في أول زيارة له إلى دولة عربية بعد توليه منصب وزير الخارجية السوري، وصل فيصل المقداد إلى عُمان. ولم يتضح ما إذا كانت جولة المقداد ستتوقف على السلطنة فقط أم ستمدد لتشمل دولا خليجية أخرى كانت تتبنى موقفا مشددا حيال نظام بشار الأسد، لكنها تدعو مؤخرا لضرورة عودة دمشق إلى "الحاضنة العربية".
ويرى خبراء أن التغير في مواقف بعض الدول العربية من النظام السوري تهدف إلى مزاحمة إيران وتركيا وروسيا في مرحلة ما بعد الحرب. إلا أن المصلحة الأساسية، والمتمثلة في تحقيق شيء من التوازن، مفقودة الآن.
ويقول مهند الحاج علي، الباحث بمعهد كارنيغي الشرق الأوسط لموقع "الحرة"، إن النظام السوري نفسه لا يرغب في إدامة الواقع الحالي، مشيرا إلى اختلال في التوازن لمصلحة إيران وروسيا وتركيا.
وأسفرت عشر سنوات من الحرب في سوريا عن مقتل أكثر من 387 ألف شخص، واعتقال عشرات الآلاف، ودمار البنى التحتية، واستنزاف الاقتصاد، ونزوح وتشريد أكثر من نصف سكان سوريا.
ولم يعكس الموقف العُماني تجاه الأزمة السورية الديناميكيات الإقليمية المتغيرة بنفس القدر الذي عكسه الموقفان السعودي والإماراتي.
فالسعودية التي نددت وزارة خارجيتها في 2014 باستمرار روسيا في دعمها لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، واصفة هذا الدعم بأنه "مثار الاستغراب والدهشة"، وأنه أحد الأسباب التي تشجع نظام دمشق على "التمادي في غيه وطغيانه"، تغير موقفها في 2021.
ومؤخرا، بحث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الرياض، مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الجهود الرامية للتسوية السياسية في سوريا.
وقال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي، مع لافروف، قبل نحو أسبوعين: "المملكة منذ بداية الأزمة تدعو إلى إيجاد حل لها، وحريصة على التنسيق مع جميع الأطراف بما فيهم الأصدقاء الروس فيما يتعلق بإيجاد سبيل لإيقاف النزيف الحاصل في بلد شقيق علينا ومهم لنا (...) هذا البلد يستحق أن يعود إلى حضنه العربي".
أما الإمارات التي دعمت المعارضة السورية خلال السنوات الأولى من الحرب وفي نفس الوقت استضافت بعضا من أفراد عائلة الأسد على أراضيها، فقد أعادت، وإلى جانبها البحرين، فتح سفارتها في العاصمة السورية في كانون الأول 2018.
وفي آذار الماضي، أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد اتصالا هاتفيا، بالأسد، هو الأول منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011.
وعن هذا التحول في الموقف، تحدث مهند الحاج علي، قائلا إن هناك اهتمام بإعادة تعويم النظام السوري، مرجعا ذلك إلى سببين.
الأول هو الاصطفاف في مواجهة الإخوان المسلمين وتركيا وقطر، "نظرا لتاريخ النظام السوري في مواجهة هذه القوى"، مستشهدا بأن "النظام واجه حركة حماس (التي تتبنى فكر الإخوان)، وما زال يرفض التصالح معها بأي ثمن"، بعدما رفضت دعم الأسد في الحرب الأهلية.
وتحتفظ تركيا بعلاقات طيبة مع قطر في وقت تضررت علاقاتها بدول عربية أخرى بارزة. وقدمت أنقرة والدوحة الدعم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ودعمتا مقاتلين يحاربون للإطاحة بالأسد.
أما السبب الثاني الذي تحدث عنه الحاج علي، يتعلق بإمكانية "لعب النظام دورا في التخفيف من التمدد الإيراني في سوريا"، قائلا إن الوجود العربي يُعيد التوازن إلى دمشق.
لكنه لا يعتقد أن "أحدا يقدر على لعب دور بشكل يسمح للنظام السوري بإيجاد توازن في علاقاته مع إيران (...) الرهان على انحسار كبير لدور إيران في سوريا، خاطئ وغير واقعي خلال المرحلة المقبلة".
