"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
غدا وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، تحت تأثير منخفض "الصنائع الجوّي". الموقع الذي يبعد جغرافيًا مسافةً قصيرةً عن "تلة السراي" يمثّل عملياً بالنسبة إلى ساكنه منطقةً شديدة الجاذبية وكان له أن خطفَ أكثر من زائر وضيف. موقعه الواصل بين عدة تقاطعات حوّله "مصنعاً" لإنتاج رؤساء الحكومات منذ أن ذهب الموقع إلى الحاضنة "السُنّية" وكان من قدراته أن جعل أكثر من "عابر سبيل" "مشروع زعيم".
تلفح رياح "السراي" هذه الأيام مضارب الصنائع تماماً كما تلفحه رياح "الكبتاغون". أنه لأمر جيّد أن يعثر وزير الداخلية الحالي على وظيفة ينشغل بها عن التصاريح في ظل ما تسبّبت له من وجع رأس، وفي ظل دولة تنهار ورواتب تتآكل، وبخلاف الوزراء الآخرين المشغولين بـ"طقّ الحنك" و"اللقلقة" على بعضهم، و رئيسهم. عملياً خطوة البحث عن الكبتاغون المفقود خطوة مرحب بها طالما أنها تسهم في إنهاء الظاهرة المرضية، وأشغلت الوزير برتبة عميد، عن المنابر وخفّضت من مستويات إحراجه!
ومن المفارقات التي تجسّدت من وراء ورشة الكبتاغون، أن البحث عن هذه المادة المخدرة، خلّف رابطاً ما بين المادة وموقع رئاسة الحكومة! صحيح أن في لبنان فصلاً "نصياً" للسلطات وسلطة منبثقة عن شعب "مخدر" تمثل السياسة بالنسبة إليه "مخدرات" يُدمنها تماماً كحال من يشتغل فيها، لكن الصحيح أيضاً، أنه وفي عصرنا الحالي قد يقود البحث عن المُخدّر إلى التعلّق برأس هرم سلطة تنفيذية، والبحث جارٍ عن حلاّلٍ لأمرها بعدما تعقّدت أمورها، وها هي تدخل شهرها التاسع ولازالت تدور في أزمة فقر مدقع!
على هذا الأساس، ثمة اعتقاد بأن شخصاً أو أكثر "نفخ" رأس وزير الداخلية أو قد يكون "وسوس" له بصوابية التقدم إلى الأمام وصولاً لإمكانية تبووء أدوار ما راهناً ، تأتي على قاعدة "المخرج" وبنتيجة الظرف الحسّاس الذي يقضي اعتماد الضرورات، وعملاً بوضعية عمله الحالي "المحفّزة للمركز" و"الحيوية الزائدة" ورابطة العلاقات المستجدة وما كوّنه على ظهر "ملف الكبتاغون"، وهو ما دفعه إلى تعزيز حضوره الميداني عبر "غارات المرفأ" والطيران الإستطلاعي فوق المعابر الحدودية، والإعلامي من خلال الإعتماد على "سرية مجوقلة" من الصحافيين. من هنا نمت فكرة، ومن المرجّح أن مصدرها إحدى غرف الصنائع، كان من أثرها أن أغوت وزير الداخلية بإبداء الجهوزية لأداء دور محوري في المرحلة المقبلة، وعلى هذا الأساس تم توكيل "أولياء الاعلام" مهمة تسريب خبر والشروع بالتسويق على أن تكون المهمة محصورة بقيادة فترة إنتقالية على رأس حكومة تُدير الإنتخابات وانطلاقاً من علاقات مفتوحة مع كافة المتخاصمين.
وعلى ما يبدو، وزير الداخلية مقتنع بالفكرة إلى حدٍ ما. صحيح أن أياً من المجالس السياسية لم يأخذ التسريب على محمل الجد، لكن الصحيح أيضاً أن ورشة الإعداد للهدف جارية على قدم وساق ولا مانع لها طالما أن "رجالات الصدفة" غدوا مرشّحين مطابقين لشروط التكليف في زمن القحط السياسي.
