كتب نجيب صعب في صحيفة "الشرق الأوسط":
أطلقت الحكومة اللبنانية مؤخّراً، في سعيها إلى تخفيف التلوث من وسائل النقل، خطّة لتشجيع السيارات الكهربائية والهجينة. وتنطوي التدابير المعتمدة على إعفاء شامل من الرسوم الجمركية على السيارات التي تعمل بالكامل بمحركات كهربائية، وتخفيض يصل إلى النصف على السيارات الهجينة التي تعمل على الكهرباء والوقود في الوقت نفسه.
هذه خطوة مطلوبة في بلد يعاني تلوّثاً حادّاً في الهواء، لكنها تبقى قاصرة عن تحقيق نتائج ملموسة إذا لم تكن جزءاً من خطة أكبر لتنظيم قطاعَي النقل والطاقة. فقد وجد تقرير صدر حديثاً عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أن لبنان يحتل مرتبة متأخرة جدّاً في تصنيف نوعية الطرقات (121 بين 137 دولة)، ولا يقل عنه سوءاً بين الدول العربية إلا اليمن وموريتانيا. أما توليد الكهرباء، التي تعتمد عليها السيارات الكهربائية للتغذية، فيتم بأساليب بالية تستخدم أشد أنواع الوقود تلويثاً، إما في محطات قديمة تقصر عن تلبية حاجات الاستهلاك، وإما من مولّدات خاصة منتشرة في الأحياء السكنية. وقد وجدت دراسة أعدها باحثون من الجامعة الأميركية في بيروت أن مولّدات الكهرباء أبرز سبب لتلوث الهواء في المدينة، الذي وصل إلى معدلات هي بين الأكثر ارتفاعاً في العالم. فما الأثر على تحسين نوعية الهواء باستخدام سيارات يتم شحنها بكهرباء منتجة من أكثر المصادر تلويثاً؟
إلى جانب الوضع السيئ لشبكة الطرقات، يشكل غياب النقل العام سبباً رئيسياً لزحمة السير والاختناقات المرورية. فخط السكك الحديد، الذي كان يربط ساحل لبنان الشمالي بجنوبه عبر بيروت، توقف عن العمل منذ عقود، مما اضطر الناس إلى استخدام سيارات خاصة للانتقال إلى أعمالهم على شبكة طرقات متهالكة، ناهيك عن حصر نقل البضائع في الشاحنات. وشبكة الترام (ترامواي) الكهربائية ألغيت في التخطيط الجديد للمدينة، مما أجبر الناس على اعتماد السيارات الخاصة للتنقل، حتى لأقصر المسافات. أما حافلات النقل العام، التي تنقل الناس بين المناطق المختلفة، فغائبة، وقد حلّت مكانها حافلات متهالكة، يديرها أفراد وشركات خاصة، تعمل بلا رقابة فعلية وتفتقر إلى أدنى متطلبات السلامة والراحة، ولا تعتمد خطوط سير عملية تستجيب لحاجات المواطنين.
وليس تنظيم المدن أفضل حالاً. فتخفيف حدة الازدحام المروري لا ينحصر في شبكة الطرقات ووسائل النقل، بل يقوم أيضاً على توزيع استخدامات الأراضي، بين نشاطات السكن والعمل والتسوّق والترفيه. وهذا يقتضي وضع خطة متناسقة تؤمن انتقالاً يسيراً بين هذه النشاطات المختلفة، مع ربطها بشبكات للنقل العام سهلة الاستخدام. والثابت أن خلق فرص عمل وإنشاء مراكز تربوية وترفيهية خارج المدن الكبرى وإيصال الخدمات الحديثة إليها، كلها متطلبات ضرورية لمعالجة الاختناقات المرورية.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News