميركي، فقد اندلعت المظاهرات مطالبة بإعادة الانتخابات وإلغاء فوزه، وأعلنت سبع بلديات كبرى رفضها برنامجه المعلن لطرد المهاجرين.

وهذا «الرجل» جاء إلى البيت الأبيض بحملة انتخابية أربكت الجميع، ما أفسد توقعات «المحللين» وأفقدهم القدرة على معرفة فريقه للمرحلة المقبلة في وقت مبكر، كما جرت العادة، لكن الأيام الماضية كشفت عن «ملامح» الفريق، التي من أبرزها:

ميل الرجل إلى «أهل الثقة والانسجام» مع سياسته الداخلية والخارجية، على رغم ترجح حدوث تعديل «ضروري» للتوازن المطلوب من رجل لا يتمتع بخبرة في العمل الحكومي، وفي كل الأحوال فإن الأسماء المطروحة وما عرف عنها تساعد في محاولة فهم المتوقع في السنوات الأربع المقبلة. وأول الأسماء المثيرة للجدل الجنرال مايكل فلين، الذي قالت عنه صحيفة نيويورك تايمز: «إنه من أقنع ترامب بأن الولايات المتحدة تخوض حرباً عالميةً مع المتشددين الإسلاميين، وعليها التعاون مع أي حليف مستعد لخوض هذه المعركة، بمن في ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن الإسلام المتشدد يشكل تهديداً وجودياً على الصعيد العالمي»، وسبق أن صدرت عن الرجل تصريحات معادية للإسلام؛ كقوله «الدين الإسلامي، بحد ذاته، مصدر المشكلة»، وأن «الإسلام ليس ديناً وإنما آيديولوجيا»، وبأنه «سرطان»، وأن «الخوف من المسلمين أمر عقلاني».. وترامب وفلين يؤمنان بضرورة التعاون مع روسيا من أجل «هزيمة» الإرهاب، بصرف النظر عن سياسة بوتين في أوكرانيا وروسيا»، ويتفق الرجلان على إجبار المسلمين الأميركيين على تسجيل أسمائهم في السجلات الحكومية الأميركية، وهذه سابقة ستعمق نزعة الشك وانعدام الثقة التي بثتها حملته الانتخابية، وتوقعت نيويورك تايمز أن يلعب هذا الجنرال دوراً كبيراً في سياسات الرئيس ترامب، الذي «لا يملك خبرة واسعة في القضايا العسكرية والسياسة الخارجية». كما توقع موقع «فوكس» أن تعيينه مستشاراً للأمن القومي سيجعله الشخصية الأقوى في الحكومة الأميركية، وسيعطيه نفوذاً في الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية.

وإلى جانب الجنرال المتقاعد فلين تطرح الترشيحات أسماء: كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض ستيفن بانن، وهو من اليمين المتطرف. والسيناتور جيف سيشنز (مرشح لوزارة العدل)، الذي يعد من أبرز الداعمين لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ونقل عنه قوله: «إن الآيديولوجية السامة تكمن في جذور الإسلام». والنائب مايك بوميو (مرشح لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية)، من الداعين إلى إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. وإلى جانب هذه الأسماء «الفاقعة» يظهر اسم حاكم ولاية ماساتشوتسس ميت رومني لحقيبة الخارجية، وكان من منافسي ترامب على ترشيحات الحزب لانتخابات الرئاسة ومن أشد منتقديه، لكنه قال في تصريحات صحافية: «إن الشعور بالمسؤولية يدفعه لمساعدة ترامب». ويقال إن وجوده يأتي في إطار «ترميم الحزب من الداخل» مع التوقع أن يتجاوز دوره هذه المهمة «الحزبية»، فهو صاحب خبرة وأقل جنوحاً من تيار «الصقور».
هذا عن فريق ترامب «المتشدد»، فماذا عن منطقتنا في مواجهة هذا «الإعصار»؟ من المستفيد؟ ومن المتضرر؟ وما العمل؟ أسئلة مشروعة، وستظل مشرعة أمام المعنيين بانعكاس سياسة واشنطن على هذا الجزء من العالم.

