"ليبانون ديبايت"
عُهِدَ في العرف العشائري القديم أن يجري حقن بحور الدم بين طالبي الثأر أو العشائر، ما إن تضع أسرة القاتل أو وكيل دمّها مع أهل القتيل أياديهم في "طست" (صينية) نحاسيّ قديم مملوء بالدماء - (دم ذبيحة تُنحر من أجل تعميد المصالحة)، وهذه الخطوة هي المعنى الحقيقي لحقن الدماء. العرف العشائريّ واضح، وأحكامه واضحة ومعلوم للجميع أنّه لا يمكن تَجاوزه أو كسر أعرافه وتقاليده، إلّا أنّ "آل دندش" بفعلة "أخذ ثأرهم" حنثوا بكلّ الأعراف والقوانين والشرائع المتّبعة في البقاع.
قبل فترة وجيزة، أطلق عسكري في الجيش اللّبنانيّ محمد راضي من بلدة معربون، النار على "علي دندش" (25 عاماً) في منطقة وادي الكرم أثناء قيادته لسيارة نوع رانج روفر من دون لوحات، بعد أن تجاوز "علي" بسيارته الحاجز، فأصابته برصاصتين قضى نحبه على أثرهما فوراً. وعلى الرغم من بيان قيادة الجيش الذي ذكر الوقائع والذي وضع التحقيق في عهدة "الشرطة العسكرية" لاكتشاف ما حصل، ولتدارك الأمور ومنعاً لحصول عملية ثأريّة تستهدف الجندي، أرسل وفداً مؤلّفاً من 15 ضابطاً من الجيش إلى منزل ذوي القتيل لتقديم العزاء، واعدين أمامهم باكتشاف حيثيات ما جرى والمحاسبة إذا اقتضى ذلك.
ولأن ما حصل تسبّب بشحنٍ مذهبيّ في مكان، تدخّل وجهاء العشائر البقاعيّة، خاصّة في بلدة معربون لتدارك الأسوأ، في حين نشط مسؤولون في حزب الله مع الشيخ أيمن الرفاعي للحيلولة دون تطوّر الأمور، وهو ما أدّى في النهاية إلى وأد مشروع الفتنة واستكمال مساعي المصالحة التي عُمِّدَت بزيارة وفدٍ كبيرٍ من أهالي معربون وعائلة آل راضي إلى "آل دندش"، والتي بدورها قبلت الزيارة وبالتالي الصلحة على مبدأ العرف العشائريّ "دستوا بساطتنا وحقنّا الدم".
وتفسير هذا الكلام بالاستناد للعرف العشائري يعني ما إن تقبل عائلة المقتول زيارة ذوي القاتل ينتهي الثأر وتتنازل العائلة عن حقّها.
وخلال الزيارة، أكّدت عشيرة "آل دندش" أنّ الموضوع ستتركه في عهدة الجيش لتؤكّد عائلة العسكريّ الكلام نفسه، وهو ما كانت قد تولّته قيادة الجيش من خلال إسناد الملف إلى الشرطة العسكريّة.
وبنتيجة المُصالحة، توهّم العسكري، محمد، أنّ الأمور انتهت لحظتها، وصارت لديه الحرية التامّة في التنقّل، إلّا أنّ الواقع كان مُغاير تماماً لذلك فآل دندش وفاقاً للعالمين نكسوا بالعهد المقطوع، إذ وضع شقيق علي على عاتقه مُطاردة راضي ومُلاحقته مُتجاوزاً الأعراف والأصول العشائريّة.
ظلّ يُلاحقه حتّى تمكّن من مُباغتته في عملية لا يُقال عنها إلّا تصفية جسديّة لعسكريّ لم تكن نيّته القتل أو التسبّب بالأذيّة، كان يقوم بواجبه، لا أكثر.
معلومات "ليبانون ديبايت" تتحدّث عن جوٍّ من السلبيّة طغى بعد حصول عملية الثأر، وبلغت الصدمة نفوس الذين عملوا على خطِّ المُصالحة، الذين وضعوا في مكانٍ لا يحسدون عليه، وطُعن بهم (وفاقاً للعرف العشائري).
أحد العاملين على خطّ المصالحة، قال لـ"ليبانون ديبايت"، إنّ نكث العهد الذي أصابنا يوم أوّل من أمس، يحصل للمرّة الأولى في المنطقة، إذ جرى تخطّي العُرف العشائري بمثل هذه الطريقة"، لكن عاد ليؤكّد أنّ عائلة دندش بوجهائِها وكِرامها وشيوخها، تنصّلوا من فعلةِ الثأر، كونهم قطعوا عهداً بحقن الدم، واضعين تصرّف شقيق علي ضمن الإطار الفرديّ.
أمّا الوسطاء الذين سبقوا وتدخلوا لحلحلة الأمور واتفقوا وقتها على تسليم قيادة الجيش القضيّة وبالتالي لا ثأر بعدها، فيعيشون تحت وطأة الصدمة ويعجزون عن وصف ما حصل.
باختصار، "آل دندش" غدروا بآل راضي وصفّوا ابنهم، ما جعل المنطقة وجوارها تعيش النار تحت الرماد، وسط دعوات التهدئة من كلّ الجهات السياسيّة والعشائريّة، في ظلّ مطلبٍ واحد هو تسليم الفاعلين.
ويبقى التخوّف سائداً من إمكانيّة الثأر والثأر المضاد، في حال لم يتمّ تسليم القاتل..
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News