كتب الصحفي نجم الهاشم في إفتتاحيّة "المسيرة" ــ العدد 1681 مقالاً بعنوان لقاء جعجع – فرنجية… صار الوقت؟ اعتبر فيه أنّ "السؤال لم يعد عما إذا كان من الممكن أن يحصل اللقاء بين رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية بل صار متى يلتقيان وأين؟ ذلك أن اللقاء لم يعد من المستحيلات بل من باب الواقع المستند إلى الوقائع وإلى علاقة متجددة تتطلع إلى المستقبل محملة بعبر الماضي.
وجاء في تفاصيل المقال:
في 20 تشرين الأول 2017 عندما كان الدكتور سمير جعجع في جولة في أستراليا كرّمته رابطة بشري في سيدني في حفل غداء في “الدلتون هاوس” في حضور حشد من أبناء بشري وقضاء جبة بشري ودير الأحمر.
قبل ذلك التكريم كان تم تسريب تسجيل فيديو مجتزأ لكلام قالته النائب ستريدا جعجع حول العلاقة بين بشري وزغرتا وكان القصد منه إعادة إثارة الغرائز وتهديم العلاقة التي كانت بُنيت بين "القوات" و"المردة"، ولكن الفعل القبيح كانت له آثار إيجابية حيث أن الدكتور جعجع تلقف المبادرة وقام بهجوم معاكس وقال في المناسبة "الشمال المسيحي له رمزيته في لبنان، وكما تعلمون أن بعض الشعوب تمر بساعات "تخلّي"، وفي أواخر السبعينات وللأسف مررنا في "الشمال المسيحي" بساعة تخلٍّ، أدت الى جُرح ما كان أحد منا يريده أو يتمناه، فاستُشهد طوني فرنجية وزوجته وابنته ومجموعة من رفاقهم، كما أدت الى استشهاد مجموعة من رفاقنا، وهذا جرح عميق جداً في كل الاتجاهات.
ومنذ ذلك الحين حتى اليوم يُحاول بعض المفضلين من الجانبين تسكير هذا الجرح، الى أن في آخر سبعة أو ثمانية أشهر وبفضل القيادة الحالية لتيار المردة وبفضل المسؤولين في "القوات اللبنانية" توصلنا الى مداواة هذا الجرح تحديداً من أجل السير نحو أيام أفضل، وإذ خلال زيارتنا الى أستراليا تكون النائب ستريدا طوق جعجع في جلسة خاصة مع آل طوق في مركز رابطة شباب بشري، وفي مثل هكذا جلسات يمزح المشاركون على كل شيء، ويكونون على سجيتهم، فيتكلم البعض كلاماً لا يعنيه ولا يقصده، ولكن أحد السياسيين المنتهية صلاحيته في بشري أرسل أحد أزلامه وكان موجوداً بين المئتي شاب وصبية من آل طوق ليصوّر مقطعاً مجتزأً لم تكن تقصده النائب جعجع ولا بأي شكل من الأشكال، ونحن جميعنا لا نقبل به، وبثه على وسائل التواصل الاجتماعي ما تسبب بردود فعل كثيرة.
قد يجوز للإنسان أن يستعمل وسائل للوصول الى ما يطمح إليه، ولكن هل مسموح لأحد أن يستعمل مثل هذا الجرح لفتحه من جديد كي يحقق ما يريد؟ الجرح لن يُفتح من جديد لأن الوعي عند قيادة "المردة" وقيادات زغرتا والوعي عندنا هو الذي منع أي أحد أن يستفيد مما حصل.
وهنا مرة من جديد تحية الى قيادات "المردة" وزغرتا التي رفضت أن يستفيد أحد من هذه المؤامرة وكذلك تحية الى القواتيين أيضاً. بهذه الكلمات أعاد رئيس "القوات" رسم الطريق الصحيح إلى علاقة أفضل مع "المردة" في وقت انتظر كثيرون أن تتهدم هذه العلاقة كانت هذه المبادرة الجريئة كافية لردم الهوة بين الطرفين، خصوصا أن فرنجية اعتبر أن مثل هذا الكلام يكفي لتجاوز كل آثار المراحل الماضية.
كان كثيرون يعتبرون أن العلاقة بين "القوات" و"المردة" ستنهار عندما ذهب الدكتور جعجع إلى خيار دعم ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، ولكن العلاقة وإن كانت اهتزت فإنها لم تقع وبقيت خطوط التواصل مفتوحة مع "المردة" لأن ما حصل كان يتجاوز مسألة انتخاب فرنجية رئيسًا للجمهورية لأن لعبة الرئاسة كانت محددة في إطار أوسع من علاقة "القوات" و"المردة" وتتحكم بمفاصلها حواجز كثيرة ما كان ممكنا تجاوزها إلا من خلال خطوة جعجع الجريئة التي قلبت المقاييس والمعادلات.
