"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
ذات أيّار، وقفَ الوزير السّابق والنائب نهاد المشنوق عند مرساة "دار الفتوى" مخاطبًا "الكِنّة" لكي تسمع "الجارة":"أنا أعرفُ أنّ عيدَ الأضحى يكون مرّة في السنة، وليسَ كلّ أيّام السنة عيد الأضحى، ولا كلّ يوم هناك عيد الأضحى".
في تلك اللحظة الحرجة، كان المشنوق يضع يده على الجرحِ السياسيِّ النازفِ من بيت الوسط، الذي حوَّل كل أيّام السنة تقريبًا إلى موائدٍ لتقديمِ القرابين على مذبحِ الطاعةِ السياسيّةِ... ومع تعدّدِ الأسماء، من تمام إلى الصفدي، يبقى الهدف واحدٌ: "البقاء".
ولأننا "لسنا غنمًا"، نريد ترداد ذات العبارة التي ردَّدها المشنوق حينها، ونحن اليوم أمام اللحظات الحرجة وفي أمسِّ الحاجة إلى تشكيل الحكومة، المشابهة تقريبًا لتلك الفترة: "ليس كل أيام السنة عيد الأضحى".
سيتبلور الجواب عمّا قريب، ربما حين يصبح الشيخ سعد الحريري على يقين، بأنّ لعبةَ "عضِّ الأصابعِ" التي يعتقد أنّها في صالحه، قد يكون أول من يتلوَّع بها، أو ربما قد تحمله نحو اعتماد خياراتٍ تعارض مزاجه، وإن تضييع الوقت كما يجري اليوم من شأنه أن يكسره غدًا!
وإلى حين حدوثِ ذلك، هناك شخصٌ أو أكثر، من الذين يتحضَّرون للانضمام الى "جوقةِ الطامحين" كأعضاءٍ في حفلةِ "القرابين"، منهم، أصحاب خبرة في مجال إحتراق الأسماء، ومنهم أصحاب خبرة في حرق الأسماء!
في العادة، من يُعاني من حروق تدخل في دائرة الدرجة الأولى أو الثانية، يُلازم الفراش أو يخضع لعلاجٍ طبي، لكن البعض قد لا تعنيهم هذه القواعد، ورغمَ درجة حروقهم، ما زالوا يقفون في الصفوفِ الأولى أو الثانية بحثًا عن منصبٍ.
السيّد بهاء الحريري الذي اُعيدَ طرح إسمه من العدم، مثالٌ يحتذى به.
خلال الفترة التي استقال فيها رئيس الحكومة من السعودية، كان بهاء يتجهَّز لتنصيبه وليًا على العرشِ، وربّما خطَرَ له أنّ العودة إلى الايام الخوالي في شتاءِ عام 2005 حين "نوديَ" به زعيمًا قبل أن ينقضي أمره بعد ساعاتٍ لمصلحةِ شقيقه، قد تتحقَّق على "جثّةِ شقيقه السياسيّة" المُحتَجَزة في الرياض. لكن شاءَت الأقدار السياسيّة والمصلحيّة المتحكِّمة في مقدّرات لبنان أن تزيلَ عنه ذلك الاحتمال، ليسقط إقتراح التنصيب أمام مقولَتَيْن وحدثٍ: "لسنا غنمًا" و"لن نقبل"، مع تكافل وتعاضد الشركاء، من ميشال عون وجبران باسيل إلى نبيه بري والسيّد حسن.
اليوم، يعود هذا الاحتمال من بوابةِ تسريباتٍ لا يُمكن إعتبارها "خاوية" أو أنها تأتي منفصلة عن سياقٍ يجري خوضَه في بيروت.
للمصادفةِ، يَقِف خلف تلك التسريبات أفرادٌ من غير الهواة في السياسة، بل ينتمون إلى المعشرِ السياسيِّ عينه الذي كان يلتقي في ضيافةِ فناجين القهوة المتطايرة بنسخها المتعدِّدة وبإمامة المرجع السعودي الشيخ المعلوم بسفيرٍ!
ومن المفارقات أيضًا، أنّ الأجواءَ السياسيّة التي تحوم في سماءِ البلاد اليوم، تشبه إلى حدٍ كبيرٍ مرحلة 4 تشرين الثاني 2017 حين اقترف سعد الحريري الخطيئة الكبرى بعدم تمكّنه من تعديل طبيعةِ علاقته السياسيّة ضمن التسوية الرئاسيّة، فمضى إلى حتفهِ أسيرًا.
في تلك المرّة، نجَحَ بالاستقالة لكنه لم ينجح بديمومة المحافظة عليها لكونها كانت نابعة من دوافعٍ سعوديّة لا لبنانيّة، بيد أنّ هذه المرّة، تأتي الدوافع لبنانيّة صرف مع تدخلات خارجيّة طبعًا ضمن حدودٍ معيّنةٍ نجَحَت حيث فشلت في المرّة الفائتة... فهل يحمل هذا النجاح نجاحًا آخر على صعيدِ عودة "مفهوم التنصيب وليًا على الطائفة؟".
ربما نعم، حيث أنّ الحقائق والوقائع تقولان أنّ ثمة من يطمح الى اعادة استنهاض هذه المعادلة داخليًا، ولو من حيث إمكانية طرحها فقط على بساطِ التفكير، وربما يكون مصدرها يُغازل عميق أفكار من هم في الرياض اليوم، الذي يوحي أنّه يتموضَع خارج الاهتمام في المعادلة اللبنانيّة، لكنه في الحقيقة يوظِّف أدوات سياسيّة في الداخل وعبر الشاشات ربما تقود إلى تسويق من يصلح اعتماده في المرحلة المقبلة.
وللحقيقة، إنّ المرشحين هم كثرٌ، يتراوحون من وزنِ تاجرٍ ورجل أعمالٍ إلى درجةِ نائبٍ. على ذمّة الراوي، فإنّ إحتمالات عودة من إحترقت صورته سابقًا، (قاصدًا بهاء الحريري)، قد لا تكون متوفرة حاليًا أيّ في المدى المنظور أو في هذا الزمن ضمن المدى المتوسط، خاصّة مع وقوع التجربة الماضية في دائرة انكشاف تكوينها وأساليبها ومخطّطاتها، ممّا أسهَمَ في خلقِ حالةِ رفضٍ كاملةٍ لها.
لكن بمطلقِ الأحوال، فإنّ الاحتمال يبقى بدرجةٍ ما متوفرًا أو موجودًا على المدى البعيد، رغم أنّه ومن الغباء السياسي، أن تجريَ العودة إلى أسماءٍ محترقةٍ على قاعدة أنّ "الضربَ في الميت حرام".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News