"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
ليسَ بالأمر العادي أن يُعلن أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله أنّ المقاومة " أنهت الأمر وأنجزت المهمة " وذلك في معرضِ تعليقه عن فشل المساعي الإسرائيلية لمنع وصول الصّواريخ الدقيقة لحزب الله، ليأتي الإعلان أنّ المُقاومة أمّنت ما سعت إليه وقُضيَ الأمر!
قبلَ أعوامٍ قليلة، تحديداً بُعيَد حرب عام ٢٠٠٦، سخر البعض من القدرات الصاروخية للمقاومة التي لم يَكُن في مقدورها سوى تهشيم جدار في مبنى بمدينة حيفا المحتلة. كان قرارُ المقاومة تأمينُ قدرات مختلفة تعوّضُها عمّا فات.
بعدها بفترة قصيرة ، أطلق نصرالله خلال أحد الخطب معادلة جديدة: "المبنى مقابل المبنى والمطار مقابل المطار". دَلّت هذه المعادلة على مسعى تخوضهُ المقاومة من أجلِ تأمينِ الوسائل التي تُمَكّنها من بلوغ هذا الهدف.
خلالَ تلك الفترة وما سبقها، عمّ الوهن كيان الإحتلال بعدما تعرّضت بنيته لتهميشٍ كبير طالَ الجبهة الداخلية، فلجأ قادة جيش الإحتلال لاعتماد نماذج لإعادة الثقة بالمؤسسة العسكرية قامت على سبيل المثال، إجراء تبديلٍ نوعي في التكتيكاتِ المعتمدة واللّجوء الى أنواعٍ أُخرى من الحرب.
كان السّبيلُ الى ذلك يقومُ على إعتماد لُغة المناورات العسكرية. أكثر من ١٢ مرحلة من مناوراتِ التّحول على مدى ١٢ عاماً، كلها صُبَّت في إطارِ إعتماد سيناريوهات حرب جديدة ودخولِ قرى لبنانية ومسح حزب الله عن بكرة ابيه، بالإضافة الى تدريباتٍ ومحاكاتٍ عملانيّة لمواجهات مُباشرة، و إدخال سلاح الجو كعاملٍ متمّم للاغراض الميدانيّة، هذا فضلاً عن التشدّد على الإنضباطية، و إدخال عامل الحَقن الديني بشكلٍ مفرط كنمطٍ يُعتمد من أجلِ تأسيس عقيدة تدفعُ الجنود للقتال.
كانَ من بين السيناريوهات، الإستفادة من الحرب في سوريا. فطوال ٥ أعوام من أصل ٧، عملت تل أبيب على منعِ تطبيق نصرالله لوعده في تأمينِ صواريخ دقيقة يَصلُح استخدامها في ترجمةِ معادلته، إذ شَنّت أكثر من ٢٠٠ غارة على ما قالت أنها مستودعات وأماكن إخفاء صواريخ دقيقة، ومُختبرات ومعامل تصنيع لصالح حزب الله بإشرافٍ إيراني، ليتبين وبعبارة واحدة أطلقها نصرالله أنّ الجهد الإسرائيلي كان دون المستوى!
قبل شهر تقريباً، عَرض الإعلام الحربي مِنصَّات صواريخ من طراز "خيبر" ، استخدمت في حرب تموز، وهي تُرفَع كمجسمات حقيقيّة في معلم مليتا الجهادي الذي يَتّخذه حزب الله متحفاً.
كانت اسرائيل تحسب أنّ هذه الصّواريخ وإن كان لها قدرةٌ في توهينِ الجبهة الداخلية، لكنها تُصنَّف بدائيّة أي غير قادرة على تحقيقِ مكاسب عسكرية كضرب أماكن هامّة وإحداث نتائجٍ مذهلة، ورغم ذلك سطّرت هذه الصواريخ نماذج حربيّة جدرية بالدراسة خلال عام ٢٠٠٦. وقد بل بلغَ الأمر ببعض المعلقين وعلى فتراتٍ سبقت الحرب السورية، للقول أن مثل هذه الصّواريخ "أمرٌ يصلح التعايش معه، وإن امتلاك حزب الله لمئة ألف منها لا يُغيّر في المعادلة".
لكن هذه النّظرة تغيرت حين تقرر تحويلها الى منصّاتٍ للعرض ما يعني استبدالها بشيء أكثر فتكاً. قرأت اسرائيل جيداً رسالة عسكرية مَفادها أنّ هذه الصواريخ التي مثلت عموداً فقرياً للمقاومة إبان مواجهات تموز ٢٠٠٦، أخرجت من الخدمة، وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن شيئاً ما قد خلفها وعليه رهان الإستخدام في الحرب القادمة، الثّابت أنّه سيكون أشد.
