عكستْ المشهدية التي ارتسمتْ بعد ظهر أمس في بيروت مع إحياء «تيار المستقبل» الذكرى 12 لاغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري الحرص على استمرار العمل بـ «مفاعيل» التسوية السياسية التي كانت أنهت الفراغ الرئاسي في 31 اكتوبر الماضي بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة زعيم «المستقبل» سعد الحريري الى رئاسة الحكومة.
وأمام الآلاف من مناصريه وحشْد سياسي متنوّع شكّل في جزء منه «مرآة» لمناخ التسوية، حدّد الحريري «خريطة طريق» تياره للتعاطي مع المرحلة الراهنة في البلاد وتحدياتها وعناوينها الرئيسية ولا سيما قانون الانتخاب، مكرّساً خيار الانفتاح والاعتدال ووضْع مصلحة لبنان «أولا» باعتبارها أولوية على اي تطلعات شخصية او حزبية او فئوية، من دون إغفال ثوابت موقفه من الملفات الإشكالية مثل سلاح «حزب الله» والحرب في سورية.
وبدا الحريري، الذي كان زار ظهراً ضريح والده في باحة مسجد محمد الأمين في وسط بيروت وأطلّ ليلاً عبر شاشة «او تي في»، مرتاحاً الى المسار الذي سلكه لبنان بعد التسوية السياسية متجنباً اي مساجلة مع رئيس الجمهورية على خلفية موقف الأخير من سلاح «حزب الله»، وهو ما اعتُبر مؤشراً الى رغبة في تجنيب العهد الجديد «خضة مبكّرة» من شأنها ان تزيد من التعقيدات التي تواجه البلاد وتحديداً في قانون الانتخاب الذي ما زال البحث مستمراً عن «صيغة سحرية» توفّق بين «الفيتوات» المتبادلة من الاطراف السياسية والتي تخفي وراءها اعتباراتٍ تتّصل بصراع الاحجام داخل السلطة وتوازناتها.
واكتسبتْ كلمة الحريري في الاحتفال الذي أقيم في «البيال» تحت عنوان «12 مرة 14 شباط، المستقبل حلمك»، رمزية خاصة باعتبار انها المرة الاولى منذ العام 2010 يطلّ فيها زعيم «المستقبل» في هذه المناسبة كرئيسٍ للحكومة، بعدما كان أقصي بـ «انقلابٍ ناعم» قاده «حزب الله» و«التيار الوطني الحر».
وبعد دخوله قاعة الاحتفال يداً بيد مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع،استهلّ زعيم «المستقبل» كلمته بتذكيرٍ ذات مغزى يرتبط بعهد الوصاية السورية على لبنان وما يدور حالياً في كواليس قانون الانتخاب، مستحضراً ما قيل للرئيس الشهيد «ممنوع على رفيق الحريري أن يتقدم لطرابلس وعكار والمنية والضنية، ممنوع عليك إنشاء حزب سياسي... حدودك قريطم! ولكن انتم قلتم للرئيس رفيق الحريري... هذا تيارك. هذا حزبك. هذا المستقبل... موجود في كل لبنان، وحاضر في كل الطوائف». واضاف: «أمامنا مسؤوليات كثيرة، والانتخابات على الابواب، ولا أحد يستطيع أن يمنعكم من الحضور في كل لبنان».
واذ أكد «بعد 12 سنة على الجريمة الإرهابية»العدالة آتية، اعلن»ان رفيق الحريري ليس إسماً للاستخدام في عمليات الثأر السياسي ولن يكون متراساً لحشد الضغائن بين اللبنانيين»، وقال:»لقد أدرك المعنى العميق لمفهوم التسوية في بلد على صورة لبنان، وأدركنا معه أن سياسة العناد والعزل والأبواب الموصدة والاعتكاف عن المبادرة، هي سياسة عقيمة». واضاف:»نعم، نحن فاوضنا وساومنا من أجل الحفاظ على الاستقرار ولكن لم ولن نساوم على الحق أو الثوابت. المحكمة الدولية، والنظرة لنظام الأسد وجرائمه، والموقف من السلاح غير الشرعي والميليشيات ومن تورط حزب الله في سورية، وغيرها وغيرها، كلها تشهد».
