"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
لِمَن فاتَه المشهَد، تَذكيرٌ بأسفَلِ دَرْكٍ وصلَ لبنان إليه. نودِّعُ الصراعَ السياسيَّ المنفتِح ونرحِّبُ بالصّراع الدّيني المَفتوح. لِم لا؟ لنا باعٌ طَويلَةٌ في التذابُح. الحرب اللبنانيَّة المُكنّاة "أهليَّة" والتي مزّقتنا كاَنت بروفا لَطيفَة. لملَمَتْها الأطرافُ المتنازِعَةُ باعتِماد الفلسطيني كبش محرقَة. اليوم لم نَعدْ بِحاجَةٍ إلى كِبش. الغول كشّرَ عن كلِّ أنيابِه. المواجَهَةُ المارونيَّةُ السنيَّةُ حامِيةُ الوَطيس. مرَرنا بِمعموديَّة الحرب المارونيَّة الدرزيَّة عام 1860. عشرون ألف شهيد من المسيحيين وتَدمير ثلاثمِئَة وثمانين قريَة مسيحيَّة وخمسِ وستين كنيسَة. يَومها كانت المَطالِبُ إجتماعيَّة. صِراعٌ بينَ الفلاحيّن والإقطاع. العدالَةُ الإجتماعيَّةُ عنوانٌ يستحقُّ سقوطَ شُهداء. الرّغيفُ والذلُّ مجتَمِعَين يؤدّيان إلى الثّورَة. اليَوم نحنُ في عنوانٍ آخَر. الموارِنَة والسنَّةُ يحارِبان بأسلِحَة إلهيَّة. هذا أسفَلُ ما يمكِنُ أن تَصِلَ إليه الفتنِة.
عمليّاً ما نسمعُه هوَ طُبولُ حَرب. حربٌ دينيّةٌ صِرف. إنتقالٌ بسرعَةِ الضوء مِن صراعِ صلاحيّاتٍ إلى صِراعِ أديان. العالَم كلُّهُ طَوى صفحَة هذا الخَجَلِ التاريخيّ إلا لبنان يستحضِرُ حرباً انتَهَتْ في أوروبا مع جان دارك. نجَحَ المُفتِنون مِن هنا ومِن هناك في تَسعيرِ الخِطاب. قَريباً سيحوّلوهُ سيفاً وتِرساً بينَ صليبٍ ومئذَنَة. بينَ الكاهِن والشّيخ. السياسةُ في لبنان بدأَتْ تَقتاتُ مِن صلاةِ الجمعَة وعِظَةِ الأحَد. الأسوأ أنها تَغرفُ مِن أعدادٍ متنامِيَةٍ من الأتباع. جيوشٌ تحرّكُها غيرَةُ الدّين. سرعَةُ الإنتشار أسوأُ من إلتِهامِ النار للأحراجِ اليابسَة. منصّاتُ التواصل تهتمُّ بإشعال الفَتائِل. لَن يقوى أيُّ مؤتَمَرٍ تأسيسي على محاصَرَة النار إذا أُضرِمَت.
مفتَعِلو الحَرائِق بِلا أخلاق. بِلا تربيَة وبِلا ضَمير. نحنُ أمام أزمَةِ أخلاق وليسَ أمام أزمَةِ نِظام. مِن سِماتِ الحروب الدينيَّة أنها تتراشَقُ بالفقهاء. حربٌ تخرجُ عَن طَورِ الحجَّةِ والبرهان لتنتَهِجَ الغريزةَ والنّعرَة. السّجالُ الدائِرُ راهِناً لَه وظيفَة محدّدة. إقناعُ المسيحيين أوبعض المسيحيين أنّهم على وشك ان يُصلَبوا بالمَقلوب. عَلى شاكِلَة القدّيس بطرس. قَريباً سيتشبَّهُ السنّةُ بأبي حَذيفَة بِن عَتَبَة. سنكونُ أمامَ حَربٍ يقنّصُ فِيها شهداء على شهداء. نَموذَجٌ لبنانيٌ مقرِف. مقزِّز. مُهين للحَضارَة. مُذلّ لكلّ ما آمنّا به. منحَطٌّ وحَقير. لبنان الرّسالَة وحِوار الأديان يعود آلاف السّنوات إلى الوراء ويحمِلُ الرّماح والدّروع والفؤوس.
نعيشُ زمنَ الدّواعِش. داعِشٌ مسيحي بإمتياز. ليتَه كانَ داعِشي بالعَقيدَة. هزيمتُه كانت أهوَن. هَندِس كِذبَة. نَمِّق مَظلوميَّة. إدهَنْ وجهها بغبن طائِفي. إتَّهِم الآخَر بِها. إجعَل مِنها مصطَلَحاً شعبيّاً. عندها يسامِحُكَ شعبكَ على موبِقاتِك. سيتذكَّر فَقَط أنّه مهدّد في كيانِه الديني والطائِفي. وقتَذاك تؤبِّدُ سلطَتَك وتحارِبُ بشعبِك. شعبٌ يَموت عنك ومن إجلِك ظّناً منه أنه يَموت مِن أجلِ دينِه وطائِفَتِه.
لا ينفعُ خطابُ التهدِئَة في وجه الخِطاب الدّيني. لا يمكِنكَ تَطمينُ الخائِف أنّك بَريءٌ مِن دَمِه حتى ولَو كنتَ بَريئاً. إقحامُ الحقوقِ الدينيّة في تفسيرِ الدّستور ليسَ مثل تَفسير الطّبَري. الطّبري يؤنسِنُ كلِمَةً منزَلَةً ويُدنيها مِن الإفهام. إقحامُ الحقِّ الديني في تفسير الدّستور هوَ تَحويلُ الدّستور إلى نصّ ديني.
بالطّبع يمكن التوصّل إلى تَفاهمٍ بينَ الجيشَين المُجَيَّشَين. وَقفُ السِّجال الإعلامي. الإمتناعُ عَن الردّ وامتناعُ الرَدِّ عَلى الرَدّ. في الضغينَةِ الدينيَّة يا سادة لا مَكان للنسيان. الحِقد يصبِح سليقَة.
لبنان لَم يَعُد وَطَناً. لَم يَعُد بَلداً. حتى الحَديثُ عَن أزمَةِ نِظامٍ أو أزمَةِ حكمٍ أو أزمَةِ حكّامٍ أصبَحَ حَديثَ مَتاهَة. نحنُ في بؤرَةٍ يتمدّدُ فيها العنفُ اللفظي ليولِّدَ إرهاباً وقتلاً وتَدميراً. إطرَحوا الصّوتَ اليوم يا سادَة وجنِّدوا إستِشهاديين في حربِكم العَبثيَّة سَتجدون جنوداً مستَبسِلين في سبيل المَوت أينَ منهم جنود الجيش الإنكشاري. نحنُ بِحاجَةٍ إلى معجِزَةٍ تنقِذُنا مما يَنتَظِرنا. ربّما قليل مِن الصّلاة يَستَسقي عَلينا بَعضاً مِن رحمَة ويجنّبُنا التفرّجَ بِعجزٍ مُطلَق عَلى تَدميرِ أجملِ بلدٍ في العالَم.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News