المحلية

الاثنين 08 آذار 2021 - 09:14

قراءة أخلاقية في إتفاق مار مخايل

قراءة أخلاقية في إتفاق مار مخايل

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

العالمونَ بأمرِ حزبِ الله يَعرفون أنَّ سببّينِ حالا طوالَ هذه السّنوات دونَ فَكِّ تحالفِه مع التيار الوطني الحر. الأول ردُّ جميلٍ لمؤسس التيّار في حرب تموز التي أمَّنتْ غطاءً مسيحياً للحزب وفّره العماد عون آنذاك من خلال مواقفَ تاريخية. توفُّرَ الغطاء ما كان ليتِمَّ من دونِ رأيٍ عامٍ مسيحيٍ كان العمادعون ومن خلاله تيارُه يمثلانه بشكل واسع في العام ٢٠٠٦.

الثاني منظومةٌ أخلاقيةٌ عميقةُ الجذور متمثلةٌ بسلوكياتِ وفاءٍ هي خارج المنطقِ المصلَحيّ الذي يَحكمُ الصداقاتَ والعداواتَ في عالمِ السياسة. التَّفتيشُ عن جذورِ هذه السلوكيات يمرُّ حُكماً بثابتةٍ أساسيةٍ وتكوينيّةٍ لدى حزب الله وهي رسوخُ عقيدتِه الملتزمةِ دينياً.

الثباتُ في الحلف تشريعيٌ في الإسلام. يُستعانُ لتدعيمِه بالصَّبر. قالَ الرسولُ الأكرم " وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْر ". ومن أجلِّ مَراقي الصّبر استيعابُ الصّدمةِ الأولى التي غالباً ما تكونُ الأقوى فتهونُ الصدماتُ التي تليها. صدمةُ حرب تموز ما كانت لتستحيلَ " عطاءً خيراً " لولا قوةُ المقاومة في سلاحِها ومناعتِها في بيئتِها الأضيق والأوسع. في أوسعِها كانَ للتيارِ الوطنيِّ الحرّ دورٌ تَكويني.

محنةُ الأخلاقِ الثابتةِ مع السياسة المتقلبة. هنا تكمنُ المسألةُ الجوهرية. كلُّ ما عدا ذلك تكتيكاتٌ ومناوراتٌ وأجندات. هل بالإمكان الثباتُ أخلاقياً على تحالف خدمَ أهدافَه بدقَّة وعِنايَة الطّرَفَين منذ خمس عشرة سنة وهَل تحوّل فيه أحدُ طَرَفَي التحالف من حالٍ الى حال؟

إعتِمادُ رؤيةٍ موضوعيةٍ لحالِ التيارِ الوطني الحَرّ اليوم تفيدُ أمرين. الأول أنه فَقَدَ جزءاً كبيراً من قدرتِه التمثيلية في البيئة المسيحية التي كان يمثّلُها منذ العام ٢٠٠٦. الأغلبيَّةُ النيابيَّةُ لَم تَعُد نَموذَجاً تَمثيلياً يُعتَدُّ بِه حَصراً. إستِعمالُها في إعادَة تأهيل الذات السياسيّة للتيّار غير مقنِع. الثاني تعرُّضُه لتمزّقاتٍ مُتتاليةٍ ترَكَتْ فيه نُدوباً باتَت تُعيقُه عن القِيام بواجباتِ تحالفِه بشكلٍ يجعلُه ضرورةً لحليفِه. خروجُ رموزٍ فيه عَن طورهم باتَ يَشي أن تياراتٍ في التَيار تَتَناتَشُ وِحدةَ موقفِه من المقاومة وسلاحِها.

الأسوأُ تَشييعُ مقولةِ تبادُلِ الأدوارِ في التيار بحيث يتولى ركنٌ من أركانِه التصعيد فيما يتولى رُكنٌ آخر التبريد وفقَ نظريةِ الضّغطِ على الحَليف ودفعِه الى تنازلاتٍ ظناً من أركانِ اللعبة في التيار أنَّ غيابَ أي مُحاوِرٍ مسيحيٍ آخر سيُعيدُ له أَلَقَ نجوميَّتِه وقدرتَه على تَمثيلِ البيئةِ المسيحية.

من إنجازاتِ حراك ١٧ تشرين إسقاطُ شرعيّةِ التّمثيلِ الأَحادي للمسيحيين وهذا بالتحديد سببُ من أسبابِ تَدهورِ الصحَّةِ الشّعبيةِ والسياسيةِ للتيّار في بيئته. الصدمةُ الأولى والأقوى التي استطاعَ حزبَ الله أن يستوعبَها في12 تموز لم يقوَ التيار على استيعابها في ١٧ تشرين.

بدأنا نقرأُ مؤخراً عن " مَسيحيُّو البطريرك " يُضافونَ على مَسيحيّي الأحزاب المسيحية خارجَ السلطة وبعض المجموعات الأُخرى التابعة لشخصياتٍ مستقلة. من هذا المنظار يمكنُ الإستنتاج ولو بحذر أنَّ إتفاق مار مخايل لم يَعد إطاراً صالحاً على الأقلّ بكل مندَرجاتِه الحاليَّة. حزبُ الله لن يحصلَ في الإبقاءِ عليه على عطاءِ بيئتِه الأوسع. التيّارُ الوطنيُّ الحرُّ فَقَدَ التوكيلَ المسيحيَّ الذي يَسمحُ له بالتّوقيع عليه بعدَ السطر الأخير.

كلُّ ما تبقّى مِن إتفاق مار مخايل هو أخلاقُ حزب الله. أخلاقٌ ثابتةٌ في مُواجهةِ سياسةٍ متغيِّرة. بَقيَ مِن الإتفاق غَطاءٌ شيعيٌ لرئيسٍ مسيحيٍ ولتيارٍ يعودُ لهذا الأخيرالفضلُ في تأسيسِه. يسهُلُ بعدَ ذلك الإعترافُ بوجودٍ مأزقٍ حقيقيٍ يَستوجِبُ حلُّه إمّا بِفصل الأخلاِق عن السياسةِ وإحداثِ ثِقبٍ شَعاعيٍّ في جدار الأزمة الكيانيّةِ التي تضربُنا وإما الحفاظُ على الثابتةِ الأخلاقيةِ بغضِّ النّظرِ عن التبدُّلاتِ السياسيَّةِ فَيَستحيلُ تحقيقّ أيِّ ثِقبٍ في الجدارِ السَّميك. لحزبِ الله ديناميّةٌ تخوّلُه قراءةّ ما يجري مِن إرهاصاتٍ في البيئتين الأضيق والأوسع

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة