"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
مَا لم يقدر مجلس الأمن على تحقيقه مجتمعاً طوال أعوامٍ فعلَه إنفجار 4 آب!
في لحظة تخلٍ عن كافة صنوف السيادة بدءاً بتوكيل فريق أمني – سياسي يجلس في الاليزيه إدارة الملف اللبناني تحت ظلال المبادرة الفرنسية وصولاً الى تحقيقات مباحة التصرف والاستخدام وموضوعة بتصرف أكثر من جهاز أجنبي، تسللت قوة أممية من على متن العنبر رقم 12 إلى دخل مرفأ بيروت المدمر لتُعسكر في ساحته... هكذا ببساطة، سقط المعبر البحري الرسمي اللبناني الوحيد في خانة التدويل!
الكلام السابق عن تدويل المرافق الحيوية اللبنانية تحت ذريعة البحث عن أسلحة حزب الله بات أمراً واقعاً، أو يكاد، أقله هكذا يظن أصحاب الفكرة. القضية تبدأ بالمرفأ ولا تنتهي في المطار. في أيار 2008 جرت محاولة لفرض التدويل على المطار سرعان ما اجهضت عسكرياً، فهل يرمي البعض إلى تنفيذ محاولة مماثلة متظللاً بالحاجات الإنسانية؟ القضية مفتوحة إذاً طالما أن الهدف ما زال قائماً.
عملياً، الكارثة لم تعد تُقاس بأعداد الضحايا فقط، ولا بخروج مرفأ إستثنائي على ضفاف المتوسط عن الخدمة، ولا بالنتائج الاجتماعية المترتبة عن ذلك، ولا بالخسائر الاقتصادية التي تحققت، ولا بالأهداف السياسة المَنوي تحقيقها، الكارثة تقاس بدءاً من رأس النزيف الهائل في جرح السيادة وصولاً لأخمص قدمي السلطة الغارقة في مهب المبادرات.
بكبسة زر إنفجار تحوّلت قوة اليونيفيل من جهة مخوّلة حفظ السلام في الشطر الجنوبي من نهر الليطاني إلى قوة مساعدة ومؤازرة في مرفأ بيروت. هكذا ومن دون تكبد أي جهد بذريعة الحاجة عقب إنفجار المرفأ أدخلت اليونيفيل وبشكل أحادي تعديلاً على نص قرار تفويضها رقم 1701، بالممارسة، ومن خارج إجتماع مجلس الأمن وعبر إستغلال حالة الضياع اللبنانية والتخبط السياسي السائدة. هكذا، استحدثت مفرزة في المرفأ تتألف من 150 ضابطاً وجندياً متعددي الجنسيات تحت ذريعة المساعدة في إزالة آثار إنفجار بيروت. يحدث ذلك بعد مرور شهرين على وقوع الكارثة.
الخبر الذي عمّمته قيادة قوات اليونيفيل في لبنان تطلب التدقيق. معلومات "ليبانون ديبايت" بينت أن قيادة اليونيفيل تقدمت بطلب "توسيع مهام" عقب وقوع انفجار المرفـأ في 4 آب، لكن التدقيق لم يلمح في اي حال من الأحوال إلى أي دور للحكومة اللبنانية في رفع الطلب. بهذا القدر يصبح مطلوباً من الحكومة تبيان موقفها. هل هي على علم بطلب توسعة المهام وهل ورد إليها وقامت برفعه أم لا؟ ما هو واضح حتى الآن أن ثمة طلباً قد رفع من الناقورة وجاءت الموافقة عليه من نيويورك ثم تولى قائد القوات الدولية العاملة في لبنان الجنرال ستيفانو دل كول إبلاغ الجانب اللبناني عبر قائد الجيش جوزاف عون موافقة الأمم المتحدة على "التفويض" خلال لقائهما بتاريخ 16 أيلول، أي قبل يوم واحد من إنتهاء مهمة القوة الفرنسية ومغادرتها الأراضي اللبنانية. هنا، انحصر دور قيادة الجيش كوسيط. تلقت من اليونيفيل وأبلغت إلى الحكومة، فقط! الخطير، أن هذا التصرف قد يصبح عرفاً في ظل شعور اليونيفيل بـ"فائق قوة". عليه، ما الذي يمنع أن تطلب اليونيفيل لاحقاً تفويضاً للمشاركة في أعمال "مراقبة الحدود" الشرقية تحت ذريعة الحاجة نفسها؟
