مشهدٌ معقّد تعيشه محافظة درعا السورية منذ أسبوعين، ولا بوادر للحل تلوح في الأفق حتى الآن، حيث تواصل قوات الأسد تهديدها باقتحام أحياء "البلد"، وترفع من سقف مطالبها لحل ملف الجنوب السوري كاملا.
وفي تصعيد هو الأعنف تعرضت الأحياء المذكورة ليل الاثنين- الثلاثاء لحملة قصف مدفعي وصاروخي من جانب قوات النظام السوري، بعد فشل الجولة الثالثة من المفاوضات بين اللجنة الأمنية التابعة للأخير واللجان المركزية التي تمثل الأهالي في مدينة درعا وريفيها الشرقي والغربي.
تجددت الاشتباكات في محافظة درعا ي جنوب سوريا، فجر الثلاثاء، استمرارا لمواجهات بدأت الأسبوع الماضي الماضي وتعد الأعنف منذ ثلاث سنوات، وفق ما أفاد المرصد السوري.
ورافق ذلك محاولات اقتحام حاولت من خلالها قوات الأسد التقدم باتجاه أحياء "درعا البلد"، التي عاشت مؤخرا حصارا استمر لأكثر من شهر، اعتبره معارضون "عقابا" بسبب رفض مشاركتها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ورغم انحصار المفاوضات بين لجان النظام السوري ولجان أهالي درعا، إلا أنها تجري بتنسيق ورعاية من الجانب الروسي، الذي لم يصدر عنه أي تعليق رسمي بشأن ما يجري على الأرض.
وبحسب ما أفاد مصدر إعلامي من درعا البلد في تصريحات لموقع "الحرة" فإن حملة القصف ليل الاثنين- الثلاثاء كان قد سبقها لقاء جمع ممثلي اللجان المركزية مع ضابط روسي يدعى "أسد الله".
وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية. "الجولة لم تفض لأي نتائج. الضابط الروسي عرض شروط النظام السوري لوقف الحملة العسكرية، وكان رد ممثلي اللجان بالرفض التام لها".
تعيش في أحياء درعا البلد 11 ألف عائلة سورية، يزيد إجمالي عدد أفرادها عن 50 ألف نسمة.
وتقول شبكات محلية، تغطي أخبار الجنوب السوري، إن تلك العائلات تعيش في أوضاع صعبة، بسبب التوتر الأمني المفروض وانقطاع العديد من الاحتياجات اليومية التي يحتاجها الصغار قبل الكبار.
وبينما يغيب الموقف الرسمي من جانب النظام السوري تزعم وسائل إعلام مقربة منه وجود خلايا لتنظيم "داعش" في أحياء درعا البلد، الأمر الذي يدعو من وجهة نظرها لشن حملة عسكرية لإخراجها من المنطقة.
كان الطفال السوري، حسين صايغ (13 عاما)، من بين 27 طفلا قضوا في الهجمات التي شنتها القوات الحكومية السورية في شمال غرب البلاد خلال الشهرين الماضيين وحدهما
صحيفة "الوطن" شبه الرسمية قالت الثلاثاء إن "الدولة السورية تصر على قرار حاسم لا رجعة فيه بالجنوب السوري، من خلال إعادة الأمن والاستقرار إلى كامل المنطقة الجنوبية".
وأضافت الصحيفة أن "المفاوضات بين اللجان المركزية واللجنة الأمنية الممثلة عن النظام السوري وصلت إلى طريق مسدود، بمعنى أنها فشلت، ولا حل إلا بـ الخيار العسكري، بحسب تعبيرها".
وكان لافتا قبل أسبوع استقدام النظام السوري قوات بالآلاف من تشكيل "الفرقة الرابعة"، تمركزت في محيط أحياء درعا البلد، ونفذت ضربات مدفعية وصاروخية، كما حاولت التقدم من أكثر من محور.
وتعتبر "الفرقة الرابعة" رأس الحربة على الأرض حاليا، ونشر عناصر تابعة لها لقطات فيديو، الأربعاء، توثق انتشارهم في مناطق عدة بالجنوب السوري.
وعقب اندلاع الثورة السورية في 2011، اتُهمت هذه الفرقة، بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين، وهي أيضا متهمة بارتباطها المباشر بإيران التي تحاول بسط نفوذها في الجنوب السوري، بحسب نشطاء ومعارضين من درعا.
في مقابل ما سبق، هناك رواية أخرى من جانب اللجان المركزية الممثلة عن الأهالي في درعا وريفيها الشرقي والغربي.
وتواصل موقع "الحرة" مع أحد المطلعين على عمليات التفاوض، حيث قال إن اللجان المركزية تتمسك برفض شروط النظام، وتعتبرها مقدمات وتمهيدا لبسط السلطة الأمنية والعسكرية، كما كان الحال في عام 2011.