إسرائيل، العقدة المركزية في العلاقات العربية الأميركية تلقت من الإشارات ما يكفي لإطلاق يدها في تنفيذ سياسة الأمر الواقع على الأرض، بل وإعطائها مزيداً من حرية الحركة لتفعيل رغبتها في أن تكون لاعباً «ظاهراً»، وتمكينها من تحقيق بعض أحلامها في إعادة رسم خريطة المنطقة وفق رؤية الهيمنة الكامنة في وجدانها وسياستها، وتبدو الظروف مواتية لهذا النوع من «الآمال».

وإيران، التي كسبت «جولة النووي» مع باراك أوباما وكسرت قيد الحصار وأشركت أوروبا في «الغنائم» لا تخشى من تهديدات القادم وفريقه، وهو الذي أعلن صراحةً أنه لا حل لمشكلة الإرهاب، التي يراها التحدي الأكبر، إلا بالتعاون مع روسيا «حليف المصالح» مع إيران. وضغوط ترامب يمكن أن تقود إلى «تعديل» جداول البرامج والخطط، لكنها لن تلغي أهداف طهران في سعيها لأن تكون «اليد العليا» في المنطقة بموافقة وتفاهمات المصالح مع الدول الكبرى.. ويبقى الدور التركي «المحاصر» بين ضعف الحليف الطبيعي، العالم العربي، وبين موقف الدول الكبرى الضاغط وطموحات الحركات العرقية المستفيدة من اختلاط الأوراق في هذه المرحلة، أما العالم العربي، إذا استثنينا بعض الدول، فهو يمر في حال «تمزق وسيولة» بائسة (!!) تهدد دور ومسؤولية الدولة، وتغري المجموعات المنفلتة من القوانين بالمزيد من الأعمال المربكة لأمن الدول واستقرار المجتمعات، وكلها عوامل لا تدفع المختلفين مع العرب إلى تعديل خططهم أو حتى إخفاء أهدافهم.

أمام هذا الواقع تأتي خطورة رؤية مستشار ترامب للأمن القومي، المخالفة لرؤية سلفه من الجنرالات الذين كانوا يضعون روسيا في مكان التهديد الأكبر لبلاده، وإذا الجنرال فلين يعيدنا إلى تسعينات القرن الماضي حين سقط «العدو الأحمر» الاتحاد السوفياتي، وإذا مراكز الدراسات وحلقات النقاش ودوائر السياسة تخرج للعالم «العدو الأخضر» الإسلام وتجعله هدفها ووسيلتها لتحقيق هيمنة «القطب الواحد»، وهي «النظرية» التي يكتوي العالم اليوم بنتائجها، لأنها أخطأت في وضع بليون ونصف مسلم تحت لائحة الاتهام، وجعلت من دينهم وثقافتهم «مصدراً للشرور»، كما يقول الجنرال فلين اليوم، وكانت النتيجة أن التطرف تمدد والإرهاب اتسعت دائرته في أكثر من مكان، وانقسمت فصائله على نفسها، فجاءت الأجيال اللاحقة أعنف من سابقتها وأشرس وأكثر دموية.

وإذا كان فريق ترامب جاداً في محاربة الإرهاب فإن ربطه بالإسلام طريق مسدود وظالم، ولن يقود إلى ما يرجونه ويرجوه كل إنسان لم تفسد العنصرية عقله ولم تمسخ الأحقاد ضميره.

ليس من مصلحة العالم، وهو يبحث عن صيغة تجمع الجهود لمحاربة الإرهاب، أن يضع الإسلام تحت لافتة «الآيديولوجيا المسمومة»! عنوان ظالم كهذا سيكون وقوداً لمزيد من الاضطرابات والقلاقل في المجتمعات المسلمة، ولن تقف مخاطرها عند حدود تلك البيئات في عصر «الكون القرية». فهل يدرك «عقلاء العالم» خطر هذا الخطاب المتطرف ويوقفوا تداعياته ويعملوا على تنمية «المشتركات الإنسانية» التي تجمع بني البشر في كل القارات وبين أهل كل المعتقدات؟

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة