انتهى الأحد الماضي اليوم الانتخابي لاختيار "البرلمان الشبابي". وسارع المنخرطون في العملية من أحزاب وتيارات ومجموعات، الى اعلان الفوز واعتباره دليلاً على التأييد الشعبي لمشاريعهم وشعاراتهم، بعد 17 تشرين الأول 2019 وما تلاه من أزمات وخضات.
لذلك، كان لا بد من قراءة موضوعية وواقيعة، بالأرقام والسياسة لهذه العملية الانتخابية المحدودة ولكن المميزة، ومدى انعكاسها على استحقاق العام 2022، وهي التي جرت قبل اشهر قليلة منه.
من هو صاحب المشروع؟
"القادة الشباب من أجل سياسية غير طائفية في لبنان"، هو مشروع أطلقه مركز رشاد للحوكمة الثقافية في مؤسسة أديان في آب 2019، ويستمر حتى آب 2022، ويهدف إلى تمكين الناشطين الشباب (18 الى 35 عاماً) وتحفيزهم إلى المساهمة في تطوير الحياة السياسية على قواعد غير طائفية، وعلى المشاركة الفعالة فيها، إضافة إلى زيادة الوعي والدعم الشعبي لفكرة دولة المواطَنة الحاضنة للتنوع.
لقد اعتمد المشروع قانون انتخابي جديد مبني على آراء الشباب وطموحاتهم بحسب الإحصاء ومجموعات النقاش التي أجريت في كل لبنان، وقد وضعته لجنة متخصصين وخبراء انتخابيين مستقلين (مثل سعيد صناديقي، د. ريان عساف، جوليان كورسون، د. مكرم عويس، محمد شمس الدين، زينة الحلو، جومانا مرعي، وغيرهم).
والقانون المعتمد هو مختلط خارج القيد الطائفي: يؤمن تمثيل المناطق وخصوصياتها وتنوعها عبر 42 دائرة فردية ويؤمن العمل المشترك والمنظم وتوحد اللبنانيين حول البرامج في دائرة وطنية من 22 مقعد تعطى فيها الأفضلية للوائح الأكثر تنوعاً والأكثر توازناً جندرياً (وكانت الحصيلة فوز 21 شابة من 64 أي نسبة 32% دون الحاجة للجوء الى الكوتا).
وقد واكبت العملية الانتخابية هيئة مستقلة عن "أديان" مؤلفة من متخصصين مشهود لخبرتهم (هم عمار عبود، فيكتوريا زوين، عاصم شيا، وديانا كلاس) أدارت الإنتخابات بكاملها واصدرت هي النتائج. كما أن هناك هيئة حل نزاعات مؤلفة من متخصصين قانونيين مستقلين لتلقي الطعون والإعتراضات.
وبعد كل هذا المسار الذي تكلل باليوم الانتخابي الطويل، الكترونياً عبر موقع www.ymplebanon.com أو في 9 مراكز توزّعت على مختلف المحافظات والدوائر، كان لا بد من قراءة واقعية وسياسية لهذا المشروع ونتائجه وتأثيره على الانتخابات النيابية التي ستجرى في العام 2022، ومدى عكسه للواقع.
أرقام ودلالات
كان المشروع يهدف الى استقطاب تسجيل 10 آلاف مشارك راغب في خوض هذه التجربة، فإذا ب24658 تسجلوا. شرك في التصويت 11411 ناخب أي نسبة 46% من المسجلين أو ونسبة 74% من من أتموا كل متطلبات تحميل الوثائق الثبوتية.
وكانت نسبة الاقتراع الأعلى في راشيا (79%) حيث إحتدمت المعركة تليها بيروت الرابعة (70%)، بينما سجّلت النسب الأدنى في كل من زحلة الثانية (9%)، صور الأولى (9%)، المتن الأولى (10%).
في الترشيحات والمشاركة
وبينما سمح القانون للأحزاب بدعم لوائح ومرشحين، على أن لا يخوضوا العملية الانتخابية باسم هذه الأحزاب والتيارات، فقد بدا واضحاً أن تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الوطنيين الأحرار قد انخرطوا في المشروع والمسار الانتخابي. بينما ظهر بوضوح إحجام التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية عن المشاركة ، وكذلك إلى حد كبير أحزاب الكتائب اللبنانية وحزب الله وحركة أمل.
لقد أظهرت الانتخابات أن "قوى الثورة" رأت في القانون فرصة لخوض التجربة وتشكيلة ماكينات انتخابية مشتركة، فشكّلت تحالفاً قوامه "لـحقي" و"منتشرين" و"بيروت مدينتي" وغيرها من مجموعات الثورة. وضع برنامجاً انتخابياً وقام بحملات دعائية منظّمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فيما انسحب "المرصد الشعبي لمحاربة الفساد" من الحالف بحجة تهنئة مؤسسة أديان لوزير التربية عند تعيينه (علماً انه يشغل عضوية مجلس الأمناء فيها منذ سنوات)، بينما رأت بعض قوى الثورة أن انسحاب المرصد يعود لعلمه المسبق بعدم امكانية تحقيق الفوز.
أما الأحزاب المشاركة، فزيتت ماكيناتها بدورها، وأمّنت التسجيل والاقبال لضمان فوز أكبر عدد ممكن من مرشحيها.