وأسفرت المواجهات بين قوات النظام السوري، والمقاتلين المحليين في درعا، عن مقتل نحو 32 شخصا، بينهم أطفال، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويريد وفد النظام السوري تثبيت عدد من النقاط العسكرية في أحياء درعا البلد، وتفتيش جميع منازل الأهالي، بالإضافة إلى إجبار المطلوبين أمنيا على الرحيل إلى مناطق الشمال السوري. هو أمر ترفضه اللجان المركزية وتشترط "إما الترحيل للجميع.. أو لا أحد".
وهناك تخوف من أن تفضي عمليات التفتيش التي ستنفذها قوات الأسد إلى عمليات سرقة ونهب وانتهاكات، ويشير المصدر الذي تحدث لموقع "الحرة": "خلال الأيام الماضية تعرضت منازل عدة، على أطراف درعا البلد، للنهب والسرقة. هذه الممارسات سيتم تكرارها في حال القبول بشروط النظام".
منير الحريري ضابط منشق عن "فرع الأمن السياسي" قال لموقع "الحرة": "درعا الشوكة الكبيرة في خاصرة النظام السوري، لذلك يريد كسرها في الوقت الحالي، خاصة بعد رفضها المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة".
وتابع الحريري المقيم في عمّان: "النظام يضع شروطا تعجيزية، ويحاول تمريرها عبر الضابط الروسي ذو الأصول الأوزبكية أسد الله. القصف الذي حدث ليل الاثنين- الثلاثاء عبارة عن ضغط متقدم للقبول بالشروط".
وتحدث الحريري عن زيارة أجراها وزير الدفاع السوري، علي أيوب، الاثنين إلى مدينة درعا، في خطوة "رمزية" يحاول من خلالها النظام السوري دعم الروح المعنوية لمقاتليه بعد الهجمات التي تعرضوا لها في الأيام الماضية.
ولم يعلن النظام السوري عن زيارة وزير دفاعه إلى درعا، إلا أن وفد اللجان المركزية أكد ذلك.
تعتبر محافظة درعا في الجنوب السوري إحدى مناطق "خفض التصعيد".
ويحكمها اتفاق دولي منذ عام 2018، قضى حينها بإبعاد المقاتلين المعارضين إلى الشمال السوري، مع إعادة بسط نفوذ قوات الأسد وروسيا من جديد.
وما بين النظام السوري واللجان المركزية الممثلة عن الأهالي كان لافتا خلال الأيام الماضية، دخول الجانب الروسي على الخط، من خلال شخصيتين، الأولى هي الضابط "أسد الله"، والثانية الضابط الروسي ألكسندر زورين.
وبينما يجري "أسد الله" لقاءات مكوكية بين الأطراف المتصارعة للوصول إلى حل، كان زورين قد أجرى زيارة إلى مدينة بصرى الشام قبل أيام، التقى خلالها بالقيادي السابق في المعارضة، أحمد العودة.
قال المسؤول الأميركي "إن هذه الأحداث دليل إضافي على ما قالته الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بأن الأزمة الإنسانية في سوريا هي نتيجة مباشرة لهجمات نظام الأسد المروعة..".
ويعرف القيادي العودة بقربه من روسيا، ويندرج عمل قواته ضمن "اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس"، وهو التشكيل الذي أسسته موسكو وتدعمه ماليا، منذ سنوات.
وأوضح الضابط المنشق عن الجيش السوري، منير الحريري أن العناصر الذين استقدمهم النظام السوري إلى الجنوب السوري في الأيام الماضية هم "من الميليشيات الإيرانية، لكنهم يرتدون لباس قوات الفرقة الرابعة".
وأردف: "نعرف أنهم ميليشيات إيرانية، وهم الأساس وراء عمليات التصعيد على الأرض".
وفيما يخص الجانب الروسي يرى الحريري أن عدم تدخل الطيران الروسي في حملة النظام السوري العسكرية "أمرا لافتا"، ويتابع: "هو موقف يحسب للروس. يبدو أن هناك كسر عظم بين الروس والإيرانيين على حساب أهالي درعا".
والغطاء الجوي هو العامل الحاسم في أي معركة، ويشير الضابط المنشق: "النظام السوري يفتقده في الوقت الحالي. نحن لدينا إرادة وأصحاب حق وسندافع عن أي شبر".
وتتميز محافظة درعا بوضع خاص عن باقي المناطق السورية التي دخلت في اتفاقيات "التسوية"، من حيث طبيعة القوى العسكرية المسيطرة على قراها وبلداتها، وأيضا طبيعة المقاتلين.
وينقسم المقاتلون بين تشكيلات أنشأت حديثا كـ"اللواء الثامن" التابع لـ"الفيلق الخامس"، وأخرى "أصيلة" في المنظومة العسكرية لنظام الأسد كـ"الفرقة الرابعة" و"الأمن العسكري" و"المخابرات الجوية".
هذا التنوع في القوى المسيطرة ألقى بظلاله على الأرض، لتتشكل مناطق نفوذ مقسّمة داخل منطقة النفوذ المعروفة إعلاميا على أنها تخضع بكاملها لسيطرة نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News