فتات عياد
وصل إجهار بعض اللبنانيين البارزين إعلامياً التطبيع مع كيان العدو الصهيوني إلى مستويات من الوقاحة غير مسبوقة، وكانت أوقحهم الإعلامية ماريا معلوف. التي أطلت عبر قناة اسرائيلية، لتصبح صاحبة معادلة طغاة "بسمنة" وطغاة "بزيت". إذ متى بات الطاغية بشار الأسد مرفوضاً إنما الكيان الصهيوني الغاصب الذي طغى وقتل واستعمر "مقبولاً"!؟ وكيف تناست معلوف أن اسرائيل -محتلة- لجزء من الأراضي اللبنانية لتظهر بكل هذه الأريحية عبر إذاعة إسرائيلية وتحاور فيها رئيس الأركان الجيش الإسرائيلي المسؤول عن قيادة أي حرب محتملة ضد بلادها، وتشكو له حزب الله والاحتلال الإيراني ضاربة عرض الحائط القانون الذي ينص صراحة على أن اسرائيل "عدو" للبنان والتعامل معه -بكافة أشكاله- خيانة عظمى!
وهل فتحت السيطرة الإيرانية الجائرة على لبنان أبواب العمالة والجرأة "بوقاحة" على إجهار نفس التطبيع؟!
داست معلوف على جراح ذاكرة جماعية عمرها من عمر الصراع العربي الإسرائيلي، وأسقطت عقوداً من مقولة "اسرائيل شر مطلق"، لتقول "يهود أميركا مناح" خالطة بين الديانة اليهودية والكيان الصهيوني، وتعبر عن نيتها "زيارة اسرائيل" لا "فلسطين المحتلة"، دونما أي رادع لا أخلاقي ولا إنساني ولا وطني!
لكن من يسقط المجازر الإسرائيلية المرتكبة بحق اللبنانيين، من عقول اللبنانيين؟ وكيف قدّمت معلوف هدية "مزدوجة" لحزب الله واسرائيل في آن؟
اسرائيل والعمالة المزدوجة
و"العدو الاسرائيلي" عبارة تتضمن كلمتين متلازمتين في لبنان، البلد العربي الأول الذي تجرع شر اسرائيل مباشرة بعد فلسطين، ليس بحكم الجغرافيا وحسب، بل لأن للبنان من صراع محاور المنطقة على أرضه نصيب.
وها هي معلوف تقود وتقدم اوراق اعتمادها لاسرائيل، في أوج حرب المحاور في المنطقة، وفي أوج الصراع الأميركي-الإيراني، والسعودي-الإيراني، وفي أوج "اتفاق ابراهام" التطبيعي العربي الذي افتتحه عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وأول ما يخطر على بال اللبنانيين عند سماع كلمة اسرائيل، قد يكون مجزرة قانا التي ارتكبتها بحق أطفال الجنوب، عام 1996 حيث أطلقت قوات الإحتلال الإسرائيلي قذائف محرمة دولياً على مقر كتيبة قوة الأمم المتحدة في بلدة قانا مستهدفة هنغارات كان لجأ إليها الأهالي هرباً من عملية عناقيد الغضب، ليذهب ضحية هذه المجزرة ضد الإنسانية 105 أشخاص من المواطنين بينهم 33 طفلاً.
ويوم اجتياحها العاصمة بيروت عام 1982، كان العرب يحتفلون بفوز الجزائر على ألمانيا بكرة القدم، وكان اللبنانيون وحدهم يقصفون ويحاربون ويقتلون. من هنا ربما استبق النائب غسان تويني هذا الخطر لدى كتابة محاضر جلسة إقرار قانون مقاطعة إسرائيل عام 1955، إذ قال يومها "من الأفضل أن نسجل هنا أن للبنان مصلحة أكثر من أي بلد عربي آخر في إقرار قانون أحكام المقاطعة مع إسرائيل".