ومؤخرا انتقد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي عبد الله بن زايد العقوبات الأميركية، المعروفة باسم قانون قيصر، قائلا إنها تعرقل عودة سوريا إلى الساحة العربية، والتي يمكن أن تسهم في تسوية الصراع السوري.
وفي حزيران 2020، أعلنت الولايات المتحدة أشد عقوبات أميركية على سوريا، "قانون قيصر"، وهي عقوبات توسع من سلطة مصادرة أرصدة كل من يتعامل مع سوريا بغض النظر عن جنسيته، وتشمل قطاعات من التشييد والبناء إلى الطاقة.
و"قيصر" هو الاسم المستعار لمصور سابق في الجيش السوري خاطر بالفرار عام 2014 من البلاد، وبحوزته 55 ألف صورة لأعمال وحشية ارتكبت في سجون النظام السوري.
وفي هذا السياق، قال حاج علي: "ثمن إعادة تعويم النظام اقتصاديا أكبر بكثير من طاقة الدول العربية، نظرا للعقوبات الأميركية والأوروبية في هذا المجال".
وبحسب الباحث بمعهد كارنيغي، فإن العائق الأساسي أمام عودة سوريا للحاضنة العربية، هي "العقوبات واحتمال تأثيرها على من يتعامل مع النظام".
وأضاف "أي دور عربي، وتحديدا في المجالين السياسي والاقتصادي، قادر على المساعدة. أي دور عربي في إعادة الإعمار أو مساعدة النظام السوري على تخطي أزمة سعر صرف الدولار سيُعيد بعض التوازن إليه، ويُخفف من النفوذ الإيراني".
وبالتزامن مع هذا التغير الديناميكي، عقد كبار المسؤولون في وزارات الخارجية في أربع دول عربية (السعودية، الإمارات، مصر والأردن) اجتماعا تشاوريا لبحث سبل تسوية الأزمة، "وصون عروبة سوريا، ومقدرات الشعب السوري الشقيق".
لم تتضح ماهية السبل التي يبحثها العرب لتسوية الأزمة، لكن الخارجية المصرية قالت إن السبل تتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 بما يحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها.
وينص قرار مجلس الأمن الرقم 2254 الذي أقر في كانون الأول 2015 على مراجعة الدستور، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي أيلول 2019، تشكلت اللجنة الدستورية المكلفة بمراجعة دستور عام 2012، وعقدت أول اجتماعاتها بعد شهر من ذلك في جنيف بحضور 150 شخصا، لكنها لم تحقق شيئا حتى الآن.
ويقول جمال عبد الجواد، عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، لموقع "الحرة": "النظام السوري لم يقترح خطوات على الأطراف الأخرى، رغم أن بعضا من الدول أعادت العلاقات معه وفتح السفارات، واستقبلت مسؤوليه السياسيين".
ووفقا لعبد الجواد، فإن "النظام السوري لم يقدم شيئا، وأعتقد أن هذا ما تتناوله المفاوضات العربية".
وفي اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد بداية هذا الشهر، نادى البعض بإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية التي علقت عضويتها في تشرين الثاني 2011 بينما قطعت عدة دول العلاقات الدبلوماسية مع سوريا.
ويعتبر عبد الجواد المباحثات العربية بشأن إعادة عضوية سوريا إلى الجامعة "قضية رئيسية جدا".
وقال إن المباحثات تتطرق إلى النظر في طريقة عودة سوريا، وما إذا كانت ستشمل اتفاقا يضم الفرقاء، ويسفر عن نظام سياسي يختلف قليلا عن الحالي، مما يسمح بعودتها للجامعة.
ووفقا لعبد الجواد، فإن "الجميع يتطلع للفترة المقبلة، بالنظر إلى أعمال اللجنة الدستورية، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية" التي يجب أن تعقد بين 16 نيسان و16 أيار 2021، وفقا لقانون الانتخابات.
ومضى يقول: "الإقليم يتغير الآن في جميع الاتجاهات؛ دول الخليج وتركيا ومصر، للتوائم مع قضايا المنطقة، وفي هذا السياق يتم النظر إلى الأزمة السورية".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News