وتابع في ردّ ضمني على كلام الرئيس عون حول سلاح»حزب الله»:»المهم أن يفهم الجميع: نعم، هناك خلاف حاد في البلد حول سلاح حزب الله وتورطه في سورية، وليس هناك توافق على هذا الموضوع، لا في مجلس الوزراء، ولا في مجلس النواب، ولا على طاولة الحوار. ولكن ما يحمي البلد هو أن هناك إجماعاً حول الجيش والقوى الشرعية والدولة، وفقط الدولة».
واذ دافع عن»شجاعة قرارنا بانتخاب فخامة الرئيس العماد ميشال عون»، قال:»مَن يدعونا للصدام وتكسير البلد قلنا له ونقول: «غلطان بالعنوان»، ومن يتهمنا بالتنازل عن الثوابت نقول له أيضاً: غلطان بالعنوان. لإن هنا، عنوان... رفيق الحريري!».
وأوضح «لقد مارسنا التضحية، قولاً وفعلاً، ولم نقبل يوماً أن تتحول التضحية الى قاعدة للتنازل السياسي في كل صغيرة أو كبيرة، على أكتاف تيار المستقبل أو على حساب التمثيل الوطني لتيار المستقبل».
وفي حين أكد «ان التضحية مسؤولية وواجب وشجاعة»، قال: «بهذه الروحية وهذه المسؤولية، نتقدم للحوار حول القضايا الوطنية، ونبدي حرصاً لا تراجع فيه، للتوصل إلى قانون جديد للانتخابات، يعيد إنتاج الحياة السياسية والنيابية، شرط ألا يشكل حالة قهر أو عزل لأيّ من مكوّنات العيش المشترك. وعلى رأسهم حلفاؤنا بالسراء والضراء». وتوجّه الى محازبي «المستقبل»ومناصريه: «الانتخابات النيابية من أمامكم. استعدوا لها، واحشدوا لخوضها في كل المناطق. وسنذهب الى صناديق الاقتراع، تحت سقف أي قانون يقره المجلس النيابي».
ورأى ان «قرار لبنان بيد الدولة اللبنانية وليس بيد أفراد وزعامات، ولا بيد محاور إقليمية أو دولية (...) واللبنانيون، ونحن في طليعتهم، لن يسمحوا بتسليم بلدهم للمحاور الخارجية. ولبنان لن يكون جزءاً من أي محور في مواجهة أشقائه العرب».
وذكّر بأنه «منذ اللحظة الأولى للاغتيال قلنا إننا نرفض الثأر ولا نريد إلا العدالة، ونجحنا بالمصالحة التي قالوا إنها مستحيلة بين الحقيقة وحماية السلم الأهلي»، وقال: «وفي 7 مايو (2008) البغيض، الأسود، رفضنا الإنجرار للفتنة وقررنا أن نرد في صناديق الاقتراع ونجحنا بالمصالحة التي قالوا عنها مستحيلة بين رفض العنف والمذهبية وبين الحفاظ على وجودنا السياسي والشعبي والانتخابي».
وسأل: «هل لاحظتم أنتم أن لبنان يعيش بما يشبه معجزة صغيرة؟ في حين كل المحيط يغرق بالدم والنار والخراب واليأس؟ هذا طبعاً بفضل بطولات جيشنا وقوانا الأمنية، وبفضل قرار اللبنانيين بأن لا يعودوا ولا بأي شكل إلى إيام الحرب السوداء، ولكن أيضاً وقبل كل شي بفضل إستمرارنا، بعد 12 سنة، على خط رفيق الحريري».
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News