ويوم ورّط حزب الله لبنان بحرب عام 2006 فدمرت اسرائيل البنى التحتية من أنفاق وجسور وقلبت الضاحية الجنوبية رأساً على عقب، كان اللبنانيون يدفعون ثمن قرارات حزب الله المؤتمر من الولي الفقيه، وعدوان اسرائيل، في آن.
والأهم أنه لا يمكن إنهاء الاحتلال الايراني، بالاحتلال الاسرائيلي، ولا يمكن كذلك "تبديل المحتل"
معلوف- الصدمة
وبالعودة إلى الإعلامية المعروفة بمعارضتها الشرسة لحزب الله ماريا معلوف، والتي تقيم حاليا في واشنطن، فقد هاجمت معلوف خلال المقابلة التي أجراها معها الصحفي الإسرائيلي روعي كايس معها ونشرت على قناة "كان" الرسمية الاسرائيلية، "حزب الله"، معتبرة أنه "يسيطر على لبنان وحكومته وأن الأزمة الأخيرة مع السعودية هي دليل على أن الحزب وصل إلى مرحلة إبعاد لبنان عن محيطه العربي وقام باختطافه، وأرجع البلاد إلى الوراء".
ومع المحاور العبري الذي تغمدته فرحة النصر على الكبرياء اللبناني الذي لم ينحني لـ"أعتى الجيوش"، سمحت معلوف لنفسها أو أمرت ربما بفتح الهواء لشن اعنف حرب على حزب الله من منبر اسرائيلي، مع أنها قادرة على شن ذات الهجوم، دون حاجتها لمنبر ملطخ بدماء اللبنانيين.
وأي خدمة تقدمها لحزب الله إعلامية تهاجمه، أن تخاطب أفيخاي أدرعي رئيس أركان الجيش في الإطلالة ذاتها، في حين أن اللبناني الذي يصادف وجوده امام اسرائيلي في المحافل الدولية قد يتعرض من شدة حساسية الموقف للتخوين؟
وعرف المذيع خطر ما اقترفته معلوف فقال "ليس كل يوم تجلس صحافية لبنانية في مقابلة مع الاعلام الاسرائيلي"، ولم تعرف معلوف خطر ما أقدمت عليه، هي التي لا تعرف ان "المسجد الاقصى وكنيسة القيامة" يقعان في القدس الشرقية وليس في "دولة اسرائيل"، التي تريد زيارتها! وهي التي بدت كأنها "عم تترشق حكي"، فقط بهدف النيل من حزب الله، ويا ليتها نالت منه... بل نالت هي من كل معارضيه الذين يتعرضون لتهمة العمالة منه وأعطتهم وسيلة لتخوين كل من يعارض الحزب بأنه حتماً مناصر للعدو!
عدو العدو... ليس بالضرورة "صديق"!
وفيما اعتبرت معلوف أن فعلها "لا يعتبر عمالة بل انفتاحاً"، مضيفة ،"بس ان شاء الله نقدر نتخلص من سلاح حزب الله"، حاربت الحزب بسلاحه الذي يجيد استعماله، وهو عدائه الذي يجاهر به لإسرائيل، واتهامه لكل من يخالفه الرأي والموقف بأنه خائن وعميل وحقه رصاصة.
وإذا لفقت تهم عدة سابقاً للبنانيين بالعمالة من فئة خصوم حزب الله، فإن القتل الممنهج للقمان سليم سبقه اتهامه بالعمالة أيضاً وهدر دمه عبر عبارة "المجد لكاتم الصوت"، وإن أفظع ما اقترفته معلوف، هو تجسيد اتهامات الحزب بقولبة "مادية" واضحة لا لبس فيها، على قاعدة أن "عدو العدو صديق"!
بفعلتها هذه بات كل معادي للحزب والاحتلال الإيراني، هو حتماً من المنادين بالسلام مع الاحتلال الاسرائيلي! وهو أمر غير صحيح، وبهذه المعادلة البسيطة خدمت معلوف حزب الله.