هنا، لا تتحمل قيادة الجيش مسؤولية الانتقاص من مفهوم السيادة، يفترض أن يوجه السؤال إلى المجموعة السياسية الممعنة في ضرب هذا المفهوم، إلى الذين باعوا واشتروا في مقاومات الدولة، تحديداً إلى الحكومة وعن دورها. ذريعة الدخول هي المساعدة إذاً، لكن السؤال، لماذا تأخرت المساعدة كل هذه المدة وحضرت بعد مرور شهرين على وقوع الانفجار؟ ما الداعي إلى هذه المساعدة الآن بعد أن شارفت عملية رفع آثار التفجير على الانتهاء؟
كل الاسئلة تحملنا إلى الظن بوجود أهداف مضمرة من وراء الخطوة. لا مجال للتنكر أو نسيان أن مجلس الأمن الدولي سعى لأكثر من مرة وبأكثر من وسيلة إلى إدخال تعديلات على المهمة الرئيسية لقوات اليونيفيل كي تشمل الانتشار عن الحدود الشرقية والإشراف على المعابر الحدودية، لكنه فشل ولم ينجح في تحقيق أي من ذلك، فهل جرى استغلال إنفجار المرفأ من أجل إدخال تعديلات جوهرية على النص؟
كل المعطيات تقود إلى ذلك. ليس سراً أن اليونيفيل سعت إلى هذا الهدف. قيادة الجيش اللبناني كانت وما زالت في الصورة وفي أماكن كثيرة قادة المواجهة. قيادة المقاومة على بيّنة من أمرها. بعض المستويات الشعبية شاهدة على حصول تغييرات واسعة في أداء القوات الدولية.
إستقدام معدات عسكرية وتقنية ولوجستية مختلفة لم ينص عليها القرار، كالمسيّرات مثلاً لم يعد أمراً مخفياً. يحدث كل ذلك ضمن نطاق منطقة عمل اليونيفيل ويتسبب بضوضاء شعبية، ويحدث ذلك الآن في المرفأ. ما يحصل في المرفأ أكبر من عملية مشاركة في رفع آثار تفجير مدمر، أنه تغيير في مندرجات القرار الأممي بالممارسة، شيء أقرب إلى تدخل عسكري خارجي في أمر داخلي لبناني، يقارب إلى حدٍ ما إحتلال مرفق استراتيجي حيوي!
الآن، ما الداعي إلى هذا الإنزال طالما أننا فرغنا من رفع الآثار المدمرة؟ القضية تذهب باتجاهات أخرى في ظل الحديث عن "عسكرة الازمة اللبنانية". الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ألمحَ إلى شيء من ذلك حين تحدث عن عدم قدرة أوروبا على توفير حماية دولية للبنان! فهل يرمي إلى محاولة توفيرها عبر القوات الدولية؟ إذا ما صح ذلك، حماية دولية ممن ولأجل من ومن طلبها؟
في الحقيقة، عبارة الحماية الدولية ليست جديدة ولم تَرد حصراً عن لسان ماكرون. غداة وقوع إنفجار بيروت هناك فئة تطلق على نفسها "ثواراً" تحدثت بهذا النفَس في الجميزة تحديداً وردّدت هذا المطلب عبر وسائل الإعلام بذريعة "حماية المناطق المسيحية". آخر مرة تدخلت باريس بناءً على دعوات لبنانية وأنزلت قوات كان ترعى حماية بواخر وظيفتها تهجير لبنانيين!
الآن، هل ثمة مخطط لتهجير أحد ما؟ هل هناك نيّة لتوفير حماية وبناء على طلب من؟ هل ثمة نية في إبقاء عين مفتوحة على معبر بحري من خلال التدخل المباشر تحت ذرائع مختلفة من بينها إستخدامه من قبل حزب الله؟ أم أن هناك رغبة لدى عواصم محددة في إيجاد موطئ نفوذ له على ضفاف المتوسط بإستخدام فزاعة الحزب"..؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News