وسط المعارك الطاحنة في منطقة دونباس الأوكرانية، حيث تتسبّب الصواريخ الروسية بتدمير كلّ مظاهر الحياة وقتل المدنيين وتهجيرهم، وتحت مبرّرات المفاهيم الجيوسياسية الضاربة في أعماق التاريخ، وفيما احتفلت روسيا بالأمس بذكرى مولد قيصرها الخامس "بطرس الأكبر"، شبّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسته بتلك التي كان يتّبعها "بطرس الأكبر" حين كان يُقاتل السويد وغزا قسماً من أراضيها وفنلندا وأجزاء من إستونيا ولاتفيا.
وخلال لقاء مع روّاد أعمال شباب في موسكو، قال بوتين: "زرنا للتو معرضاً مخصّصاً للذكرى الـ350 لولادة "بطرس الأكبر". إنه أمر مدهش، وكأن شيئاً لم يتغيّر... "بطرس الأكبر" خاض حرب الشمال مدى 21 عاماً. يسود انطباع بأنه من خلال مقاتلة السويد استولى على شيء ما. هو لم يستولِ على أشياء هو استعادها!".
وتابع "القيصر" سرده التاريخي: "عندما أسّس عاصمة جديدة (سان بطرسبرغ)، لم يعترف أي من بلدان أوروبا بأن هذه الأراضي تابعة لروسيا. كان العالم بأسره يعتبرها جزءاً من السويد"، مشيراً إلى أن الجماعات السلافية كانت تعيش هناك إلى جانب الجماعات الفنلندية - المجرية، وأردف: "كان بصدد الاستعادة والتدعيم. يبدو أنه يتعيّن علينا أن نستعيد وأن نُدعّم!"، في إشارة إلى الهجوم الروسي على أوكرانيا وربّما غزوات أخرى مرتقبة في المستقبل. وأوضح أن "هناك حقبات في تاريخ بلادنا اضطررنا فيها إلى التراجع، إنّما فقط لاستعادة قوانا والمضي إلى الأمام".
توازياً، أصدرت السلطات الإنفصالية الموالية لموسكو حكماً بإعدام بريطانيَّيْن ومغربي أُسروا أثناء قتالهم إلى جانب الجيش الأوكراني، وذلك في خضمّ معركة تزداد احتداماً للسيطرة على مدينة سيفيرودونيتسك الإستراتيجية في الشرق الأوكراني. وأوردت وكالة الأنباء الروسية الرسمية "تاس" أن "المحكمة العليا لجمهورية دونيتسك الشعبية حكمت بالإعدام على البريطانيَّيْن إيدن أسلين وشون بينر والمغربي إبراهيم سعدون لاتهامهم بالمشاركة في القتال كمرتزقة".
وبينما أكد بافيل كوسوفان، وهو محامي أحد الرجال الثلاثة، لوكالة "تاس" أن المتّهمين "سيستأنفون الحكم"، أعربت المملكة المتحدة عن "قلقها البالغ" بعد صدور حكم الإعدام. ويأتي صدور حكم الإعدام في توقيت تواجه فيه القوات الروسية والإنفصاليون صعوبات هائلة في السيطرة على سيفيرودونيتسك التي تتعرّض لقصف عنيف منذ أسابيع عدّة، فيما اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مساء الأربعاء أن جنوده يخوضون في سيفيرودونيتسك واحدة من "أصعب المعارك" منذ بداية الحرب، مشيراً إلى أن المعارك الدائرة في المدينة ستُحدّد مصير منطقة دونباس.
وفي السياق، أكد حاكم منطقة لوغانسك سيرغي غايداي أن أوكرانيا تستطيع فور حصولها على أسلحة غربية "بعيدة المدى" أن تستعيد سيفيرودونيتسك، في وقت كشف فيه وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف أن "ما يصل إلى 100 جندي أوكراني يُقتلون و500 يُصابون كلّ يوم" في المعارك الطاحنة مع الجيش الروسي. وبحسب كييف، يشنّ الروس قصفاً مركّزاً على منطقة دونيتسك، الشطر الآخر من دونباس، و"على طول خط الجبهة" ويُهاجمون مدن سلوفيانسك وباخموت بضراوة، فيما كشفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه تمّ تسجيل نحو 5 ملايين أوكراني على أنهم لاجئون في أوروبا. لكنّ العدد الإجمالي للذين فرّوا من أوكرانيا أكبر، إذ عبر حدود البلاد أكثر من 7.3 ملايين شخص ولم يعودوا إليها، حتّى 7 حزيران.
ووسط اتهامات لموسكو بعرقلة تصدير الحبوب الأوكرانية وسرقتها، طلب زيلينسكي أمس بطرد روسيا من منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، التي لم تشأ التعليق على هذه الدعوة، لكنّها أصدرت تقريراً حول "توقعات الأغذية" حذّرت فيه من أن الحرب الدائرة في أوكرانيا تُفاقم الأزمات الغذائية حول العالم، ما يؤدّي إلى ارتفاع الفاتورة العالمية لواردات الأغذية من جرّاء تزايد أسعار الحبوب والأسمدة. وتساءل الرئيس الأوكراني: "لمَ سيكون لروسيا مكان فيها إذا تسبّبت في المجاعة لما لا يقلّ عن 400 مليون شخص أو حتّى أكثر من مليار شخص؟".
ومع ارتفاع كلفة العقوبات الغربية ضدّ موسكو على اقتصاد البلاد، رأى بوتين أن السياسة الروسية للإلتفاف على العقوبات الغربية والتي تقضي بأن تُنتج في روسيا سلع عدّة كانت حتّى الآن مستوردة "ليس الحلّ الشافي"، معتبراً أن على موسكو البحث عن شركاء تجاريين جدد، في حين شاركت عشرات السفن الروسية في مناورات عسكرية في بحر البلطيق في ظلّ ازدياد التوتر حول هذه المساحة الإستراتيجية التي يُجري فيها "حلف شمال الأطلسي" حاليّاً مناورات أيضاً.
وفي غضون ذلك، أقال المجمع المقدّس للكنيسة الروسية الأرثوذكسية الثلثاء "الرجل الثاني" في الكنيسة متروبوليت فولوكولامسك ورئيس قسم العلاقات الكنسية الخارجية في بطريركية موسكو المطران هيلاريون ألفييف من مهامه وعُيّن بدلاً من ذلك مدبّراً لأبرشية بودابست المجرية ومتروبوليت بودابست والمجر. وعُيّن المتروبوليت أنطوني (سيفريوك) رئيساً جديداً لدائرة العلاقات الكنسية الخارجية في بطريركية موسكو.
وبينما لم تُعلن الأسباب الحقيقية للإقالة، كشفت مصادر ديبلوماسية أن إعفاء المطران هيلاريون من مهامه الأساسيّة قد تكون مرتبطة بأنّ مواقفه من الحرب الروسيّة في أوكرانيا لم تكن بالقوّة المطلوبة من الكرملين، الذي شكّك بمدى دعمه للعمليّة العسكريّة الروسيّة هناك، في وقت أصبح فيه كبير حاخامات روسيا بنشاس غولدشميت "في المنفى" بعد مقاومته ضغوطات الكرملين بدعم الحرب في أوكرانيا، بحسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News