فيما بدا أن الأحزاب والتيارات المعتكفة عن المشاركة، لم تجد نفسها متحمّسة للانخراط في هذه العملية، إما لعدم أخذها على محمل الجدّ واعتبار أن لها مدلولات على المشهد الانتخابي الفعلي، أو لعدم رغبتها بكشف أوراقها على بعد أشهر من الانتخابات، أو لاعتراض مبدأي على فكرة انتخاب خارج القيد الطائفي.
في النتائج
في قراءة بخلفية سياسية للنتائج يظهر أن المجتمع المدني ولائحته "البرلمان للناس" قد حقق نتيجة جيدة جداً فتصدّر الدائرة الوطنية وفاز ب 11 مقعد من أصل 22 إذ حصد مجموع 4027 صوت ولكن اللائحة كسبت أيضاً المقعد الذي أعطي للائحة الأكثر تنوعاً ديمغرافياً والمقعد الذي أعطي للأكثر توازناً جندرياً. أما في الدوائر الفردية فقد فاز التحالف في 8 دوائر (بيروت الثانية، عكار الثالثة، جبيل، كسروان، مرجعيون، حاصبيا، الهرمل، وراشيا) كما أعلن بعض الفائزين المستقلين إنضمامهم للتحالف. قد تدل هذه النتيجة على الدوائر التي لدى المجتمع المدني قوة فيها وإمكانية خرق حقيقي في الإنتخابات الوطنية وهي الدوائر التالية (بيروت، عكار، كسروان/جبيل، مرجعيون/حاصبيا، البقاع الغربي/راشيا، وبعلبك/الهرمل).
أما تيار المستقبل الذي أعلن رسمياً دعم لائحة "الشباب صناع التغيير" عبر ماكينته الإنتخابية التي تفعّلت في كل المناطق وخاضت هذه الإنتخابات الشبابية بجدية فقد تمكن من كسب معظم النزالات التي واجه فيها لائحة المجتمع المدني بسهولة (في دوائر بيروت الأولى والخامسة، عكار الأولى والثانية، دوائر طرابلس الثلاثة، وصيدا).كما استفاد التيار من عدم خوض أحزاب أساسية للمعركة ليفوز في دوائر لا يشكل فيها أكثرية فعلياً (مثل دوائر زغرتا، الكورة، البترون، وبعلبك الأولى والثانية). علماً أن لائحة التيار الوطنية ومرشحيه الفرديين هم بأكثريتهم الساحقة من السنة الحزبيين أو القريبين.
كما فاز مرشحين منفردين لم يعلنوا انتمائهم لأي حزب أو تحالف ب 19 دائرة فردية.
وبحسب الترشيحات الرسمية، والنتائج، يمكن تقسيم التوزيع على الشكل التالي:
* البرلمان للناس (مجموعات الثورة): 19 مقعداً من أصل 64 مرشحاً. إنضم إليهم آخرون إبان الإنتخابات.
* الشباب صناع التغيير (تيار المستقبل مع المستقلين): 21 رابحاً من أصل 45 مرشحاً.
*معاً نبني (مستقلين وحزبين منفردين بعضهم من أحزاب التقدمي الإشتراكي، والقوات والأحرار): 8 رابحين من أصل 60 مرشحاً.
في الإصلاحات
بما أن القانون سمح بمشاركة من هم بين 18 و35 تصويتاً وترشحاً، تبيّن بالأرقام، وجود 149 مرشحًا أعمارهم بين ال18 وال24، أي أكثر من نصف المرشحين لبرلمان الشباب هم من من لا يحق لهم الترشح في الإنتخابات الوطنية. فاز من هؤلاء 37 أي نسبة 58% من البرلمان، 16 منهم عمرهم أقل من 21.
على صعيد مسألة التسجيل والترشّح لمن هم من أم لبنانية فقط، فقد أظهرت الأرقام وجود 394 ناخباً مسجلاً، اقترع من بينهم 126. بينما ترشّح 5، فاز من بينهم إثنان.
وبحسب التقديرات (لأنه لم يطلب من المرشحين الإفصاح عن انتمائهم الطائفي) خاض 48 مرشحاً مسيحياً من اصل 264 العملية الانتخابية، فاز من بينهم 13 أي 20% فقط من أعضاء البرلمان. إن كان القانون لم يضمن المناصفة للمسيحيين إلا أن النسبة كانت يمكن أن تكون مضاعفة لو كانت المشاركة المسيحية فعالة أكثر ترشحاً وانتخاباً، وهذا مفهوم مع إنكفاء كل الأحزاب المسيحية الأساسية عن المشاركة الفعالة.
في التوازن الجندري بلغ عدد الناخبات 48% من المجموع والمرشحات 73 (28%) من المرشحين و21 فائزة من 64 (33%) وهذا قد تحقق دون الحاجة إلى كوتا نسائية بل فقط بتشجيعات وتسهيلات اعتمدها القانون.
في المحصّلة، هي تجربة شبابية فريدة من نوعها، يفترض ان تستكمل في المرحلة المقبلة للمشروع بوضع الاقتراحات والأفكار موضع التنفيذ. وهنا المحك الفعلي، لكل من تبنى الفوز، من أحزاب منخرطة في السلطة، أو قوى ترفع شعار الثورة والتغيير.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News