لم يكن مضى أكثر من ثلاثة أشهر على انتخاب عون في 31 تشرين الأول 2016 حتى كان وزير الإعلام في حكومة الرئيس سعد الحريري ملحم الرياشي يحط في بنشعي في 27 كانون الثاني 2017 زائرًا رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية مؤكدًا على استمرار العلاقة بين "القوات" و"المردة".
بعد ذلك في 29 حزيران من العام نفسه كان نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني أيضًا زائرًا في بنشعي مؤكدًا على هذه العلاقة، ليستقبل الدكتور جعجع بعدها في معراب في 23 آب 2017 الوزير السابق القيادي في تيار المردة يوسف سعاده. حتى ذلك التاريخ كان تفاهم معراب لا يزال يحكم العلاقة بين "القوات" ورئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر، وبالتالي لم تكن تلك التطورات على صعيد العلاقة مع "المردة" ردة فعل على العلاقة مع "التيار الوطني الحر" أو رئيسه جبران باسيل، فـ"القوات" كانت حريصة على الفصل بين العلاقات وعلى أن لا تكون أي منها كنتيجة سلبية أو إيجابية للأخرى باعتبار أنها تسعى إلى علاقات مفتوحة مع الجميع تراعى فيها الخصوصيات حتى لو كان هناك اختلاف في بعض العناوين الإستراتيجية.
منذ بدأت اللقاءات الثنائية بين ممثلين عن "القوات" و"المردة" لم تتراجع الإيجابية في التعاطي على رغم كل الحوادث التي كان يمكن أن تؤدي إلى انهيار العلاقة من حادث راس العين إلى حادث بصرما اللذين سقط فيهما ثلاثة رفاق في "القوات اللبنانية" ورابع من "المردة".
بوعي كبير تم تجاوز هذه الأحداث من أجل فتح صفحة جديدة، وهذ الإرادة الموجودة عند الطرفين سهّلت استكمال اللقاءات بإيجابية. وحتى قبل أن يتم الإعلان عن ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية وكخيار للرئيس سعد الحريري في أواخر العام 2005 كانت "القوات" قد بدأت تبحث مع "المردة" في مثل هذا الإحتمال ولم يكن الذهاب إلى خيار العماد عون انقلابًا على "المردة" بل مقارنة بين خيارين، ذلك أنه حتى لو كانت "القوات" أيدت فرنجية في تلك المرحلة فلم يكن من المؤكد أن الطريق ستفتح أمامه إلى قصر بعبدا.
لا شك في أن سوء العلاقة بين "المردة" ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر ساهم في تسريع استعادة الحرارة إلى العلاقة بين "القوات" و"المردة". فعلى رغم التحالف الذي كان قائمًا بين التيارين وانضواء فرنجية تحت سقف الرابية على مدى أعوام، فإن الإنهيار الذي حصل بينهما قبل انتخاب عون وبعده لم يكن قابلاً للترميم. ومما زاد في تفاقمه العلاقة السيئة بين فرنجية وباسيل التي بدا وكأنها غير قابلة للإصلاح والتغيير إلى الحد الذي جعل فرنجية يقول لـ"القوات" إننا استطعنا أن نتحملهم لمدة أعوام ولن تستطيعوا تحملهم لعام واحد، وإنه بفضل باسيل سيكون اللقاء بينه وبين الدكتور سمير جعجع أقرب من لقائه مع الرئيس عون. وربما هذا ما هو حاصل اليوم.
لم يكن أحد يتصوّر مثلاً أن يصل يوم تكون فيه "القوات" أكثر حرصًا على تمثيل "المردة" في الحكومة من رئيس الجمهورية وباسيل. فـ"المردة" و"القوات" يتعرضان معًا لعملية تحجيم وإقصاء وعزل يقوم بها باسيل في الوقت الذي كان عليه أن يكون أكثر حرصًا على توثيق العلاقة معهما خدمة للعهد. ولكن تجاه هذه الحرب المعلنة ماذا يستطيع أن يفعل "القوات" و"المردة" أكثر من ذلك؟
ثمة كلام كثير عن أن اللقاء بين الدكتور جعجع والوزير فرنجية صار قريبًا. وثمة كلام كثير عن أنه سيعقد في مكان وسط بين معراب وبنشعي. في ضوء كل ما يُقال لم يعد مهمًا المكان والزمان، ذلك أن اللقاء سيبقى سرًا بين الطرفين وربما لن يتم الإعلان عنه إلا بعد حصوله وعندها لا يعود مهمًا المكان والزمان بل الحدث بحد ذاته.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News