ومع فداحة ووقاحة فعل معلوف، لا يمكن التغافل عن سياقه الذي أتى فيه، فهي انطلقت من موجة التطبيع الخليجية، ولم تساو حتى بين الاحتلال الايراني والاسرائيلي، بل أنها فاضلت بينهما، فـ"يهود أميركا مناح" قصدت منها الكيان الاسرائيلي، و"عدو العدو صديق" معادلة ترجعنا إلى أيام الحرب، وإلى أيام الزعامات اللبنانية التي فضلت التحالف مع اسرائيل للنيل من تحالف القوى الفلسطينية مع بعض قوى اليسار اللبناني، وما أخطر أن تكون تلك المعادلة اليوم لأذهان المطبعين!
والتحالف مع "الشيطان" للتخلص من الخصم، يعيد إنتاجه الكثيرون اليوم من الحالمين بالتطبيع، وتسوق له المشاريع الاقليمية التي تحاك للمنطقة، ودوماً تستخدمها الزعامات اللبنانية لصالح مصالحها السياسي، على حساب مصلحة لبنان الكيان والشعب.
وما تطرق صحيفة عبرية لمقال اللبناني نديم قطيش في مقال كتبه في صحيفة "الشرق الأوسط" قبل أسبوعين، يتحدث فيه عن "السلام مع إسرائيل؛ لأنه سيُفيد الإقتصاد اللبناني المنهار"، إلا خير دليل على الهدايا المجانية لإسرائيل، التي يقوم بها بعض الاعلاميين من مسوقي التطبيع، وهي هدية من النوع المزدوج التي يستفيد منها الخصم والحليف في آن!
نموذج عملي
إذ أنها نموذج "عملي" سيستغله حزب الله ليقول كيف أن خصوم الداخل "مطبعون" و"خونة". ليزكي انقسام المحاور سيما بعد سحب السعودية والكويت والامارات والبحرين سفراءهم من لبنان إثر الأزمة الديبلوماسية الأخيرة، وما يعنيه هذا من وضع لبنان بين فكي إيران وحلفائها في المنطقة، وتركه وحده يصارع هذا الاحتلال.
وفي حين يريد اللبنانيون الثائرون على صراع المحاور على أرض لبنان، دولة مستقلة قوية غير مرتهنة لأي محور، تعامل الأشقاء والأصدقاء معاملة ندية تحفظ مصلحة شعبها وتقوي الدولة لا تضعفها، فإنهم اليوم يدفعون ثمن ارتهان الزعامات اللبنانية والانهيار الاقتصادي، فيتفرجون على صراع النفوذ على ما تبقى من ثرواتهم، كالنفط الذي لم يتم التنقيب عنه بعد، وهم عاجزون عن تحصين ساحتهم، قبل تحرير دولتهم من أدوات الاحتلالات الخارجية المزروعة في المنظومة الحاكمة، على تعدد المحاور!
لا مفاضلة بين الاحتلالات!
ولعلّ من الجدير الذكر أن مجازر اسرائيل بحق اللبنانيين من مجزرة قانا إلى مجزرة الأوزاعي إلى مجزرة الخيام وكونين وصبرا وشاتيلا... ليست أقل اجراماً من الانهيار الاقتصادي بفعل الطبقة السياسية الفاسدة، وإن جريمة مرفأ بيروت التي دمرت ثلث العاصمة ليست أقل ترويعا من جرائم الحرب الاسرائيلية التي ارتكبت بحق اللبنانيين.
ويأتي تدمير لبنان اليوم وتحلل دولته ومؤسساته، مع احتلال ايراني للدولة عبر حزب الله، وللشارع عبر سلاحه، وللناس، عبر دويلته. وأثبتت الاحتلالات على أنواعها للبنان، أن فيها ما يكفي من الشرور، فاسرائيل ككيان فاشي خطر على الانسانية وليس لبنان وحسب، تماما كمشروع ولاية الفقيه الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الوصول للقنبلة النووية، التي لن تزيده سوى شروراً، ولن تزيد لبنان سوى جحيماً، تستعر نيرانه، بوقود قوامها اللبنانيون، لا أحد سواهم!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News