وبالتالي، مُثلت الخطوة رسالة عسكرية هامّة وإعلاناً صريحاً وواضحاً عن دخول جيل جديد من الصواريخ، فكيف سيكون حال الجبهة الدّاخلية في أي حرب مقبلة بظل هذه الإمكانات وكيف سيكونُ عليه المشهد والنتائج؟ وكيف سيتصرّف الإسرائيلي حيال دخول صواريخ دقيقة ذكية لها نفس القدرة التدميرية التي يتمتع بها سلاح الجو؟
في التفسيراتِ المجمّعة من خطاب نصرالله، ثمّة إشارة واضحة إلى تدشينِ مرحلة جديدة بمسارِ المواجهة والرّدع بين المقاومة واسرائيل ، تعني وصول قدرات حزب الله الدفاعية إلى مرحلة الإشباع، ما يُحتم انتقاله الى مستوى ثانٍ من تأمينِ الرّغبة، التي قد تنسحب على ما هو أبعد من صواريخ وظيفتها إستهداف العمق الإسرائيلي.
أمرٌ آخر بالغُ الأهمية، أنّ إعلان نصرالله، حتّم على رئيس الحكومة الاسرائيلية الخروج من وكره والرّد على نصرالله بالمواربة متسلحاً بتعليق على مسألة إسقاط الطائرة الروسية. ما يُمكن الاشارة إليه في هذا المقامِ أنّ رد نتنياهو هو الأول بالمباشر لمسؤول إسرائيلي من صُنفه، ولجوئه لهذا النّوع من ردودِ الفعل ليس دليل عافية بالنسبة للإسرائيلي بل دليل عدم مقدرة على تجاهل التطورات الحاصلة.
فـ الإسرائيلي وأمامَ هذا التّطور المُعلَن عنه من قِبَلِ نصرالله الذي إختار اسلوب التوجه الى "الجمهور الاسرائيلي"، اضطر للاذعان والدّخول الى الشبكة التي نُصِبت له، بعدما كان يوهم شعبه أنّ حزب الله لا تَصلُه صواريخ دقيقة بفعلِ الضّربات الجوية الأقدر على منعه من إمتلاك صواريخ، ليتبين أنّ الحزب تسلّل من الطّوق الإسرائيلي وأمن ما أرادَ تأمينه وانتهى الأمر!
نام الإسرائيلي على نشوةِ "الضربات الموجعة لحزب الله" واستيقظ على حقيقةٍ مُرّة كان يتلقاها منذ ٥ أعوامٍ دون علم، وهي أنّ جميع ما أقدم عليه لم يمنع قط، قطع طريق حرير الصواريخ، وكل المناورات التي أُجريت من عام ٢٠٠٦ لغاية الأمس القريب، تبيّن أنها فاشلة ولم تنقُل اسرائيل الى مرحلة ما بعد ٢٠٠٦ بعد أعادته الى ما قبل أجواء التّحضيرات لحَرب ٢٠٠٦.
على المُستوى اللّبناني يُقاس كلام أمين عام حزب الله على أنّه مزيدٌ من عواملِ الرّدع ، وإشباع مظلة الحماية بكميات إضافية من القدرات، وهو ما يعني الى حدٍ ما ابتعاد إحتمالات الحرب في ظلِ واقعٍ يجعلُ من الإسرائيلي غيرَ ضامن لنتائجها.
في المقابل ، هو إعلان افتتاح مرحلة جديدة من المواجهة في استراتيجيةِ "المعارك بين الحروب"، بنقل المعركة الى مكانٍ آخر لم يكن يتوقعه الإسرائيلي. الأبرز أنّه إعلان عن انتهاءِ استعدادات المقاومة الأساسية وبلوغها أهدافاً أُخرى تتجاوز الأبعاد الدّفاعية، ما يعني فتح باب الاستعدادات لمرحلة أقصى من التحضيرِ والتجهيز.
على المستوى الإسرائيلي مثل إعلان انتهاء مفاعيل المناورات العسكرية على أنواعها، ووضع الجبهة الدّاخلية على احتمالاتٍ متنوعة في حالِ إعتماد تل أبيب خيارات "غير مدروسة". وفي ظل إعلان انتهاء مرحلة التّراكمات التسليحية وتأمين حزب الله لمخزون صاروخي دقيق وغير دقيق، تكونُ إسرائيل امامَ وضع لا تُحسد عليه وواقعاً لم تكن تحسب حصوله، أقلُّه من خلالِ خيارات عملياتها في سوريا.
الأهم أنّ الإسرائيلي باتَ أمام واقع لم يعُد بمقدوره تجاوزه، وهو اضمحلال احتمال إنهاء المقاومة في لبنان، أو تجاوز غياب القدرات الرّدعية لديها لثنيه عن إستخدام أسلوب الإيذاء البشري من خلالِ جعل المدنيين كأهداف في أي حرب مقبلة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News