عملياً، يعتقد وزير الداخلية أن علاقته المستجدة مع الرياض تحت عنوان "البحث عن الكبتاغون" يمكن أن تقوده إلى تبووء ما يعتقد أنه جدير بنيله لاحقاً طالما أنه قرّر أن يشتغل بالسياسة، لكن الوصول إلى ذلك يتطلب مؤهلات ليس من ضمنها التودّد إلى السعودية على النحو الذي يحصل.
في الواقع، كل الإغراءات التي تقدّم بها لبنان مؤخراً إلى السعودية، وتحت رعاية الوزير فهمي، تحت عنوان ضبط أمنه وضبط شحنات تهريب الرمان وسواه، لم تنفع. الرياض ومنذ منتصف الشهر الجاري زادت من رقعة "الحصار" المفروض على لبنان، وقد ضمّت إلى قرار معاقبة المزارعين قراراً آخراً قضى بمعاقبة الصناعيين، ووقف العمل بإرسالياتهم أو السماح بعبور الشاحنات التي تحمل مواداً صناعيةً قادمةً منه عبر أراضيها حتى امتثال هذا البلد لشروطها المعروفة التي تقيّدها حتى الآن بتقديم معالجات جدية تكفل وقف التهريب، لكنها تستبطن العودة عن قرارها بجملة إجراءات على لبنان الشروع بها: ضبط حركة "حزب الله" ربطاً باتهامات المملكة حيال ضلوعه في الحرب اليمنية وإيواء الحوثيين على الأراضي اللبنانية ونقل الخبرات التقنية واللوجستية إليهم. وعلى ذمة قائل، فإن أكثر ما أزعج الرياض أخيراً، ملاحظتها كيف أن آخر عملية اقتحام لموقع سعودي تمّت عند الحدود مع اليمن، حاكت عمليات اقتحام الحزب لمواقع جيش العدو الإسرائيلي خلال مرحلة احتلاله لجنوب لبنان!
بعيداً عن كل ذلك، يستفيض الوزير فهمي في مغازلة السعودية في محاولةٍ منه لكسب ودّها. وصل الأمر إلى تضخيم عمليات القبض على شحنات الكبتاغون إلى حدود المبالغة والايحاء بخلاف الواقع احياناً، وعلى ما تؤكد المعطيات، فإن ما تم إحباطه راهناً من عمليات تهريب كانت في طريقها إلى السعودية يُعدّ أقلّ مما ذكر في الإعلام بمرات! عند هذه الضفة تولّد شعور بأن ثمة من يراهن على كسب ود الرياض تحت أي ذريعة كانت حتى ولو قضى الأمر أن يتم إدخال تعديلات على عمليات ضبط مواد مخدرة تُخالف صورتها الحقيقية. قد يجد الوزير فهمي من يُشاطره أسلوبه حين يُدرج كل ما تقدّم في خانة تأمين المصلحة اللبنانية العليا الساعية إلى ترفيع الحلول كمقدمة لرفع "القرارات العقابية" بحقه، إنما ثمة من يبرّر لوزير الداخلية تصرفاته إلى حدود التودّد للسعوديين وإبراز تلك الخطوات عبر الإعلام، لكن ما لا يمكن التساهل به أو تبريره ولا يعدّ مقبولاً إطلاقاً، ذلك الذي يأتي تحت خانة اللجوء إلى اعتماد سياسة الإنبطاح، لأمر يكاد أن يأخذنا إلى جلد الذات على أمر وقع و قد يحصل في أي دولة أخرى. فلماذا كل هذا الإنهيار أمام السعوديين الرافضين لغايته إعتبار الخطوات اللبنانية كافية إنما يطالبون بالمزيد، وغير جاهزين بعد للشروع بتعديل أي قرار "عقابي" اتخذوه أو ابداء الجهوزية لطرحه القضية على نقاش من دولة لدولة؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News